رواد مسلم

الإستراتيجية الأوكرانية الجديدة: الحماية الجوّية الكاملة

27 كانون الأول 2023

02 : 00

الجيش الاوكراني يعمل على تأمين الحماية الكاملة للقوات الارضية (أ ف ب)

يعمل الجيش الأوكراني في حرب الشتاء الجامدة على تحديد مسار العمليات المستقبلية في ساحة المعركة والسعي إلى تكبيد روسيا تكاليف باهظة عبر ضرب أهداف ذات قيمة عسكرية عالية، وبناء قوّة عسكرية محلياً يمكن أن تردع أي عدوان روسي مستقبلي في آن واحد، من خلال اتباع إستراتيجية عسكرية واضحة تهدف إلى التعويض عن الضعف في القدرات الجوية من خلال ضرب السلاح الجوّي الروسي بالمباشر، ومنعه من تهديد المجال الجوي الأوكراني، كما ضرب شحنات المسيّرات الإنتحارية التي تستنزف ذخائر الدفاعات الجوية الأوكرانية وتهدّد المنشآت العسكرية والحيوية في العمق.



بالرغم من تدنّي نسبة إصابة المسيّرات الإنتحارية لأهدافها في العمق الأوكراني بفضل إعتراضات الدفاعات الجوية الأوكرانية، لا يتوقّف الجيش الروسي عن شنّ الهجمات الجوّية بالمسيّرات الإنتحارية من طراز "شاهد 136" الإيرانية الصنع وبوتيرة عالية جدّاً، وذلك بهدف واضح ووحيد، "إستنزاف ذخائر الدفاعات الجوية" الأوكرانية للإستفادة من نقص إمدادات الذخائر الغربية، لذلك عملت المخابرات الأوكرانية على تحديد مسار سفينة الشحن "نوفوتشركاسك" التابعة لأسطول البحر الأسود الروسي المحمّلة بكميات كبيرة من "شاهد 136"، وضربها بصواريخ كروز جو- بحر.



أمّا على صعيد التفاوت الكبير في القدرات الجوّية، فيعمل الجيش الأوكراني على تأمين الحماية الكاملة للقوات الأرضية والمنشآت، من خلال إعادة تموضع أنظمة الدفاعات الجوّية بشكل روتيني، فبالرغم من قلّة أعداد الأنظمة لحماية كافة الأراضي، يعمل على تغيير مواقع تمركزها بشكل لا يمكن للمخابرات الجوية الروسية معرفة المواقع الجديدة، ما يخلق حالة إرباك لدى سلاح الجوّ الروسي، ويعرّضه للإستهداف، فكان هذا التكتيك ناجحاً، حيث تمكّنت الدفاعات الجوّية الأوكرانية وأهمها صواريخ "باتريوت" الأميركية ذات المدى الفعّال 160 كلم، من إسقاط سبع مقاتلات روسية في غضون أسبوع، من أنواع مختلفة (إثنتان "سو-34"، ثلاث "سو-27"، واحدة "سو-24" وواحدة "سو-30أس أم").


أمّا في مجال الصناعات الدفاعية المحلية التي تُعتبر الحلّ الأمثل للجيش الأوكراني في ظلّ نقص الإمدادات العسكرية، فتأتي المسيّرة الإنتحارية الأوكرانية الصنع "يو جي 25 سكايلاين" ذات المحرّك النفّاث، النسخة المعدّلة عن المسيّرة الإنتحارية "يو جي 22" الأوكرانية التي أطلقت لأوّل مرّة في نيسان الماضي، لكن بمواصفات مميّزة كسرعتها التي تعطيها مدى أطول بفضل محركها النفّاث وصغر حجمها الذي يجنّبها الدفاعات الجوية الروسية، والمسيّرة "بيفر" الأوكرانية التي تصل سرعتها إلى 200 كلم في الساعة ويُمكنها حمل 20 كلغ من المواد الشديدة التفجير.



يبدو أنّ القادة العسكريين الأوكرانيين لن ينتظروا وقوع كارثة عسكرية بعد التخفيضات في المساعدات العسكرية التي ستؤدي إلى فقدان الجيش الأوكراني قوّته القتالية تدريجياً، ويريدون تجنّب اتجاه مصير الحرب لصالح روسيا، أي بعقد إتفاق وقف إطلاق النار وإطلاق مسيرة المفاوضات بشأن الوضع المستقبلي للأراضي المحتلّة والسكّان، يمكن أن تُفضي إلى إجراء إستفتاءات شعبية يمكن أن تكون لصالح روسيا في المقاطعات المحتلّة التي يميل سكانها للثقافة الروسية، وبالتالي يُعتبر هذا نصراً جزئياً لبوتين الذي كان يأمل في الأصل السيطرة على البلاد بأكملها، لتنتهي بالسيطرة على 17% من الأراضي.

تبدو الإستراتيجية الأوكرانية الجديدة بحماية الأراضي الأوكرانية بأكملها من الضربات الجوية ناجحة، وتمنحها الوقت حتى نهاية فصل الشتاء في إعادة حثّ الدول الغربية على أهمية الإمدادات العسكرية خصوصاً بعد حرب غزّة، وإثبات أنّ الجيش الأوكراني يستحقّ الدعم لتحقيق المزيد من الإنجازات، فهذه الإستراتيجية ستدعّم أكثر عند وصول مقاتلات "أف-16" قريباً بعد إعلان هولندا أنّها ستسلّم أوّل 18 مقاتلة أميركية الصنع من طراز "إف 16" من أصل 61 سبق أن وعدت هولندا والدنمارك بتسليمها لأوكرانيا إعتباراً من عام 2024 بعد تدريب الطيارين.

لم تكن الإستراتيجيات العسكرية الأوكرانية السبب وراء بطء وتيرة التقدّم في الهجوم المضادّ الذي انطلق في حزيران الماضي، فمن المحتمل أن يكون السبب هو الافتقار إلى التكنولوجيا الأساسية، مثل المقاتلات، لقمع الدفاعات الجوية الروسية في الأراضي المحتلّة والدعم الجوّي القريب، وحماية القوات الأرضية من صواريخ المقاتلات الروسية، وقلّة أنظمة الدفاع الجوّي الأوكراني لاعتراض الهجمات الصاروخية والمسيّرات الإنتحارية الروسية، بالإضافة إلى ذلك، قامت روسيا ببناء تحصينات دفاعية كبيرة، بما في ذلك حقول الألغام، لإطالة أمد المحاولات الأوكرانية البرّية لإحداث ثغرات في الدفاعات القوية أقّله في فترة الصيف.

MISS 3