طوني فرنسيس

جورج حاوي... ظُلِمَ في حزبه واغتاله أعداء بلده

20 حزيران 2020

02 : 00

حوّل اليسار إلى عنصر فاعل

عندما أبلغ جورج حاوي "الحزب الشيوعي اللبناني" استقالته من منصب الأمين العام للحزب، بعد نحو سنة من التجديد له في العام 1992(استقال في 1993)، أثار صدمة هائلة في صفوف حزبه الخارج من الحرب الأهلية الى سلام اتفاق الطائف، ومن إنهيار المعسكر الإشتراكي الى عالمٍ جديد يقوده غربٌ، أمضت الحركة الشيوعية عمرها في مقارعته وإثبات حتمية سقوطه وتغييره.

كان جسم الحزب، مثله مثل غيره من الأحزاب اليسارية والقومية المستندة الى العمق السوفياتي، يتململ ويتأرجح بين أفكار متناقضة. وطوال السنوات الثلاث الممتدة بين سقوط نظريات غورباتشوف عن البيريسترويكا والغلاسنوست (التجديد والشفافية)، وبين انعقاد مؤتمر الحزب في 1992، دارت نقاشات وحضرت نظريات عن معنى السقوط السوفياتي وانعكاساته، فذهب البعض الى ضرورة العودة الى الدين (...) وقال بعضٌ آخر بضرورة قيام حزب ماركسي على أسس الديموقراطية والتعدد، وطرح آخرون تغيير اسم الحزب والعودة الى الإسم التأسيسي: حزب الشعب اللبناني، ولم يُجمع كل هؤلاء على منهج واحد قدر إجماع قسمٍ كبير منهم على الهجوم على حاوي وتحميله المسؤولية، عن إدارة سياسة الحزب والتفرد في اتخاذ القرار خصوصاً في المرحلة التي أعقبت اتفاق الطائف.

منذ تلك الفترة ظُلِمَ جورج حاوي. نسي رفاقه فجأة دوره الكبير في جعل الحزب على ما كان عليه، طرفاً رئيسياً في الحركة الوطنية واليسارية اللبنانية والعربية، ونسوا جهده الى جانب آخرين من رفاقه، في تأسيس الحركة الوطنية بقيادة كمال جنبلاط، وتحوّلها الى ركن المعارضة التقدمية المتنورة عشية الحروب الأهلية، وغاب عنهم دوره الجريء والشجاع في دعم إنهاء تلك الحروب والإنطلاق باكراً الى تعميم للمصالحة الوطنية، عبر زيارته للدكتور سمير جعجع العام 1991 وتنظيمه لقاء فوار انطلياس في الآونة نفسها.

كان جورج حاوي في تلك المحطات، وقبلها في محطات أخرى لولباً ومحرّكاً، في قيام جبهة الخلاص الوطني ضد الإتفاق مع اسرائيل ثم في إعلان قيام جبهة لمقاومة احتلالها، ودائماً ما احتل الصفوف الأولى عربياً ودولياً بوصفه وجهاً لبنانياً عربياً وطنياً ويسارياً.

أُنهِك حاوي في سنوات التسعينات الثلاث الأولى. طار الاتحاد السوفياتي ومعسكره الاشتراكي وخانه "الحليف السوري" بقراره إبعاد الحزب الشيوعي عن السلطة الناشئة بعد الطائف (مذكرات فؤاد بطرس تكشف التفاصيل...)، وها إن حزبه لم يتمكن من الانتقال نحو حالة جديدة من الانخراط في العمل الوطني، ويصب عليه كل نقده وملاحظاته.

إستقال حاوي من الأمانة العامة لحزبه بعد سنة من انتخابه أميناً عاماً وهو في هذا المنصب منذ 1976، وبقي عاملاً في الحزب لينتخب في 1999رئيساً لمجلسه الوطني الذي سيستقيل منه بعد عام، مستشرفاً إقتراب لبنان من مرحلة جديدة إثر الانسحاب الاسرائيلي، والحاجة الى مصالحات وطنية شاملة تستوجب قيام حركة جماهيرية تتسع لأكثر من التنظيمات الحزبية القائمة.

لذلك، وكأن المسألة في دمه وتربيته وتجربته، انصرف مطلع الألفية الى البحث عن جوامع اللبنانيين، وزادت حركته اتساعاً بعد تصاعد المطالبة بالانسحاب السوري ومنع التمديد للرئيس اميل لحود، وسعى وكأنه يستعيد تجربة التصدي للرئيس بشاره الخوري، الى موقف موحّد على مستوى القوى السياسية، تدعمه حركة شعبية، حزبه جزء منها. ولم يفقد رهانه على استجابة سورية لسعيه، الا ان مشروع القتل انطلق مع مروان حمادة... ثم اغتيل رفيق الحريري وجاء دور جورج حاوي بعد سمير قصير بأيام.

كل واحد من هؤلاء يمثل شيئاً جعله هدفاً لآلة القتل، وما يمثله حاوي لا يخفى على أحد. فهو القادر على تحويل اليسار اللبناني الى عنصر فاعل في الحياة السياسية اللبنانية ضمن الشروط الجديدة، وهو المؤهل اكثر من غيره من ممثلي هذا الوسط للقيام بدور صلة الوصل بين مختلف التيارات والطوائف والشخصيات. لذلك جرى قطع صلة الوصل هذه، اذ لا معنى لإغتياله غير منع احتمالات اللقاء اللبناني الجامع، لوأد دور لاحق يصعب ان يلعبه شخص آخر.

جورج حاوي ظُلم داخل حزبه، ليقتله أعداء استعادة لبنان حياته الطبيعية بلداً سيداً مستقلاً مزدهراً.


MISS 3