عبده جميل غصوب

مذكرة ربط النزاع المقدمة من 11 مصرفاً لبنانياً والمرفوعة لوزارة المالية: خطوة صحية باتجاه حل سليم واجب استكمالها

18 كانون الأول 2023

21 : 18

اولا: في موجز المذكرة

رفع احد عشر مصرفا لبنانياً مذكرة ربط نزاع لوزارة المالية، تضمنت بايجاز ما يلي:


أ ـ ان المصارف المستدعية دائنة لمصرف لبنان ومتضررة من عدم مطالبة هذا الاخير الدولة اللبنانية. وهي تملك نسبة تفوق 70 % من مجموع ودائع المصارف لدى مصرف لبنان. وان كلاً منها دائن لمصرف لبنان بودائع ثابتة في ميزانيات مصرف لبنان.

ب ـ ان المصارف المستدعية متضررة من عدم تسديد الدولة اللبنانية الدين المستحق بذمتها لمصرف لبنان، فمنذ وقوع الازمة الراهنة في العام 2019، امتنع مصرف لبنان عن اعادة الودائع بالعملات الاجنبية الى المصارف لكي تعيدها بدورها الى المودعين. فالدولة اللبنانية كانت على مدى احد عشر عاما ، تستدين من ودائع المودعين المودعة من المصارف لدى مصرف لبنان وانفقتها. ثم تبيّن ان سبب امتناع مصرف لبنان عن إعادة ودائع المصارف بالعملات الاجنبية سببه امتناع الدولة اللبنانية عن تنفيذ التزاماتها تجاه مصرف لبنان، المدين بدوره للمصارف المستدعية، ولمصارف أخرى.


ج ـ يتجلى هذا الامتناع بما يلي:

1 ـ عدم تسديد الدولة الدين المتوجب بذمتها للمصارف المستدعية والبالغ ستة عشر ملياراً وخمسمسة وثلاثة وعشرين مليون دولار اميركي 16.523.000.000 $.

2 ـ مخالفة الدولة اللبنانية موجبها تطبيقا للمادة 113 نقد وتسليف عبر عدم تغطية قيمة الخسارة الظاهرة في ميزانية مصرف لبنان والبالغة حتى 31 كانون الاول 2020 مبلغ 51.302.155.887 $.


3 ـ عدم تسديدها قيمة العجز الاضافي في ميزانية مصرف لبنان عن الفترة اللاحقة لتاريخ 31 كانون الاول 2020 ، بعد تصحيحها وفقا للمعايير الواردة في تقرير Alvarez & Marsal .

فيكون الدين المتوجب بذمة الدولة لمصلحة مصرف لبنان:


16.523.000.000 $ + 51.302.155.887 $ ، يضاف الى هذه المبالغ قيمة العجز الاضافي عن سنتي 2021 و2022. بالاضافة الى تمويل مصرف لبنان للدولة بالعملات الاجنبية من اموال المصارف المودعة لديه، وهي اموال المودعين، حيث كان مصرف لبنان يغطي حاجات الدولة بالعملات الاجنبية التي يؤمنها لها مقابل الليرة اللبنانية على اساس سعر صرف 1507.5 ل.ل للدولار الاميركي الواحد. وهذا ما تسبب بـ " الفجوة " المالية الضخمة ، بالاضافة الى تمويل الدولة بالاكتتاب بسندات الخزينة بالليرة اللبنانية وبالعملات الاجنبية ( اي اليورو بوندز ) ، التي كان يسدد قيمتها للدولة ايضاً من اموال المصارف المودعة لديه وهي اموال المودعين.


فتكون الدولة قد استدانت من مصرف لبنان مبلغاً بالعملات الاجنبية ، وصل بتاريخ 15/9/2023 الى 249.257.997.883.000 ليرة لبنانية، محسوبة على اساس سعر الصرف البالغ 1500 ل.ل للدولار الاميركي الواحد؛ اي ما يساوي 16.523.000.000 $ ستة عشر ملياراً وخمسمئة وثلاثة وعشرين مليون دولار اميركي، محررة بالعملات الاجنبية وليس بالليرة اللبنانية . فيكون ثابتا من ميزانية مصرف لبنان المنشورة باللغة الانكليزية على موقعه الالكتروني، ان الدولة مدينة له بالمبالغ المرقومة اعلاه. وقد التزمت الدولة بتسديدها بالعملة الاجنبية.


د ـ هذا من جهة، ومن جهة أخرى، فان الدولة اللبنانية ملزمة ايضا بمقتضى المادة 113 نقد وتسليف بان تغطي كامل الخسارة التي تسببت بها لمصرف لبنان .


هـ ـ جاء في تقرير شركة Oliver Wyman ان الدولة اللبنانية رغم معرفتها بالعجز الحقيقي في ميزانية مصرف لبنان، كانت تقترض منه وتدفع له ارباحا وهمية.


و ـ وقد اجمعت كل من شركتي Alvarez & Marsal و Oliver Wyman على عدم صحة ميزانيات مصرف لبنان. وانه رغبة منه بتجنب دعوة الدولة الى الالتزام بموجبها القانوني بتغطية الخسارة في ميزانيته، كان ليس فقط يصطنع ميزانيات وهمية، بل ايضا كان يوزع للدولة ارباحا وهمية في الوقت الذي كان فيه خاسرا بعجز كبير.


ز ـ نشرت شركة Alvarez & Marsal في الصفحة 118 من تقريرها الميزانيات المصححة لمصرف لبنان عن السنوات من 2015 الى 2020. وقد اظهرت عجزا في كل منها، بحيث بلغ في سنة 2020 77.338.000.000 ل.ل اي ما يساوي 51.302.155.887 $ .

ح ـ استندت المصارف المستدعية الى المادة 276 من قانون الموجبات والعقود التي تجيز لها ان تستعمل باسم مدينها مصرف لبنان، جميع الحقوق، وان يقيم جميع الدعاوى المختصة به، لتمكين هذا الاخير من التسديد للمصارف المستدعية لتتمكن هذه الاخيرة من تسديد ودائع المودعين لديها.


ط ـ وانتهت المصارف المستدعية الى الطلب من الدولة اللبنانية تسديد الديون المرقومة اعلاه لمصرف لبنان، تحت طائلة مراجعة القضاء الاداري لالزامها بذلك، سندا للمادة 276 موجبات وعقود وتسكير العجز في ميزانية مصرف لبنان سندا للمادة 113 نقد وتسليف ، طالبة اعتبار المذكرة بمثابة ربط نزاع.

ثانيا: في قراءة المذكرة من وجهة مصرفية قانونية


أ ـ في مسؤولية الدولة

من الوجهة المصرفية، تشكل المذكرة نمطاً جديداً في التعاطي مع الازمة المصرفية. فالمصارف المستدعية تنطلق من كونها مالكة نسبة تفوق 70 % من مجموع ودائع المصارف لدى مصرف لبنان. وان كلا منها دائن لمصرف لبنان بإقرار هذا الاخير ذاته في ميزانياته المتكررة. وان الدولة اللبنانية استمرت بالاستدانة من مصرف لبنان منذ وقوع الازمة الراهنة في العام 2019 . وان الدولة استدانت على امتداد احد عشر عاما ( بين العامين 2010 و 2021 ) من ودائع المودعين المودعة من المصارف لدى مصرف لبنان وانفقتها. وان سبب عدم تمكن مصرف لبنان من اعادة ودائع المصارف بالعملات الاجنبية، سببه امتناع الدولة عن تنفيذ موجباتها القانونية تجاه مصرف لبنان، المدين بدوره للمصارف المستدعية، بالمبالغ المبيّنة اعلاه.


هذا فضلا عن عدم تنفيذ الدولة موجبها القانوني المتمثل بتغطية قيمة الخسارة الظاهرة في ميزانية مصرف لبنان، حسبما تنص عنه المادة 113 من قانون النقد والتسليف.


ان الاستناد الى المادة 113 من قانون النقد والتسليف واقع في محله القانوني الصحيح، فقد كتب الدكتور نصري دياب في هذا الصدد:

" ان علاقة الدولة بمصرف لبنان هي، بكل وضوح ، علاقة المساهم الاوحد بالمؤسسة التي يملك كامل رأسمالها. فاذا حقق مصرف لبنان ارباحاً، وجب عليه توزيعها على مساهمه ( الخزينة العامة) بعد اقتطاع مبالغ لاحتياط مصرف لبنان العام ؛ ويتناول هذا التوزيع 80 % من الارباح الصافية، وهي الارباح المحققة بعد ان يكون المصرف قد تخطّى كامل نفقاته واعبائه والاستهلاك والمؤونات. اما اذا تكبد مصرف لبنان خسائر او عجزاً، يتوقف عندها على الخزينة ، التي تستفيد من الجزء الاكبر من ارباحه، ان تغطي هذه الخسائر او العجز، وهذه ترجمة للمبدأ البديهي الذي يفرض على من يستفيد من الارباح ان يتحمل الخسائر ... ان امتناع الدولة عن تسديد موجباتها خلال سنة معيّنة او اكثر، عملا باحكام المادة 113، لا يعفيها من موجب تغطية العجز او الخسائر المتراكمة ".

فيبدو واضحا ان دين مصرف لبنان تجاه الدولة له ركيزتين اثنتين:


ـ استدانة الدولة منه بالعملات الاجنبية.

ـ وواجب الدولة بتغطية العجز في ميزانيته.

ب ـ في مسؤولية مصرف لبنان

يتبيّن من تقريري شركتي Oliver Wyman و Alvarez & Marsal ان ميزانيات مصرف لبنان غير صحيحة، فقد جاء في الصفحة 16 من تقرير الشركة الاخيرة، ما ترجمته حرفيا الى العربية:

"لاحظنا انه من اجل تجنب تدوين خسائر، قام البنك بتحويل الكلفة الى الميزانية العمومية. ونتيجة لذلك، تمكن البنك من تحقيق ربح في جميع السنوات وبالتالي الاستمرار في توزيع ما يقارب 40 مليون دولار اميركي سنوياً لحساب وزارة المالية. وقد تم هذا التوزيع وفقا للمادة 113 من قانون النقد والتسليف. كما ينص قانون النقد والتسليف، بموجب المادة 113 منه، ان وزارة المالية مسؤولة عن تغطية خسائر البنك. ان تحويل الخسائر من الربح والخسارة الى الميزانية العمومية، أدّى الى تجنب الحاجة الى قيام الوزارة بانقاذ البنك ".


هذا يعني ان مصرف لبنان ، رغبة منه بتجنب دعوة الدولة اللبنانية الى الالتزام بواجبها القانوني في تغطية الخسائر في ميزانيته، كان ـ ليس فقط يصطنع ميزانيات وهمية ـ بل ايضا كان يوزع ميزانيات وهمية، بل ايضا كان يوزع للدولة ارباحا ، في الوقت الذي كان فيه واقعا بالخسارة وبعجز ضخم.


ان الميزانيات التي نشرها مصرف لبنان ليست صحيحة. ولا تعكس وضعه المالي الحقيقي، بل هي ميزانيات "مفبركة" ووهمية، قصد مصرف لبنان من خلالها، تجنيب الدولة اللبنانية وجوب سداد العجز واعادة رسملته، وفقا لما جاء صراحة في تقريري شركتي Alvarez & Marsal


و Oliver Wyman . وهذا يقضي رفع دعوى على مصرف لبنان والدولة اللبنانية في آن واحد، لاعلان مسؤوليتهما على اكثر من صعيد، من جراء التلاعب في ميزانيات مصرف لبنان لاعفاء الدولة من موجباتها بتغطية خسائره؛ اي ان مصرف لبنان ارتكب خطأين فادحين:

1 ـ استدانة الدولة منه.


2 ـ اصداره ميزانيات وهمية ( مزورة )، تظهر ارباحا وهمية، ولا تبيّن الخسائر الحقيقية لتجنيب الدولة مسؤولية تغطية خسائره المنصوص عنها بالمادة 113 نقد وتسليف.

1 ـ استدانة الدولة من مصرف لبنان

كتب الدكتور نصري دياب أنه "بالرغم من ان المادة 90 من القانون ( نقد وتسليف ) وضعت مبدأ واضحاً وصريحا ان المصرف المركزي لا يمنح قروضا للقطاع العام، فان المصرف موّل الدولة والقطاع العام بشكل مستمر وكثيف دون تطبيق الآلية المعتمدة في المواد 91 وما يليها التي لا يمكن اللجوء اليها الا في ظروف استثنائية الخطورة او في حالات الضرورة القصوى، وكأن لبنان عاش دائماً في ظروف استثنائية وحالة الضرورة ".


ويتابع الدكتور نصري دياب انه "كنا قد وضعنا ونشرنا في شباط 2022، مع مجموعة من المحامين، دراسة حول عدم قانونية استمرار مصرف لبنان في تمويل الدولة، وارسلناها الى صندوق النقد الدولي، فاشترط الاخير، بعد شهر، على الدولة، من اجل منحها تمويلا، ان تمتنع عن الاقتراض من مصرف لبنان، غير ان هذا التمويل لم يتوقف، واستمر استنزاف اموال مصرف لبنان بشتى الطرق تمويل، سلفات، دعم وغيرها".

ان اقراض الدولة اللبنانية من قبل مصرف لبنان، لا يشكل فقط مخالفة للمادتين 90 و91 وما يليهما من قانون النقد والتسليف، بل يرتب مسؤولية مشتركة، لكل من الدولة ومصرف لبنان. فالمصرف المذكور مسؤول عن "الاستسهال" في اقراض الدولة على حساب المودعين. والدولة مسؤولة عن هدر وتبديد هذه الاموال.


2 ـ اصدار مصرف لبنان ميزانيات وهمية لتجنيب الدولة مسؤولية تغطية خسائره سندا للمادة 113 نقد وتسليف

ان مصرف لبنان لم يكتفِ باقراض الدولة خلافا لاحكام المادتين 90 و91 وما يليهما من قانون النقد والتسليف؛ بل انه عمد بالتواطؤ مع الدولة الى اصدار ميزانيات وهمية تخفي خسائره الحقيقية وتبيّن ارباحاً وهمية لتجنيب الدولة مسؤوليتها عن تغطية خسائره وفقا، للمادة 113 نقد وتسليف. وهنا ايضا وايضا تكون المسؤولية مشتركة وعلى مختلف الصعد.


نرى انه من اللازم مقاضاة الدولة ومصرف لبنان عن الاقراض غير الصحيح والتلاعب بميزانيات مصرف لبنان وعدم الاكتفاء بالمراجعة موضوع مذكرة ربط النزاع.

ثالثا: في قراءة المذكرة من وجهة اجرائية قانونية


اختارت المصارف المستدعية المادة 276 من قانون الموجبات والعقود سندا قانونيا لمذكرة ربط النزاع. ولكنها لم تبيّن ما اذا كانت ستختار " دعوى المدين " Action oblique او الدعوى المباشرة Action directe؟

فما هو الفرق بن الدعويين؟

« Le législateur a voulu qu’un créancier puisse, dans certains cas, actioner directement le débiteur de son débiteur. Cette action directe ne doit pas être confondue avec l’action oblique, qui est celle par laquelle le créancier d’un débiteur négligent intente, au nom de son débiteur et pour le compte de tous les créanciers, les actions que le débiteur ne se donne pas la peine d’exercer. L’action directe est donnée au créancier lui – même et pour son seul profit ; le créancier agit en son nom propre ; il n’agit pas, indirectement, « obliquement » , au nom de son débiteur.

Ainsi, l’action directe permet de passer par-dessus la tête de son débiteur, pour atteindre directement le débiteur de son débiteur » .

كما نقرأ ايضا:

« L’action directe présente, pour le tiers qui en bénéficie, un intérêt identique à celui du droit direct qui résulte de la stipulation pour autrui. La créance du tiers contre le débiteur de son débiteur , naissant directement sur sa tête, ne tombe pas dans le patrimoine de son débiteur et, par conséquent, ne sera pas le gage des autres créanciers de son débiteur . L’action directe soustrait donc le créancier qui en bénéficie au risque d’insolvabilité de son débiteur, en lui évitant de subir le concours des autres créanciers ; elle confère à ce créancier un véritable privilège, et même plus qu’un privilège, puisqu’il n’a pas à redouter le concours des autres créanciers privilégiés de son débiteur à quelque rang qu’ils se trouvent : il se paie seul sur la créance appartenant à son débiteur».

ونقرأ ايضا:

« Le créancier exerce l’action de son débiteur, non sa propre action , qu’exerce le créancier quand il agit par la voie oblique.

Le tiers défendeur à l’action oblique , peut se prévaloir contre le demandeur de toutes les exceptions qu’il aurait pu opposer à son propre créancier : toutes les exceptions opposables au créancier qui intente l’action oblique. Si notamment, le débiteur transige avec le tiers, même au cours du procès, la transaction est opposable au créancier. Il y a là un moyen pour le débiteur d’arrêter l’action oblique. Cependant le créancier ne sera pas désarmé lorsque la transaction aura été accomplie en fraude de ses droits, il bénéficiera de l’action paulienne pour faire tomber la transaction, ce qui lui permettra de recouvrer l’exercice de l’action oblique.

Puisque le créancier agit pour le compte de son débiteur, tout se passe comme si le débiteur avait agi lui – même . Par suite, le bénéfice des condamnations obtenues sera acquis par le patrimoine du débiteur, et deviendra le gage commun de tous les créanciers.

Le créancier qui exerce l’action oblique n’a pas de privilège sur le bien qu’il a fait rentrer dans le patrimoine de son débiteur. L’intérêt qu’a le créancier à intenter l’action oblique se trouve ainsi très réduit : il hésitera à prendre l’initiative et à faire l’avance des frais d’un procés, puisque , dans l’hypothèse la plus heureuse, il devra partager avec tous les créanciers les biens dont il aura obtenu le paiement ou la restitution. On dit que, lorsqu’il agit par la voie oblique, le créancier « tire les marrons du feu » .

ونقرأ ايضا :

« La situation du créancier bénéficiant d’une action directe est beaucoup plus avantageuse que celle du créancier agissant par voie oblique. Il est , en effet, directement créancier du débiteur de son débiteur ; il agit pour lui – même et non pour son débiteur. Il ne subit donc pas le concours des autres créanciers.

L’action oblique ne présente guère d’utilité pratique ».

ماذا يعني كل ذلك؟

هذا يعني بان الخيار الصحيح هو اختيار الدعوى المباشرة وليس دعوى المدين، لان المصارف المستدعية تصبح اذاك بمنأى عن تقاسمها الاموال التي قد تنشأ عن الدعوى، مع اي دائن آخر للدولة اللبنانية التي هي المساهم الاوحد في مصرف لبنان ، خصوصا بعد ان اصبحت اصول مصرف لبنان والدولة في آن معا مهددة، بعد توقف الدولة عن تشريف التزاماتها في الداخل والخارج الناشئة عن استحقاق سندات " اليوروبوند ".


هذا فضلا عن خطر اقدام الدولة ومصرف لبنان على اجراء اي مصالحة بينهما على دين المصرف لدى الدولة، او حتى اصدار قانون بشطب ديون مصرف لبنان المتوجبة بذمة الدولة تحت اي ذريعة كانت، ضمن خطة " خبيثة " يطلقون عليها تسمية " خطة التعافي المالي والاقتصادي " ! فتمسي المصارف مضطرة ، في هذه الحالة، الى رفع دعوى بوليانة ترمي الى حمايتها من التواطؤ الذي قد يحصل بين الدولة البنانية ومصرف لبنان.


ولكن في هذه الحالة، اي عند رفع الدعوى المباشرة Action directe ، فان المصارف المستدعية وحدها تستفيد من الدعوى المذكورة دون المصارف الاخرى غير المشتركة فيها. ولا ينفع في هذه الحالة المصارف الاخرى غير المستدعية، التدخل بالدعوى للحكم لها بمطالب ذاتية متلازمة مع طلبات المصارف المستدعية، كما تنص المادة 37 أ.م.م ، لان المادة 83 من نظام مجلس شورى الدولة ، تحصر مفاعيل طلب التدخل فقط بتأييد وجهة نظر احد الخصوم؛ ما ينفي الفائدة من اي تدخل امام مجلس شورى الدولة للمصارف غير المستدعية.


تبقى مسألة في غاية الاهمية، هي مسألة توجب الرسم الذي سيكون باهظا في هذه الدعوى نظرا لضخامة المبالغ المطالب بها، وكون الدعوى المباشرة ليست معددة من بين الدعاوى المعتبرة بمقتضى المادة 13 من قانون الرسوم القضائية، " في حكم الدعاوى التي لا تقبل التقدير والخاضعة للرسم المقطوع " ؛ ونكون تاليا من بين الدعاوى القابلة للتقدير والخاضعة للرسم النسبي بمقتضى المادة 8 من قانون الرسوم القضائية.


تبقى مسألة اخيرة لا تثير اي جدل قانوني هي وجوب كون الدين المطالب به بمقتضى المادة 276 موجبات وعقود " مستحق الاداء " . فموجبات الدولة - سواء أكانت ناشئة عن الدين المترتب بذمتها لمصرف لبنان أم الدين الناشىء عن المادة 113 نقد وتسليف – هي في الحالتين، مستحقة الاداء، طالما انها ليست معلقة على شرط او مربوطة بأجل.


يبقى في النهاية ان نشير الى ان مذكرة ربط النزاع الحاضرة تشكل خطوة أولى صحيحة في مسار طويل ، ولكن في اتجاه سليم.

ولا يجب الاكتفاء بالدعوى المباشرة المذكورة في متن المذكرة، بل يجب ايضا التحضير لدعوى ترمي الى مقاضاة الدولة اللبنانية ومصرف لبنان، لاقدام هذا الاخير على اصدار ميزانيات وهمية ( مزورة ) تظهر ارباحا وهمية وتخفي خسائر حقيقية، لتجنب الزام الدولة بتغطية خسائر مصرف لبنان عملا بالمادة 113 نقد وتسليف.


ان تجنيب الدولة اي مسؤولية ، لم يتوقف عند هذا الحد، بل تعداه الى مشاريع واقتراحات مشبوهة ترمي الى شطب ديون الدولة لدى مصرف لبنان، لتبرير خطة اطلقوا عليها اســــم "خطة التعافي الاقتصادي والمالي " وتلبية لرغبة مزعومة من صندوق النقد الدولي !

هذا من جهة، ومن جهة أخرى، ليس اقدام البعض على حصر المسؤولية بين المصارف والمودعين سوى وسيلة تؤدي تعطيل مسؤولية الدولة ومصرف لبنان واخراجهما من دائرة المشكلة ! قد يكون هذا الامر حاصلا عن حسن نية، ولكن نتائجه خطيرة جداً.


ان اعتبار المصرف وحده مسؤولا امام المودع بالاستناد الى العلاقة العقدية التي تربطهما هو نظرة مجتزأة للمشكلة، تؤدي ، في حال الاخذ بها، الى نتائج سلبية؛ فضلا عن كونها تأتي منسجمة مع سياسات الدولة اللبنانية القائمة على " ضرب " المواطنين ببعضهم البعض لتقف منهم موقف المتفرج. هذه سياسة موروثة عن زمن الاستعمار، تقوم على قاعدة " فرّق تسد "؛ فحذار الوقوع في شباكها.


مهما يكن من أمر نأمل ان تكون مذكرة ربط النزاع الحاضرة نهجا جديدا ، بحاجة الى استكمال ـ في سياسة محاولة استرجاع الودائع، بعيداً عن الشعبوية والغوغائية. ولتتكاتف المصارف مع المودعين و"الهيئات الاقتصادية" ليصبح الجميع في صف واحد بمواجهة من "نهب" اموال الشعب واطاح "بقدسية" الودائع. فعسى الامور تسير نحو الافضل في هذا الاتجاه، ولننتظر النتيجة، ان غدا لناظره قريب.

MISS 3