نغم شرف

ثقافة الموسيقى على أرصفة بيروت

1 آب 2019

09 : 39

العزف في شوارعنا

تجلس منذ سنوات على كرسي خشبي صغير في أول شارع الحمراء في بيروت وتستقبل الداخلين بعزفها الذي يملأ الفراغ الواسع بين المارّة. هبة، الصبية العشرينية، كرّست وقتها كي تتعلم العزف على آلتها المفضلة "الناي" في الفضاء العام وبين الجموع وهي الوسيلة التعليمية الوحيدة المتاحة امامها لتدريب نفسها، وفي الوقت ذاته تعرض موهبتها أمام الحشود وتراقب ردود أفعالهم على أمل أن تصبح عازفة محترفة في ما بعد.

تعتبر ظاهرة العزف في الشارع أمراً جديداً نسبياً في بيروت، ولا تزال محصورة في شوارع محدّدة مثل شارع الحمراء، شارع الجميزة أو شارع مارمخايل. أغلب الشباب الذين يقصدون الشارع في العشرينات من عمرهم ويجيدون العزف على آلة الغيتار.

يعتبر محمود الذي قرر العزف على الرصيف في شارع الحمراء قبل حوالى ثلاثة أشهر، أنه أوقف التدرّب اليومي في المنزل وبدأ يتدرب علناً في الشارع، وعن هذا الامر يقول: "بعدما خسرت عملي قررت أن أستخدم موهبتي بهدف التسلية وتأمين مبلغ مالي يومي. أتلقى ردود فعل كثيرة من المارة، ومنهم من تواصل معي بهدف العمل معاً على مشاريع مستقبلية. قراري بأن أعزف على الرصيف أمّن لي نوعاً جديداً من التواصل الذي بدوره يساعد على انتشار عملي".

بالإضافة إلى القدرة على تأمين وسيلة للعيش، يكتسب المشاركون في هذه التجربة معرفة موسيقية جديدة من خلال الردود الإيجابية والسلبية التي يتلقونها او من خلال اللّعب الثنائي والجماعي الذي قد يحدث بينهم، فيتطورون على الصعيد المهني بطريقة مليئة بالتسلية لأنهم يعتمدون على موهبتهم وشغفهم.

قصدت لين شارع الجميزة قبل حوالى 3 سنوات مع صديقها حيث كانا يعزفان ويغنيان باللغة الأجنبية، بعد حوالى 3 أشهر توقفت عن التجربة، اولًا لأنه تم منعها من الغناء في عدد من الأماكن في بيروت، وثانيًا لأنه، وبحسب قولها لا يوجد في لبنان تقدير للفن العلني: "يتم اعتبار الأفراد الذين يؤدون في الشارع كأنهم ذوو قيمة أقل من غيرهم او كأنهم يسعون خلف المال فقط، لا يتم النظر إلى الفعل من منطلق فني، ومن الخلفيات التي يحملها، أي أن المؤدّي هو شخص يتدرب ويتعب ويقدّم أمام الجموع أفكاره ومشاعره وبالتالي هو يقدّم عملًا ولا يتسوّل". وتضيف لين: "أغلب الموسيقيين في بيروت لا يمكنهم إستئجار مكان أو مسرح بهدف التأدية لأن الأوضاع الإقتصادية صعبة ولأن أصحاب المحال يطالبون بمبالغ خيالية مقابل إحياء حفلة، ولهذا السبب قصدت الشارع، أردت أن أفهم قيمة عملي بأعين المستمعين الذين يمرون شخصياً من أمامي وليس فقط من خلف الشاشة". بالإضافة إلى هذه العوامل، أكدت لين أنها عانت كثيراً في الحياة الليلية كونها فتاة، لكنها استفادت أيضا من التجربة.

يشرح الأستاذ رهيف فيّاض من الناحية الإجتماعية أسباب عدم انتشار عزف الموسيقى في الشارع في لبنان أو في العالم العربي تاريخياً بالقول: "لم يحتوِ الشارع الشرقي هذا النوع من الفن لأنه في أصله غربي، وبالتالي سنجد أن الشباب الذين يقدمون أعمالهم الموسيقية في الشارع في وقتنا الحالي، هم في طور تقديم موسيقى غربية وذلك لأن الموسيقى الشرقية لا تنفع للشارع". ويضيف: "الشارع يحدّه على مستوى السماع مزيج من الاصوات متعددة المصادر التي لا تسمح للموسيقى العربية غير المكتوبة بنوتة بل بالإرتجال أن تجد لها مكاناً مميزاً. وهذه الظاهرة غير موجودة لأسباب تاريخية، لكن هناك نوعاً من التأكيد ان هذا النوع من النشاط الثقافي لم يرافق الثقافة العربية الإسلامية.

وعن المحاولات التي يمارسها الشباب حالياً، يشرح انه يوجد نوع من النقل في الفكر السائد الذي تسيطر عليه البرجوازية الغربية المعولمة.

وفي ما يخص الموسيقى العربية التي يتم عزفها في الشوارع الغربية مثل أوروبا وعن أسباب نجاحها في الخارج يقول: "وإن كان المكان غير ملائم إلا أن نجاح هذه التجارب مرتبط بالحنين الذي يفرض على المارة ذوي الإرتباط العاطفي بهذا النوع من الموسيقى أن يتوقفوا، وبالتالي لا تهم الجودة لأن الحنين يسيطر".


MISS 3