أسعد بشارة

أميركا تهندس الحرب وتقودها

26 كانون الأول 2023

02 : 01

من حسن الحظ أن يكون لدى الإعلام الاميركي، هذا الكمّ من حريّة نشر المعلومات، حتى تلك الحسّاسة منها. فما نشرته صحيفة وول ستريت جورنال، عن نيّة اسرائيل توجيه ضربة وقائية لحزب الله، تولّى الرئيس الاميركي جو بايدن إحباطها في اللحظات الأخيرة، في اتّصال دام ما يقارب الساعة، مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو، يكشف جوانب دقيقة من مسار الحرب في المنطقة، التي تقترب من إتمام أشهر ثلاثة على انطلاقها.



لم تكتف الصحيفة الأميركية العريقة بهذه المعلومات، بل لاقتها صحافة اسرائيل، التي تحدثت عن أن الطائرات الإسرائيلية غيّرت مهمّتها في الأجواء، وعادت إلى مدارجها، ذلك في تأكيد على أنّ اسرائيل، كانت تريد توجيه رسالة ردع لحزب الله، وقد منعت في اللحظة الأخيرة من تحقيق هدفها.



تعطي هذه المعلومات استنتاجاً أوّلياً، يقود الى نتائج عدّة وخلاصات:



أوّلاً: تتولّى الولايات المتحدة الاميركية منذ صباح السابع من أكتوبر، هندسة مرحلة الحرب وما بعدها، هذه الهندسة التي أدّت الى حصر الحرب في غزة، وإلى تحييد إيران بسلاح الترغيب والترهيب، حيث تمكّنت الإدارة الاميركية، من إبعاد إيران كلّياً عن مشهد غزّة، وحصرت نشاطها في ما يقوم به حزب الله من مناوشات محدودة على الحدود، وبما يقوم به الحوثيون في خليج باب المندب، وفي بعض استعراضات الحشد الشعبي، الذي يستهدف القواعد الأميركية في العراق وسوريا.



ثانياً: يكمن الخلاف الاميركي - الاسرائيلي، في تشخيص التوقيت المناسب لحسم تواجد حزب الله على الحدود، والمسار الذي يجب سلوكه لتحقيق الهدف. ففي وقت كانت اسرائيل الجريحة صباح 7 أكتوبر، تضع في أول أولوياتها استعادة الهيبة والردع، كانت الإدارة الاميركية، تضع أولوية القضاء على حماس وتحييد إيران، وقد نجحت بالدبلوماسية والتهديد، في تحقيق الهدف، الذي استلزم حكماً كبح جماح اسرائيل. لكن الواضح ان هذا الكبح لن يكون إلى أمد بعيد، بل سينتظر جلاء الوضع الميداني في غزة، الذي على أساسه سيتم تفعيل القرار بالضغط الدبلوماسي، المترافق مع التلويح بالعصا الغليظة.



ثالثاً: التقطت إيران الإشارات الاميركية بسرعة، وكعادتها لا تخرق إيران الخطوط الحمر، بل تقبع وراءها، مطلقة لأذرعتها حرية العمل بضوابط ترسم لها حدود الحركة، وانطلاقاً من هذه القراءة المتأنية التي تتصف بالحكمة، افتتح حزب الله حرب مساندة حماس، التي لا يصلح لوصفها، إلا أنّها حرب إنقاذ ماء الوجه، وهي جرت على وقع تراجع الخطوط الحمر، حتى وصلت إلى معقل يحيى السنوار في خان يونس، وقد تصل الى النفق الذي يدير منه المعركة، بدون أي توقع بأن يرفع حزب الله من وتيرة المناوشات.



أوقفت الإدارة الأميركية الضربة الإسرائيلية لحزب الله، لكن إلى حين، فما بعد غزة سيفتح ملف حزب الله جنوب الليطاني، ولن يكتفي الحزب بتقديم عروض تحت الطلب، كسحب فرقة الرضوان الى شمال الليطاني، بل عليه أن يتعامل مع تحديات أكثر خطورة، وهو يدرك أن مرحلة ما بعد طوفان الأقصى ليست كما قبلها.

MISS 3