سورين سيلو

نيكولاس ليرنر: حملة الدولة الإسلامية الدعائية تجذب جيلاً جديداً من المراهقين

16 كانون الأول 2023

المصدر: Le Monde

02 : 00

الشرطة الفرنسية بعد الهجوم الذي وقع في باريس | 2 كانون الأول 2023

يتناول نيكولاس ليرنر في هذه المقابلة مصاعب ملاحقة الإرهابيين المصابين بمشاكل نفسية، على غرار منفّذ الهجوم بالسكين الذي أسفر عن مقتل شخص، يوم السبت 2 كانون الأول، في باريس. بعد أكثر من سنتين من الهدوء، يلاحظ ليرنر تصاعد تهديدات الشبان نتيجة تجدّد زخم الجماعات الإرهابية في سوريا وأفغانستان.



بما أن المديرية العامة للأمن الداخلي كانت تطارد منفّذ هجوم مدينة «أراس»، في إقليم «با دو كاليه»، في باريس، هل تعتبر ما حصل فشلاً للمديرية؟

لا يمرّ يوم واحد من دون أن يتحرك 5 آلاف عنصر من المديرية. أحبط المسؤولون 73 اعتداءً منذ العام 2013، و43 منذ العام 2017. حتى أننا تجنبنا ثلاثة اعتداءات منذ آذار 2023. ومنذ اغتيال سامويل باتي، وتماشياً مع التعليمات الصارمة التي أصدرتها وزارة الداخلية [جيرالد دارمانان]، تم استبعاد 545 أجنبياً مسجلاً في تقارير الحماية من التطرف ذات الطابع الإرهابي. أي عملية من هذا النوع تُسبب لنا الإحباط والحزن.

هل يمكن اعتبار هذين الهجومَين إنذاراً بعودة التهديدات الإرهابية إلى فرنسا بعد فترة من الهدوء المؤقّت؟

جاء هجوم مدينة «أراس» بعد سنة ونصف من الهدوء. كان اغتيال إيفان كولونا وهو قيد الاحتجاز، في آذار 2022، آخر اعتداء يضعه القضاء في هذه الخانة. لكن إذا فكّرنا حصراً بالاعتداءات التي حصلت خارج إطار الاعتقال، يجب أن نعود إلى اغتيال ستيفاني مونفيرميه في مدينة «رامبوييه» [إقليم «إيفلين»]، في نيسان 2021، منذ سنتين ونصف.

نحن نلاحظ منذ أكثر من سنة أن هذا التهديد يستهدف أعلى المستويات تحت تأثير ثلاثة عوامل: أولاً، تجدّد حركة داخلية ذاتية النمو من جانب أفراد في عمر الشباب؛ ثانياً، التمسك الدائم بفكر الجهاد وسط شخصيات حيوية وخبيرة تتمتع برغبة شديدة في استهدافنا؛ ثالثاً، عودة التهديدات المرتبطة بالساحات الخارجية.

هل يجب أن يتعلّم الفرنسيون كيفية التعايش مع هذا التهديد؟

لا يستطيع أي بلد في العالم، بما في ذلك أكثر البلدان استبداداً، أن يدّعي أنه بمنأى عن المخاطر الإرهابية اليوم. يجب أن يدرك الجميع أن الفكر الإسلامي سيستمر لفترة طويلة. ويُفترض أن يعرف الفرنسيون أن هذا التهديد مستمر وأن هذا القتال المحتدم سيترسخ مع مرور الوقت.

يُجدّد هجوم 2 كانون الأول النقاش حول ملاحقة المعتقلين المتطرفين بعد خروجهم من السجن. كيف تُنظَّم عملية مراقبتهم؟

وفق تقديرات المديرية العامة للأمن الداخلي، يبدو أن «حلقة شائكة» من خمسين فرداً، من أصل 391 معتقلاً بتُهَم إرهابية اليوم، تحمل مواصفات مقلقة في هذه المرحلة من عقوبتهم التي لا تزال طويلة. على صعيد آخر، أُطلِق سراح 486 معتقلاً إسلامياً منذ صيف العام 2018. قد يبدو هذا العدد كبيراً، لكن لا يطرح جميعهم المستوى نفسه من الخطورة لحسن الحظ. لهذا السبب، تتراجع حالات الرجوع إلى الجرائم. على عكس ما أسمعه أحياناً، تراجع عدد كبير منهم عن التزاماتهم السابقة بفضل جهود إدارة السجون والملاحقات القضائية التي تستمر بعد خروجهم. يجب أن نتابع توخي الحذر طبعاً، لكن يمكن وضع أكثر من نصف الأشخاص الذين يخرجون من السجن اليوم في خانة آمنة.

في ما يخص النصف الآخر، يحمل هؤلاء الأفراد مواصفات مزدوجة ويتمسك البعض بالفكر المتطرف. لهذا السبب، يخضع كل من يخرج من السجن، بغض النظر عن مواصفاته، لملاحقة منهجية من جهاز الاستخبارات، وتُطبَّق في معظم الحالات تدابير قضائية و/أو إدارية لإعادة دمجهم في المجتمع وإخضاعهم لمراقبة مشددة في الوقت نفسه.

على صعيد آخر، تستعمل المديرية العامة للأمن الداخلي أجهزة مراقبة بشرية وتقنية بارزة لرصد أي سلوك قد يشكّل عائقاً قضائياً. منذ شهر أيلول، أُعيد خمسة أشخاص إلى السجن بسبب انتهاكهم للتدابير الإدارية. وتم استدعاء اثنين آخرَين في تشرين الأول، مع أنهما خرجا من السجن منذ فترة قصيرة: كان قد حُكِم عليهما بالسجن لمدة خمس وست سنوات على التوالي بتهمة دعم الإرهاب. يكمن التحدي الحقيقي في تحديد كل من يميل إلى تكرار هذا النوع من الأعمال. تتابع الأجهزة المختصة مراقبة الوضع طبعاً. لكن رغم تفانيها الكبير، تبقى الجهات المعنية تحت رحمة التحركات المفاجئة التي تنجم عن تصرفات خفية أو اضطرابات مفتعلة لا تسبقها بالضرورة أي مؤشرات تحذيرية.

تكلم منفّذ الهجوم عن الوضع في الشرق الأوسط في شهادته. ما تأثير هذا الصراع برأيك؟

لا شك في أن هذا الصراع يعطي نتائج مباشرة على التهديدات القائمة. يتعلق السبب الأول بدعوة أبرز التنظيمات الإرهابية، وعلى رأسها «القاعدة» و»الدولة الإسلامية»، إلى إطلاق حركة تضامن مع «الإخوان الفلسطينيين» عبر عشرات البيانات المتلاحقة. في ما يخص «الدولة الإسلامية» التي تمقت بطبيعتها القضايا القومية كتلك التي تؤيدها حركة «حماس»، ربما احتاج هذا النوع من ردود الأفعال إلى بعض الوقت وقد يخفي في طياته موقفاً انتهازياً، لكن يبقى أثره مشابهاً. في غضون ذلك، تتلاحق سلسلة من الخطابات غير المسؤولة، وهي تميل إلى تصوير فرنسا كـ»شريكة غير مشروطة» لدولة إسرائيل في خضم «إبادتها للشعب الفلسطيني». تهدف هذه الخطابات ضمناً إلى جعل فرنسا هدفاً مشروعاً لكل من يحمل نظرة دينية عن هذا الصراع.

هل تعتبر السياسيين أيضاً من أصحاب تلك الخطابات؟

أعتبر المتحدثين من جميع الأنواع مسؤولين عن هذه الخطابات.

ما هي أبرز النزعات التي تطغى على تطور التهديد الإرهابي المرتبط بساحات خارجية؟

نحن نُركّز على ثلاث مناطق، أولها منطقة الساحل الأفريقي وأفريقيا ككل. على المدى القصير، تطبّق الجماعات الإرهابية الموجودة هناك أجندة محلية. لكن إذا قررت تلك الجماعات مجدداً أن تستولي على مساحات من الأراضي، قد تزيد جاذبيتها بنظر الكثيرين وتنشأ فروع أخرى ليست موجودة حتى هذه المرحلة.

نحن نهتم أيضاً بالساحة السورية العراقية، حيث يحتفظ تنظيم «الدولة الإسلامية» بقوة مقلقة. أخيراً، تحتل الساحة الأفغانية أهمية كبرى، فقد تضاعف عدد المقاتلين المنتمين إلى التنظيم هناك منذ سنتين. يبدو أن الظاهرة التي نشهدها منذ سنة ونصف لا تتعلق باحتمال تنفيذ التهديدات المطروحة (بما يشبه ما كنا نسمعه في العام 2015 عن عناصر يغادرون منطقتهم ويحضرون لاستهدافنا)، بل إنها ترتبط فعلياً بتنشيط المناصرين عن بُعد، انطلاقاً من منطقة الجهاد.

تجسّد ثلاثة أمثلة جديدة هذا الشكل من التهديدات: أعاقت المديرية العامة للأمن الداخلي أول عملية في تشرين الثاني 2022، في ستراسبورغ، فتم استدعاء مواطن طاجيكي وآخر شيشاني بعدما أشارت جميع المعطيات إلى تحركهما بأمرٍ من عناصر «الدولة الإسلامية» في أفغانستان بهدف استهداف فرنسا، وهي سابقة في تاريخ البلد. خلال الصيف أيضاً، استدعى شركاء أوروبيون أفراداً يحملون المواصفات نفسها. أخيراً، اعتقلت الشرطة السويدية أشخاصاً على صلة مباشرة بتنظيم «الدولة الإسلامية» في سوريا.

تركت الاعتداءات المُخطط لها في الفترة الأخيرة أثراً قوياً بسبب صغر سنّ منفذيها. كيف يمكن تفسير هذه النزعة؟

كان شبان تحت عمر العشرين متورطين في ثلاثة اعتداءات أحبطتها المديرية العامة للأمن الداخلي في العام 2023. اقتصر عمر أصغرهم على 13 عاماً، وبلغ شابان آخران 14 عاماً. في عدد كبير من هذه القضايا التي شارك فيها شركاؤنا الأوروبيون أحياناً، لأن هذه الظاهرة المستجدة ليست فرنسية بطبيعتها بل أوروبية، كان هؤلاء الشبان ضعيفي الإرادة وما كانوا يقصدون المساجد أو الأماكن الاجتماعية، بل إنهم تلقوا التعليمات عبر مواقع التواصل الاجتماعي التي تشكّل منصة إيديولوجية ورقمية مغلقة ومقلقة جداً.

وفق التحليل الذي توصلنا إليه، تراجعت جاذبية الفكر الجهادي بدرجة كبيرة بسبب هزيمة «الدولة الإسلامية» بين العامين 2017 و2018، لا سيما وسط الأجيال التي التزمت بمشروعها بدءاً من العام 2010. لكن عادت حملة التنظيم الدعائية اليوم لتجذب جيلاً جديداً من المراهقين لأسباب متنوعة: البحث عن الهوية، الخطابات المبنية على لعب دور الضحية، تمجيد نزعات العنف. يبدو أن هذه الفئة من الناس بدأت تتأثر مجدداً بهذا النوع من إيديولوجيا الموت.

تكثر الأدلة التي تثبت هذه النزعة: خلال ثلاث سنوات تقريباً، لم يعلن تنظيم «الدولة الإسلامية» مسؤوليته عن أي اعتداء شهدته فرنسا. لكن خلال الاعتداءات الثلاثة الأخيرة في أماكن مختلفة من أوروبا، أعلن منفذ الهجوم أنه ينتمي إلى هذا التنظيم. الفكر الجهادي لم يمت إذاً، ويبدو أن «الدولة الإسلامية» تستفيد من زخمها المتجدّد وسط هذه الأجيال الشابة.




نيكولاس ليرنر


MISS 3