طوني عطية

تدريب متخصّص يحمي المراسل الحربي

بيار جبّور: الحماية الشخصية واجب

20 كانون الأول 2023

02 : 01

على خطوط النار، يقف المقاتل كما الصحافي؛ كل ينفذ مهمته على صوت أزيز الرصاص والقذائف. الأول يتمتع بخبرة عسكرية تساعده على تدبّر أموره، أمّا الثاني فيحاول مع فريق العمل نقل الصورة والمعلومات بحذر أو باندفاع قاتل في بعض الأحيان، بسبب عدم المامه بكيفية الحفاظ على سلامته الشخصيّة وعدم إدراكه للأخطار، أو طريقة التصرف عند التعرض للأزمات. وخلال تغطية الزملاء المراسلين الحربيين الحرب عند الجبهة الجنوبية - الإسرائيلية الملتهبة، برزت أخطاء كثيرة قاتلة، ما يسلّط الضوء على أهمية تنظيم دورات متخصّصة تبدأ في الجامعات وتطال المؤسسات الإعلامية التي ترسل المراسلين لتغطية الأحداث في مناطق النزاع لحمايتهم. فبين الطلقة والأخرى، علمٌ قد يحمي من يعرفه من بعض الاخطار، يطلعنا عليه الباحث في شؤون مكافحة الارهاب وخبير حماية كبار الشخصيات، مجاز من الولايات المتحدة الأميركية ومعهد الامن الأوروبي في بولندا بيار جبّور في حديثه لـ»نداء الوطن».



خلال متابعتك تغطية المراسلين الحربيين ميدانياً على الحدود الجنوبية، ما أبرز الأخطاء التقنية الخطيرة التي رصدتها؟

أخطاء كثيرة قاتلة رصدتها؛ منها محاولة صحافيين الاحتماء وراء حيط من الخفّان لا تتعدى سماكته الـ20 سنتيمتراً، خلال عملية تبادل اطلاق النار من مسافة قريبة. وهنا طلقات رشاش متوسط كفيلة بخرق الحائط واصابتهم.

اعلاميون آخرون ارتدوا سترة واقية من الرصاص وخوذة بلا كلمة Press؛ وهذا الخطأ لافت، ففي ساحة الحرب لا يمكن لمطلق النار التمييز بين الصحافي والمقاتل.

لاحظت ايضاً من يقف مكشوفاً ومن دون حماية خلال عمليات اطلاق النار بحجة نقل الصورة. هذا الاستعراض أو الـ show off قاتل.

كذلك، وبعد دردشة مع عدد من الصحافيين حول طريقة تحضيرهم للتغطيات، تبين لي أنّ الغالبية تتوجه الى الميدان من دون حتّى الاطلاع على خرائط الطرقات الواجب سلوكها. وفعلاً فريق احدى المحطات الاعلامية سلك طريقاً كان يشهد اطلاق نار من الجهة اللبنانية باتجاه اسرائيل وعرّضوا أنفسهم للخطر، قبل ان يستدركوا الوضع ويعودوا ادراجهم. ولفتني ايضاً أنّ المراسلين الحربيين يجهلون كيف يتصرفون أو الوجهة التي يجب قصدها لحماية أنفسهم في حال تعرض مكان تواجدهم الى القصف.

المراسل ليس محارباً ولا يتمتع بأي خبرة عسكرية لينتبه الى هذا النوع من الأخطاء. كيف يمكن أن يحمي نفسه، وهل الورش والدورات التدريبية المنظمة في هذا الاطار كافية؟

معضلة الأمن الشخصي وتأمين التغطية الاخبارية اللازمة، تطرح نفسها دائماً خلال العمليات الحربية. انطلاقاً منها، أعددت دراسة تضيء على بعض التكتيكات التي يجب على المراسل اتباعها لحماية نفسه قدر المستطاع من اي خطر يحدق به وتطبيق كافة معايير السلامة. مع العلم أنّ اكتساب طريقة الحماية المثالية تتمثل بتلقي المراسل التدريب على يد الجيش، الأمر الذي تتيحه بلدان عدّة منها تشيكيا.

في المقابل، صحيح أنّ الدورات التدريبية ليست مؤثرة بقدر تلك التي تنظم مع الجيش وما يرافقها من خوض تجربة اطلاق الرصاص الحي وغيرها، الّا أنها تفتح آفاقاً واسعة من خلال تحديد سيناريوات مختلفة ممكن ان يتعرض لها المراسل وتمرينه على كيفية التصرف أثناءها. هذه الارشادات مهمة ومفيدة جدّاً وتحمي من يتلقاها اذا قدمت من أصحاب الاختصاص الذين لديهم الخبرة في مجال الأسلحة والحروب والنزاعات المسلحة... عكس النظريات العشوائية من هاوين التي يمكن أن تكون قاتلة بدورها.

كيف أعددت هذه الدراسة وماذا تتضمن؟

هي نتاج خبرة طويلة اكتسبتها خلال الحرب اللبنانية في 1975، وغذيتها بمراقبة وتقييم المعارك التي دارت في مختلف دول العالم ولا سيما من ناحية الصعوبات التي واجهت المراسلين أثناء تغطياتهم الاعلامية. فنّدتها كلها في دراسة شاملة، ومنها نظمت الدورات التدريبية المخصصة لجميع الصحافيين وليس للمراسلين الحربيين فحسب، والتي تتضمن طريقة حماية الصحافيين والمراسلين الحربيين وفق القانون الدولي، باليستية الأسلحة النارية (الأسلحة الرشاشة الخفيفة، المتوسطة والثقيلة) حيث نتوقف في هذه النقطة عند طريقة التعرف على نوع السلاح من خلال صوته وتحديد امكانية خرقه للباطون المسلح أو الحجر الخفّان أو الخشب أو الفولاذ وغيرها، ووضعية الاختباء الآمنة في الأبنية وكيفية تحديد خطوط الرؤية بهدف تأمين الحماية الشخصية. وفي السياق نفسه، نتوقف عند القصف المدفعي، الأسلحة المضادة للدروع، الدبابات، القنابل، القنابل العنقودية ومخاطرها وطريقة تجنبها وكيفية التصرف في حال مصادفتها والمسافات الآمنة، وكيفية مساعدة الجيش على تحديد موقعها. والابتعاد عن المقاتلين ولا سيما الذين لا ينتمون الى الجيش النظامي وعدم السير بموازاتهم لتغطية أعمالهم لأن العدو لن يميز بينهم. ايضاً نسلط الضوء على طريقة التصرف في حال الاختطاف والامور التي يجب التركيز عليها، والتخطيط لبناء استراتيجية الفرار اذا كانت فرصة نجاحها لا تقلّ عن 70 في المئة. كل هذه السيناريوات واجهها المراسلون الحربيون على مرّ تغطياتهم للعمليات الحربية.

هل تشمل دورة التدريب كيفية استعمال المصطلحات العسكرية؟

طبعاً، نتطرق الى ما يشبه القاموس العسكري. وهنا لا بدّ من الاشارة، الى الأخطاء التقنية الكثيرة التي يقع فيها المراسلون الحربيون لعدم اطلاعهم على المصطلحات العسكرية.

مثلاً لا يمكن وصف هجوم ناقلات جند بالهجوم المدرع، بل هو هجوم مؤلل، ففرق شاسع بين الآلية والأخرى المدرعة اي الدبابات. كذلك، يجب الفصل بين أنواع الأسلحة؛ فالأسلحة الرشاشة الخفيفة (عيار 7.62) تشمل كلاشينكوف و»م16»... الاسلحة الرشاشة المتوسطة التي ترمي بشكل اوتوماتيكي تتضمن الماغ ورشاش «بي كاي» ... أمّا الأخرى الثقيلة فنعني بها مضادات الطائرات و12/7 والدوشكا... كذلك تختلف قذائف الهاون «مورتر» عن قذائف الميدان «هاوتزر».

من تنصح بالخضوع الى هذا النوع من الدورات التدربية المتخصصة؟

أولاً، أتوجه الى الجامعات ووجوب ادراجها هذا العلم ضمن صفوفها المعتمدة لطلاب الصحافة، فنحن نعيش في منطقة اشتباكات وبيئة حرب، وبالتالي على الطالب الصحافي أن يدرك المسؤولية التي تنتظره لحمايته من الجهل القاتل قدر المستطاع. ثانياً، من الضروري أن تُخضِع المؤسسات الاعلامية الصحافيين والمصورين وطاقم العمل المرافق الى الجبهات الى هذا النوع من التدريب، فهم ليسوا طرفاً في اي نزاع بل يعملون في الميدان لنقل ما يجري من أحداث، وبالتالي لا يتمتعون بأي خلفية عسكرية قد تحميهم. وهذه الدورة تساعدهم في التحضير لمهمتهم من الصفر؛ اي تنظيم أمورهم من لحظة الانطلاق والأغراض التي يجب أن تكون في حوزتهم، الفرضيات التي يجب توقعها، الأذونات الخاصة التي يمنحها الجيش، الطرقات التي يجب سلوكها، الشخص الذي يجب الاتصال به في حال التعرض لاي مكروه وغيرها... أي بمثابة «أمر عمليات» للصحافي وفريق العمل. مع الاشارة الى أنّ هناك الكثير من المهتمين بهذا النوع من الدورات وأتلقى بشكل دوري اتصالات من مؤسسات اعلامية أو أفراد يسعون الى الالتحاق بها، وقد انتهيت فعلاً من تنظيم عدد منها.

قواعد ذهبية تحمي المراسل الحربي

- الكشف على السيارة قبل الانطلاق والتأكد من مخزون الوقود ومن وجود كلمة PRESS على سطحها وكل جوانبها، والحصول على اذن دخول المنطقة العسكرية والتأكد من ساعات حظر التجول.

- الأعتدة الضرورية: الخوذة وسترة واقية من الرصاص مكتوب عليهما كلمة PRESS بخط واضح ومقروء، نظارات الحماية، واقيات الأذن، قناع الغاز، عدّة الاسعافات الأولية، مصباح ليلي وبطاريات، مياه شرب، وجبة ناشفة، بطاقة هوية، بطاقة الصحافة مع فئة الدم عليها، ملابس اضافية والابتعاد عن ارتداء اي لباس مشابه الى الآخر العسكري وعدم حمل أي عتاد عسكري كالمنظار مثلاً.

- التنقل خلال الاشتباكات: العودة دائماً الى الأسئلة الأربعة: من أين؟ الى أين؟ كيف؟ متى؟

- التنقل مع الجيش النظامي اذ تكون منطقة العمليات أكثر تحديداً معهم، بينما تكون الصورة ضبابية مع العناصر غير المنضبطة أو المسلحين وهنا تكمن الخطورة.

- عدم السير مع المقاتلين خلال الاشتباكات والالتحام بل أخذ دريئة في أي مكان آمن والتصوير منه بعيداً عن أسطح المباني الشاهقة وداخل منطقة الاشتباكات.

- معرفة طريقة الاتصال بأقرب مركز أمني أو بصحافيين آخرين عند الضرورة.

- تجنب النشاط الليلي الخطر قدر الامكان، بسبب صعوبة التحديد والتمييز واطفاء الأضواء الناتجة عن مصباح كهربائي او الكاميرا أو الأجهزة التكنولوجية المختلفة.

- في حال مواجهة اضواء كاشفة الانبطاح والانتظار حتى تتغير وجهتها.

- القاعدة الأساسية اذا اختطفت: لا تقاوم. لا تهرب الّا اذا كنت متأكداً من نجاحك.


MISS 3