يطرح صدور كتاب «اللحظة القومية العربية» لشارل رزق (دار النهار للنشر) العديد من الأسئلة. فبعد الكلام عن علاقة المؤلّف بالقومية العربية، يتقدّم السؤال عما «ذكّر» سياسي لبناني، ارتبط بالنهج الشهابي، بالقومية العربية، التي تشهد تراجعاً لا سيما منذ الهزيمة العربية في مواجهة الجيش الإسرائيلي في حرب 1967، وما تبعها من مآسٍ وتدهورات وحروب وديكتاتوريّات واهتزاز دول جرت تحت لافتة «القومية العربية».
سرعان ما تتبدّد تلك الأسئلة مع القراءة التاريخية الهادئة والنقدية، التي يجريها رزق للتيارات الفكرية والتجارب السياسية... العربية.
يمهّد الكتاب لـ»اللحظة القومية العربية» بعرض تاريخي يبدأ من الدولة الإسلامية والخلفاء الراشدين والأمويين، ويمرّ بالدولة العبّاسية ثم الدولة العثمانية، ويصل إلى «الاستعمار الأوروبي» و»الاستيطان الإسرائيلي».
بعد ذلك، يحاول تفسير «الحلم القومي العربي». وإذ يعود إلى مصر في القرن التاسع عشر يمعن النظر في الحقبة الناصرية والسياسات الداخلية والخارجية للقاهرة منذ 1952، وصولاً إلى النكسة (1967). ثم يلقي الضوء على واقع الدول العربية: الصحوة الإسلامية بعد الهزيمة، استقلالية القرار الفلسطيني، ومصر وسوريا والسعودية في حرب 1973. ويخصص جزءاً لمصر بعد كامب ديفيد ولبنان بعد حرب 1973، تحت عنوان نظام كامب ديفيد والحرب اللبنانية. ويتوقف أخيراً عند الثورة الإسلامية في إيران ومفاعيلها في الدول العربية، وخصوصاً سوريا ولبنان والعراق.
يتميّز الكتاب بكونه عرضاً وتحليلاً للقومية العربية، وبحرص المؤلّف على أن يكون تقييمه ونقده عقلانيين سياسيين وليسا أيديولوجيين، أي أنه يبني موقفه على الوقائع والسياسات والنتائج وليس على أحكام مسبقة.
وتفك صفحات الكتاب «شفرة» عنوانه: «اللحظة القومية العربية». فالكتاب يعيد القومية العربية إلى الواقع، ويبحث كيف ومتى حلّت لحظتها، وكيف ومتى انتهت. وهي لحظة في سياق سياسي وتاريخي وفكري. تمثّلت أولاً في خروج مصر من انكفائها على نفسها في ظل ظروف خارجية وداخليّة دفعتها وهيّأتها لذلك؛ وثانياً في استعداد البلدان العربية، الأقل تقدّماً من مصر، للتحلّق حولها أو التأثر بها. وإذ يشير ذلك إلى أن الظروف السياسية في المنطقة هي الفاعل الأول في ولادة «اللحظة القومية العربية»، وذلك قبل العقيدة والثقافة، يعتبر المؤلّف أن النكسة ثم الثورة الإسلامية في إيران هما ما أنهى تلك اللحظة.
هذا الكتاب الغني بخلاصات رزق وانطباعاته وآرائه في الأحداث والمحطات والأفكار والشخصيات الكثيرة التي يتناولها يوفّر مادة دسمة للنقاش والجدل في السياسة والتاريخ والفكر.
