مصطفى علوش

نورمن فنكلشتاين

3 كانون الثاني 2024

02 : 00

«إن أدنى مراتب الجحيم مرصودة لمن يتخذون

صفة الحياد في القضايا ذات الطابع الأخلاقي» (دانتي).

نورمن فنكلشتاين مواليد 1953 أستاذ جامعي أميركي يهودي مختص في العلوم السياسية، وهو أيضاً كاتب وناشط سياسي، معروف عنه مساندته للقضية الفلسطينية وانتقاده استخدام اليهود للمحرقة كوسيلة لجذب التعاطف العالمي والتغطية على جرائم إسرائيل ضد الفلسطينيين. مجال أبحاثه الرئيسي هو القضية الفلسطينية والسياسات الحالية المتعلقة بالمحرقة النازية لليهود في الحرب العالمية الثانية.

وقد كان دافعه لتلك الدراسات هو التجربة التي خاضها والداه، إذ كانا من الناجين من تلك المحرقة. حصل على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية من جامعة برنستون وشغل مناصب أكاديمية عدة آخرها جامعة دي بول 2001-2007. لكن مواقفه دفع ثمنها بأن فُصل من الجامعة وتعرض للطرد والإبعاد من إسرائيل بعد أن أوقف للتحقيق لمدة 24 ساعة. زار لبنان واجتمع مع قيادات «حزب الله» معتبراً أنها حركة مقاومة محقة، وعاش تجربة طويلة في الضفة الغربية وغزة. من أشهر كتبه كان «صناعة المحرقة» و»غزة» حيث بين زيف الدعاية الصهيونية والغربية التي اخترعت تاريخاً مزوراً عن سكان فلسطين، كما فند استغلال الصهيونية المحرقة لتسويغ سياسات القمع والترانسفير والوحشية تجاه الفلسطينيين. يعد من أكثر الناشطين والأكاديميين دفاعاً وإقناعاً في الدفاع عن الفلسطينيين. منذ أيام استضافته إحدى محطات التلفزة الأميركية المستقلة فنّد فيها الأكاذيب التي كان يروج لها الإعلام الأميركي حول فلسطين، واستضافته محطات عدة عبّر فيها بالحجة والوقائع في مواجهة التزييف الصهيوني للتاريخ والأحداث.

بعد أن عاش لسنوات في غزة مدافعاً عن قضيتها في كتابه عنها قال إنّ إسرائيل جعلت من غزة، وحتى الضفة الغربية بدرجة أقل، معسكر اعتقال هو الأكبر في التاريخ في مكان واحد، واستند إلى تصريحات لأساتذة جامعيين يهود في إسرائيل في وصفه. من هنا، اعتبر أنّ رد فعل الشبان الذين قاموا بعملية «طوفان الأقصى» هو ما يمكن انتظاره ممن ولدوا وعاشوا في معسكر اعتقال تجاه سجانيهم. ومع أنه اعتبر أنّ العملية أدت إلى انتهاكات خطيرة بحق المدنيين الإسرائيلين، لكنه شكك بحجمها مؤكداً على أنّ الصهيونية لجأت إلى الأساليب ذاتها في استخدام المحرقة لتحقيق مكاسب سياسية وفي الوقت ذاته التفلت من المحاسبة على أساس أنّ المظلوم يقوم بما يقوم به بمجرد محاولة لردع الظالم. من هنا يعتبر فنكلشتاين أنّه يمكن إدانة عمل «حماس» بالقدر ذاته الذي يمكن إدانة يهود انتفضوا على معتقليهم النازيين في وقت من الأوقات. وقد كانت ردة فعله الأولية على عملية «طوفان الأقصى» بأنها فعل مقاومة مجيد لأطفال غزة أمام العجرفة الإسرائيلية وتماديها في التعالي والقهر المستمر منذ إقامة دولة إسرائيل، لا بل منذ بداية المشروع الصهيوني الذي افترض عدم وجود بشر في فلسطين أساساً، تحت شعار «أرض بلا شعب لشعب بلا أرض». لكنه بعدها عاد وراجع أقواله بعد أن توضح حجم القتلى الإسرائيليين في العملية، لكنه رفض إدانة العملية معتبراً أنّها عملية مقاومة خرجت عن السيطرة. لكنه أكد أنّ ما قامت به إسرائيل على مدى عقود من مجازر وانتهاكات بحق الفلسطينيين، وبالأخص بحق سكان غزة، يمثل أضعافاً مضاعفة من الوحشية بالمقارنة لما حدث في عملية «حماس».

خرج فنكلشتاين منذ عدة عقود، بعد البحث والدراسة، ليشكل ضميراً يهودياً صاحياً بامتياز لم يتوقف عن تفنيد دناءة الصهيونية في استخدام عذابات ضحايا المحرقة النازية بحق يهود أوروبا، ليسوغوا لأنفسهم إنزال عذابات مماثلة على شعب فلسطين. فقد سمى هذا المنحى الصهيوني ببكاء دموع التماسيح مع العلم أنّ عائلته هو شخصياً كانت من ضحايا معسكرات الاعتقال النازية، وبالنسبة له فإن ما حصل لأقربائه لا يجب أن يقع على أي بشري في العالم تحت أي مسوغ حتى وإن كانت الحجج تشمل وجود دولة إسرائيل. في أحد كتبه شرح فنكلشتاين بالوقائع والحجج زيف الدعاية الصهيونية حول نية الفلسطينيين بإفناء دولة إسرائيل، مع أنه اعتبر هذه النية مشروعة لكون هذه الدولة بنيت أساساً على باطل هو الاستعمار والاغتصاب، لكنه رغم ذلك قبِل الفلسطينيون بالتسويات والحلول الممكنة، لكن، في كل مرة كان العرب أو الفلسطينيون يطرحون مبادرة للسلام، كانت إسرائيل تخترع حجة عنيفة لاستفزاز الطرف الآخر، وبالتالي جعل عملية السلام بعيدة الاحتمال.

نورمن فنكلشتاين، مثله مثل العديد من النخب اليهودية، آثروا الاستماع إلى صوت ضمائرهم على الانتماء إلى قبيلتهم الدينية، ليواجهوا الإرهاب الاجتماعي والسياسي ضدهم وضد مصادر رزقهم.

MISS 3