شربل داغر

هل تحتاج الكتابة إلى قانون نسوي؟

22 كانون الأول 2023

02 : 00

ها هو النضال النسوي يبلغ... اللغة بدورها، على الأقل في فرنسا.

هذا ما ارتفع الكلام عنه منذ بعض الوقت، حتى إن البعض لم يتأخر عن تبديل كتابته وفق المطالب التي رفعها.

يقوم بعض هذه المطالب على إلغاء قاعدة المذكر في الجمع، فيتم إضافة حرف، الدال على المؤنث في الفرنسية، إلى الاسم المعني.

هذه القاعدة معروفة في غير لغة، بما فيها العربية، أي عدم التمييز بين المذكر والمؤنث لصالح المذكر: يكفي وجود رجل واحد في حشد من مليار امرأة، لكي ترد الجملة المعنية بصيغة المذكر.

هذه الحملة ليست جديدة في بلد اضطلعتْ فيه مفكرات ومناضلات ومفكرون ومناضلون منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية بالكتابة، والحض على: المساواة، منذ كتاب سيمون دو بوفوار اللامع والمثير: «الجنس الثاني».

هذا ما عنى، في غير بلد أوروبي، حق المرأة في الانتخاب، قبل أن ينتقل منذ عقود ثلاثة، في فرنسا، إلى لزوم المساواة بين عدد الوزيرات وعدد الوزراء في الحكومة. وهو ما كان قد بلغَ، قبل ذلك، فرض نسبة معينة من المرشحات، ومن الفائزات، في مستويات التمثيل السياسي، المحلي أو الوطني.

كما ترافق هذا، لا سيما في ثمانينيات القرن المنصرم، بتأنيث أسماء عدد بالغ من الوظائف والمهن.

فما تجيزه العربية بشكل تلقائي، وهو إضافة تاء التانيث للفاعل حين يكون مؤنثاً (الوزير-الوزيرة، المؤلف-المؤلفة، السكرتير-السكرتيرة...) لم تكن الفرنسية تجيزه في القانون قبل صدور مرسوم وزاري في حكومة لوران فابيوس.

هذه المساواة التي كانت جزئية في بداياتها، ما لبثت أن اتسعت تماماً وشملت جميع الوظائف والمهن.

فهل تستمر سياسة التأنيث الفرنسية، وتخلع هذا القيد الذكوري الأخير؟

التأنيث المهني بات أليفاً لقارئ الفرنسية، وهو ما اعتدتُ عليه بدوري في قراءاتي الفرنسية. هذا ما يناسب أي فهم سليم للغة، وهي أنها تجعل كل متكلم بها، ومستعمل لها، سيدَها بالضرورة، ما دامت «أناه» تتملك اللغة، إذ تتلفظُها، وتتصرفُ بها.

إلا أن ما أمكنني ملاحظته، في إلغاء قاعدة المذكر في الجمع، هو أنه يربك نظام القراءة، إذ يجعل الكلمة المعنية بالجمع مفككة مع استعمال النقطة في داخل كتابتها.

كما أريد كذلك إبداء الملاحظة التالية: كتابة اللغة هي للتواصل والتعبير بما يناسب طلبات المجتمع بجميع أفراده، لكن كتابتها لا تعني بالضرورة التطابق بينها وبين المجتمع. فاللغة ليست نظاماً عاقلاً بتكوينها، ولا الكتابة كذلك. فاللغة تشتمل على غرائب وعجائب من تاريخها، وكذلك كتابتها، حيث إن تدوينها الساري لا يناسب نطق المتكلم لها: كم من الكلمات تُكتب بغير ما تُلفظ به...

لطالما اعتنى الفرنسيون بلغتهم، وهو ما بلغ في العقود الأخيرة حدوداً غير مسبوقة، لا في تاريخها، ولا في تاريخ غيرها.

التفكير في اللغة، وفي كتابتها، قد يكون من الترف الفكري الخالص، إلا أنه يشير إلى حيوية لا يجدها العربي حين يتحقق من الإهمال المتمادي بأحوال العربية، خصوصاً وأن المنطق المتحكم بها لا يعدو كونه: تبقى العربية «كما وردت» من دون عناية بتاريخها المتبدل، ولا بحاجات كاتبِيها ومستعملِيها.


MISS 3