حارب السكري بأحدث الطرق

02 : 00

الإنجازات العلمية الأخيرة تُسهّل الوقاية من السكري، حتى أنها قد تُخمِده بالكامل. ما هي أحدث العلاجات العلمية والأدوية للسيطرة على المرض والاحتماء منه؟

يعني تشخيص النوع الثاني من السكري أن يعجز الجسم عن إنتاج ما يكفي من هرمون الأنسولين الذي يسيطر على كمية السكر في الدم، أو يعجز عن استعمال الأنسولين الذي ينتجه. يؤدي فائض السكر في مجرى الدم إلى تعريض الأعضاء والأعصاب والأوعية الدموية للمخاطر، وقد يُسبب جميع الاضطرابات المحتملة ما لم تُعالَج المشكلة، بدءاً من أمراض القلب والكلى وصولاً إلى فقدان البصر وتضرر الأعصاب، حتى أن المشكلة تستلزم بتر الأطراف أحياناً. كذلك، يُخفّض السكري متوسط العمر المتوقع بمعدل يتراوح بين 5 و15 سنة. وفق منظمة السكري الأسترالية، يطرح هذا المرض مشكلة عالمية، إذ يصاب شخص واحد من كل 11 راشداً بالنوع الثاني من السكري، أي ما يساوي 415 مليون مصاب. لكن لا يعرف شخص واحد من كل اثنين (46.5%) بإصابته بالسكري بعد. ترتبط هذه الأرقام بزيادة متوسط العمر المتوقع وقلة الحركة في الحقبة المعاصرة. يوضح الدكتور توم إليوت، أخصائي أسترالي في الغدد الصماء ومدير القسم الطبي في مركز BCDiabetes في فانكوفر: «مسار الشيخوخة الطبيعي هو أول سبب للإصابة بالنوع الثاني من السكري. مع التقدم في السن، يشيب الشعر، وتظهر التجاعيد على البشرة، وتعجز الخلايا عن التكاثر بالسرعة نفسها، بما في ذلك خلايا «بيتا» التي تُصنّع الأنسولين».

مع ذلك، لا يُعتبر تشخيص السكري مريعاً بقدر ما كان عليه منذ سنوات. بفضل العلاجات والتقنيات الجديدة والإنجازات المنتظرة، يظن عدد كبير من الخبراء أننا سنحصل قريباً على الأدوات العلمية التي تسمح بهزم السكري.

قد تصبح أكثر عرضة للإصابة بالسكري قبل بلوغ سن التقاعد إذا كنت فوق عمر الأربعين، أو كنت مدخناً أو وزنك زائداً، أو لا تقوم بتمارين جسدية كافية، أو إذا أصبتَ بارتفاع ضغط الدم أو كنت تحمل تاريخاً عائلياً بالمرض (لا سيما من جهة الوالدين أو الأشقاء). يوضح إليوت: «حين تعرف عوامل الخطر في حالتك، يمكنك أن تُحدِث التغيرات المناسبة، وتسيطر على مستويات سكر الدم، وتتجنب المضاعفات الخطيرة التي ترافق السكري على المدى الطويل». بالإضافة إلى تغيير أسلوب الحياة، تتعدد الأدوية الجديدة التي تسهم في التحكم بالوزن وتبقي سكر الدم تحت السيطرة.

تتعدد أعراض السكري، أبرزها زيادة الشعور بالعطش، ومظاهر الضعف والإرهاق، وتشوّش الرؤية، والتبول المتكرر، وفقدان الوزن المفاجئ وغير المبرر، وتباطؤ شفاء القروح. بعد مراقبة أكثر من 27 ألف شخص طوال 11 سنة، نشر الباحثون اليابانيون في العام 2018 دراسة مفادها أن الفرد قد يرصد مؤشرات تحذيرية مبكرة، مثل ارتفاع مؤشر كتلة الجسم ومقاومة الأنسولين، قبل عشر سنوات من تشخيص السكري. إنه سبب إضافي للالتزام بالفحوصات الدورية.

أساليب الوقاية

لا ينتقل كل من يمرّ بمرحلة ما قبل السكري إلى النوع الثاني من المرض، مع أن معظم الناس يصابون به إذا لم يتلقوا العلاج المناسب. تقول أخصائية الغدد الصماء، تامارا سبايك: «نعرف أننا نستطيع منع نشوء السكري عن طريق الحمية الغذائية، والتمارين الجسدية، وفقدان الوزن». وفق نتائج الدراسات، يمكن تخفيض المخاطر بنسبة تصل إلى 60% عبر تخصيص ساعتَين ونصف أسبوعياً للتمارين الجسدية وتقسيم هذه المدة على خمسة أيام. قد لا تكون هذه المهمة سهلة، لكن من الإيجابي أن يسيطر الناس على صحتهم لهذه الدرجة ويغيروا النتائج المحتملة.

غيّر أسلوب حياتك

لطالما كان فقدان الوزن مؤثراً على جهود التحكم بمرض السكري، وتكشف الأبحاث الجديدة أنه قد يكون أهم من السيطرة على مستوى سكر الدم أيضاً. في السنة الماضية، نشرت لجنة دولية من خبراء السكري تقريراً يدعو الأطباء إلى التركيز على الوزن قبل سكر الدم. اكتشف الباحثون أن فقدان 15% من الوزن مفيد أكثر من تخفيض مستوى الغلوكوز في الدم.

تتعدد الأدوية التي تساعد المصابين بالسكري على فقدان الوزن، لكن يستكشف الباحثون أيضاً طريقة تأثير الحمية الغذائية المتبدّلة واحتمال إخماد المرض. في العام 2021، أجرى باحثون كنديون دراسة شملت 188 شخصاً مصاباً بالنوع الثاني من السكري، فاكتشفوا أن ثلث المشاركين تقريباً ما عادوا بحاجة إلى أي دواء بعد 12 أسبوعاً فقط على تطبيق خطة غذائية قليلة السعرات الحرارية والكربوهيدرات وغنية بالبروتينات.

توضح سبايك: «اعتُبِر السكري لفترة طويلة مرضاً مزمناً وحتمياً قد يتطور مع مرور الوقت ويُسبب مضاعفات خطيرة مهما فعل الناس. لكننا نظن الآن أننا نستطيع إخماده، بما يشبه أثر علاج السرطان».

أدوية جديدة

يشمل جزء من الأبحاث المرتبطة بإخماد السكري معالجة المرض بوتيرة مكثفة منذ البداية، بدل اللجوء إلى المقاربة التقليدية التي تدعو المرضى إلى إحداث تعديلات بسيطة في أسلوب حياتهم (تخفيف استهلاك السكر، تكثيف التمارين الجسدية، الحد من مظاهر الضغط النفسي) وانتظار نتائج سكر الدم في المرحلة اللاحقة. تهدف هذه الدراسات في الأساس إلى تشجيع المصابين بالنوع الثاني من السكري على إخماد المرض.

يتلقى المرضى أدوية لتخفيض مستوى الغلوكوز أو يأخذون الأدوية نفسها مع الأنسولين، تزامناً مع تغيير أسلوب حياتهم بطريقة جذرية، بما في ذلك تبنّي حمية صارمة وقليلة السعرات الحرارية. تقول سبايك: «نأمل في أن يسترجع المرضى مستويات طبيعية من سكر الدم من دون الحاجة إلى أي أدوية بعد تطبيق هذه المقاربة المكثفة طوال ثلاثة أشهر على الأقل».

يبقى خليط الحمية والرياضة وفقدان الوزن أساس أي مقاربة علاجية لمحاربة السكري، لكن تؤثر مجموعة من أحدث فئات الأدوية التي تمت المصادقة عليها في آخر خمس سنوات على طبيعة العلاج لأنها لا تكتفي بتخفيض مستوى الغلوكوز. تُسهّل فئة «ناهضات مستقبلات الببتيد الشبيهة بالغلوكاغون-1» فقدان الوزن مثلاً، بينما تُخفّض «مثبطات الناقل المشارك للصوديوم والغلوكوز 2» خطر الإصابة بأمراض القلب والكلى.

تضيف سبايك: «لا يموت المصابون بالسكري نتيجة ارتفاع مستويات السكر، بل بسبب أمراض القلب والأوعية الدموية. يكون اثنان من كل ثلاثة مرضى في أقسام أمراض الشريان التاجي مصابَين بالسكري، بينما يكون اثنان من كل خمسة مرضى في قسم غسيل الكلى مصابَين به. سيكون إعطاء المريض دواءً قادراً على تخفيض خطر إصابته بأمراض القلب والكلى بنسبة 20 أو 30% إنجازاً ضخماً».

تقنية متقدمة

بفضل هذه الفئات الجديدة من أدوية السكري، يتوقف البعض عن أخذ الأنسولين ويكتفي بتلقي حقنة أسبوعية من ناهضات مستقبلات الببتيد الشبيهة بالغلوكاغون-1 لتخفيض سكر الدم والسيطرة على الوزن عبر كبح الشهية. كذلك، يمكن تعقب سكر الدم عبر أجهزة المراقبة المستمرة لمستويات الغلوكوز: إنه ابتكار حديث نسبياً للسيطرة على السكري وهو لا يزال قيد التطوير.

يكون جهاز المراقبة صغيراً وقابلاً للارتداء، وهو مزوّد بجهاز استشعار بحجم العملة النقدية ويتّصل بإبرة ضئيلة تخترق الطبقة الجلدية العليا وتقيس مستويات سكر الدم كل بضع دقائق، ثم ترسل النتيجة إلى جهاز منفصل مثل الهاتف الذكي. تسمح نتائج الفحص بتقييم الحاجة إلى تعديل أدوية المريض وتقيس مستوى نشاطاته أو كمية الطعام المستهلكة في الوقت الحقيقي. لحسن الحظ، أصبح فحص غلوكوز الدم عبر وخز الإصبع جزءاً من الماضي بفضل أجهزة المراقبة المستمرة لمستويات الغلوكوز. تكون هذه الأدوات دقيقة وجديرة بالثقة، مع أن أجهزة الاستشعار فيها لا تدوم لأكثر من 10 أو 14 يوماً وتُعتبر عالية الكلفة.

يوضح إليوت: «حصلنا فجأةً على جهاز يُقيّم صوابية خياراتنا الغذائية بشكلٍ فوري. هو يخبرنا بما يحصل حين نمارس التمارين الجسدية أو عندما نتعارك مع الشريك. لقد حصلنا بهذه الطريقة على أفضل أداة لاستكشاف أنواع التبدلات السلوكية التي يحتاج إليها جميع مرضى السكري».

تقدّم واعد في الأفق

تتكلف أنظمة الرعاية الصحية مليارات الدولارات سنوياً لمعالجة المصابين بمرض السكري. لكن لن تُحدِث جميع الأبحاث الجديدة المرتبطة بالعلاجات والأدوات الفاعلة أي فرق حقيقي إذا عجز المرضى عن تلقي تلك الرعاية أو تحمّل كلفتها. أُصيبت لورا سايرون بالنوع الثاني من السكري في العام 2017، وهي تريد تغيير الأفكار المرتبطة بهذا المرض. لقد سئمت من طريقة تصوير السكري في وسائل الإعلام، كأن تنتقل الكاميرا دوماً إلى لقطة يظهر فيها شخص بدين وهو يتناول المثلجات عند التكلم عن السكري في نشرات الأخبار. يسود مفهوم خاطئ عن المرض مفاده أن المريض يتحمل مسؤولية إصابته بالسكري. تريد سايرون أن يزيد مستوى التعاطف مع مرضى السكري وأن يفهم الناس أن عوامل عدة قد تُسبب المرض.

تضيف سايرون: «عند تشخيص السكري لديّ، شعرتُ بالفشل والعار لأنني كنتُ أتناول كمية مفرطة من البطاطا المقلية. السكري مرض مُتعِب ومصدر قلق دائم لأن المريض مضطر لمراقبة نفسه طوال الوقت. منذ مئة سنة فقط، كان تشخيص السكري مرادفاً للحُكْم بالموت. ثم شكّل اكتشاف الأنسولين تقدماً هائلاً في هذا المجال، لكن لم تُسجَّل منذ ذلك الحين إلا تغيرات تدريجية وبسيطة... حتى هذه المرحلة!»

في الفترة الأخيرة، تُنشَر دراسة جديدة عن السكري شهرياً. هذا الزخم كله، بدءاً من الاستثمارات في هذا القطاع وصولاً إلى القيام بأبحاث ثورية عن المرض، يمنح أطباء السكري الأمل بإيجاد علاج فاعل يوماً.

في النهاية، تقول سبايك: «يجب أن نتابع هذه المساعي في المرحلة المقبلة. يميل كل جيل إلى توقّع ظهور العلاج المنشود خلال 10 أو 15 سنة. لكن على وقع التقدّم الذي تحرزه الأبحاث المرتبطة بالسكري اليوم وتأثيره على فهمنا للمرض، أنا واثقة من ظهور العلاج قريباً».


MISS 3