شربل داغر

هل العربية تموت؟

18 كانون الأول 2023

01 : 58

قد يُصدم الكثيرون منذ قراءة هذا العنوان، مع أن كثرة منهم، من المتعلمين والضالعين في العربية، سبق ان تساءلوا في سرهم، لا في علنهم: ألا تكون العربية تموت أمام أعيننا، ألن تحتضر في قادم مستقبلها القريب؟

لو طلب الواحد منا، قبل خروجه في الصباح، أن يسمِّي بالعربية الفصحى عالَم البيت الذي يسكنه: هل يمكنه ذلك؟

هل يقوى على تعيين عالم السيارة أو الحافلة التي تقله إلى عمله، أو تعيين علامات الطريق المسلوك؟ وماذا عن تسمية عالم الحاسوب، أو عالم المحاسبة، أو عالم الطيران، أو عالم الإتجار، أو عالم المحلات التجارية، أو الأزياء، أو التصميم، أو الصيرفة، في اعمالنا ومكاتبنا؟ ماذا لو طلب الواحد منا تسمية ما يحتاجه في كرة المضرب، أو كرة الطاولة، أو الكرة الطائرة، أو عالم البورصة وغيرها الكثير؟

لن أستمر في التعداد...

هذا ما تحققَ منه إبراهيم اليازجي قبل مئة عام ونيف، إذ تساءل عما إذا كان في مقدور العربي تسمية ما يحيط به، متشككاً في ذلك. هذا ما تفاقم من دون شك، منذ ذلك الوقت، وزادت الهوة بين العربية والوجود.

وماذا لو انتقلنا إلى عالم الخطاب، إلى النظام التعليمي، إلى عالم الصناعة والتكنولوجيا، أو عالم الطب والهندسة وغيرها؟

هل تتكفل العربية بمقومات هذه أم تراجعت أكثر عما كانت عليه حال العربية في زمن اليازجي الابن؟

ألا تُعلَّم مواد الطب وغيرها بلغات أجنبية، وهذا في الهندسة وغيرها؟ ألا تزال العربية لغة «علمية»، بحثية، أم باتت لغة محلية وحسب، وضيقة الكفاءة والبناء عليها؟

وماذا عن المؤسسات، التي تُصرف لها ميزانيات، للعناية بالعربية؟ ألها تأثيرات فاعلة أم أن مأمولها يتعين في توسعة العربية في نطاق أفريقيا لغير الناطقين بها، أو في إحياء برامج لـ»التسلية» التلفزيونية ليس إلا؟

ألا تموت العربية، وهي تتراجع في المدرسة، والجامعة، والمكتب، والإدارة، وفي توليد معارف وتكنولوجيات قادرة على إنعاش قوى المجتمع، فلا يكون مستهلكاً وحسب لما يُنتجه غيره؟

ألا تموت العربية، والأجيال المتعلمة تبتعد عنها، من دون أي أمل يُرجى منها، فلا تَكتبها، وإذا ما اضطُرت لكتابتها، فهي تكتبها بأحرف لاتينية؟ ألا تموت، وقواعد كتابتها باتت مختلة حتى عند كُتابها، فكيف عند غيرهم؟

ألا تموت وقد ضاقت مدارات اشتغالها، وتجددها؟ ألا تموت وهي باتت تقتصر وحسب على جزء ضيق من حياة مستعملِيها المفترضين، المكتفين منها بجوانب دينية وادبية وصحفية وإدارية؟

ألا تموت العربية، وهي لا تؤدي إلى أفعال منتجة في مجتمعاتها من علم ومعرفة وصنع وغيرها؟

ألا تموت، إذ تتحول إلى لغة أداء واجبات وفروض، من الدين إلى التعلم، من دون أن تجلب اي فائدة منتِجة لأصحابها؟

أتكفي «حياةُ» العربية في الصحافة للقول بأنها... تحيا، ولا سيما في عيدها، الذي يبدو، سنة تلو سنة، مثل واجب إكراهي أو مناسبة للتذكر، أو للاحتفال بالغائب؟

لعلها لا تموت، وإنما تضعف وتترهل للغاية. ألها أن تكتفي بانتشارها الديمغرافي، والتلقائي، أو بوجوبها الديني عند المسلم، أو باعتياد قراء على أدبها؟

MISS 3