محمد عبيد

لقاء بعبدا: جدول أعمال إفتراضي

25 حزيران 2020

02 : 00

أجندة أولويات المجتمعين في بعبدا محصورة بإعادة إنتاج أنفسهم (دالاتي ونهرا)

لا شك أن غالبية الطبقة السياسية، وخصوصاً منها الفاسد، تعيش حالة من الإنتعاش الإعلامي الموقت نتيجة تحركات وإتصالات مفتعلة، بحيث عادت لتتصدر شاشات التلفزة وعناوين ما تبقى من الصحف المطبوعة والإلكترونية، بعدما كانت ملعباً للمنتفضين الثوار على مدى أشهر قليلة منذ 17 تشرين الاول الماضي.

كذلك لا بد من الإعتراف أن هذه الغالبية نجحت في الإستفادة من السذاجة السياسية التي أظهرتها الحكومة الحالية خلال مقاربتها للملفات الأساسية كافة، وخصوصاً المالية والنقدية والإدارية منها، مما وضعها في موقع ضاع فيه الفارق بينها وبين من تناوب على السلطة لسنوات طوال، وأمعن فيها نهباً وهدراً وزبائنية ومحاصصة...

إنجازٌ واحدٌ سيكتب لهذه الحكومة هو الوكالة عن تلك الطبقة بقوى موالاتها التي لا تشبع ومعارضيها الذين لا يخجلون، هذا الإنجاز هو تأمين هبوط متدرج للواقع الإقتصادي والمالي وبالتالي الإجتماعي المأسوي.

ويمكن أيضاً أن ينسحب هذا التوصيف على ما يُصِرُّ البعض على تسميته "العهد"، مع قناعتي بعدم جواز تجزئة السلطة التنفيذية التي وحَّدها دستور "الطائف". ذلك أن عِدَة شغل هذا العهد غير الإحترافية إبتدعت له من دون دراية وظيفة أن يُشَكِل "المرحلة الإنتقالية"، بين إنهاء سلطة ما بعد الطائف بعد تصادم أركانها الإقليميين والدوليين: سوريا، السعودية والولايات المتحدة الأميركية، وبين إعادة تكوين النظام بقوى ووجوه جديدة أو قديمة مُرممة، بعد إستتباب توازنات جديدة سيفرضها تقدم لاعبين إقليميين ودوليين جُدد الى واجهة الصراعات وبالتالي التسويات.

إنطلاقاً من ذلك، لا يمكن لحيثية إنتقالية أن تصنع أو أن تفرض حلولاً جذرية لأزمة يتم تصويرها على أنها مستعصية، لأن زوالها يعني عملياً حتمية زوال تلك الغالبية الفاسدة من الطبقة السياسية معها.

لذلك حَمَلَ "لقاء بعبدا" عنوان: حماية السلم الأهلي، وكأننا نعيش في زمن ما قبل إقرار وثيقة الوفاق الوطني وتكريسها دستوراً، مُجَدِّداً البحث في السؤال الأمني التعايشي مُسقِطاً ضرورة التشبث بالقانون والمؤسسات كحَكَم بين المواطنين اللبنانيين، وليس بين القطعان من التابعين الذين يكفيهم أن يجتمع أمراؤهم الطائفيين على طاولة لصياغة سلم أهلي ظرفي هش، بدلاً من البحث في تنازل هؤلاء الأمراء عن إمتيازاتهم وحصصهم ومكتسباتهم وبالتالي تحرير الدولة والناس منهم.

ولذلك أيضاً تبدو إمكانية لجم التدهور النقدي أو وقف الإنهيار الإقتصادي وتباعاً الإجتماعي والسياسي، أمراً يفوق قدرات المجتمعين في بعبدا والمعتذرين عن الحضور معاً، لأن الأزمة الحقيقية هي: هُم.

ولأنهم لن يقبلوا سوى مجبرين بتشكيل حكومة مستقلة شكلاً ومضموناً تكون لديها صلاحيات تشريعية إستثنائية محددة، بحيث تُقدِم على تنفيذ إصلاحات منهجية في القضاء والإقتصاد والإدارة والسياسات المالية والنقدية، فإن اللبنانيين سيستمرون في الدوران حول أنفسهم يتآكلهم العوز والجوع والخوف من المستقبل المجهول والقاتم، الى أن تحين لحظة مشابهة لمساء 17 تشرين أو أن يدخل لبنان في مسار فوضى ما قبل الإنفجار الشامل، فلن يبقوا "هُم" ولن يبقى لبنان الدولة.

وبما أنه لا بد من البدء من مكان ما وتماشياً مع الواقع السياسي، ماذا لو تمّ وضع جدول أعمال إفتراضي على طاولة لقاء بعبدا على الشكل الآتي:

- تشكيل محكمة عليا بصلاحيات إستثنائية مطلقة تكون مهمتها التحقيق مع وزراء المال المتعاقبين منذ العام 2005، ومع حاكم مصرف لبنان ونوابه ورؤساء مجالس إدارات المصارف، حول كيفية تنفيذ السياسات المالية والنقدية التي أدت الى إنهيار الوضعين المالي والإقتصادي.

- إلغاء المجالس والصناديق وتصفية إعتماداتها وموازناتها مع نهاية العام الجاري، كذلك إنهاء العقود مع الجمعيات ولجان المهرجانات العائدة لزوجات وأقرباء المسؤولين كافة من دون إستثناء.

- إلغاء المجلس الأعلى والمديرية العامة للجمارك وتشكيل هيئة جمركية واحدة تدير المرافئ البحرية والجوية والبرية.

- تجميد تراخيص شركات الصيرفة على جميع الأراضي اللبنانية، وحصر صرف العملات وتبادلها بالمصارف وفق آلية يمكن تنفيذها بشفافية ومن دون إحتيال على المودعين خاصة.

- إلغاء المجلس الإقتصادي - الإجتماعي، وتشكيل هيئة خبراء خاصة أيضاً بصلاحيات إستثنائية مطلقة، تنحصر مهامها بوضع إستراتيجية إنتاجية زراعية-صناعية متوسطة وطويلة الأمد.

- إلغاء الوكالات الحصرية كافة وفتح الأسواق للمنافسة الحرة وبالأخص تنويع مصادر الإستيراد مع الحفاظ على المواصفات المعتمدة عالمياً.

- إعادة إنشاء مختبر وزارة الصحة المركزي، ومنح تسهيلات تشجيعية للشراكة اللبنانية-الأجنبية في قطاع صناعة الدواء على الأراضي اللبنانية.

- إطلاق مزايدة لأربعة أو خمسة تراخيص جديدة لمصارف عالمية راغبة في دخول السوق المصرفي اللبناني.

- فرض نسبة لا تقل عن 75% من العمالة اللبنانية على أي شركة أو مؤسسة تسعى للإستثمار في لبنان.

- تشكيل هيئة تربوية عليا وبصلاحيات إستثنائية مطلقة تضع إستراتيجية عاجلة لمنع التسرب المدرسي والجامعي، الذي ستفرضه الظروف الوظيفية والمعيشية للكثير من العائلات اللبنانية، وذلك من خلال البحث في كيفية دعم وتمويل المؤسسات التعليمية الرسمية والخاصة على المستويات كافة، مع الإشارة الى ضرورة تعزيز القطاع التعليمي المهني والتقني.

من المؤكد أن غالبية المجتمعين في بعبدا ليست لديها الوقت للتفكير أو البحث أو الإنشغال بهذه المواضيع أو بأخرى مماثلة وإن كانت تحمل صفة العجلة، لأن ترتيب أجندة أولوياتها ما زال محصوراً بالسعي الى إعادة إنتاج نفسها وفق الآليات الطائفية والمذهبية، التي أبقتها في السلطة طوال سنوات ما بعد الطائف الى يومنا هذا، كذلك طبقاً للسياسات المالية والإقتصادية التي وضعها واعتمدها الرئيس المرحوم رفيق الحريري، هذه السياسات التي كان من المفترض أن تتماشى مع وظيفة إستثمارية - ترفيهية محددة للبنان، في إطار الخريطة الإقليمية والدولية التي كان سيرسمها السلام الموعود.

المجتمعون والمعتذرون لم يكونوا يوماً الحل ولن يكونوا كذلك في المقبل من الأيام، لأن "الإنتقاليين" لا يمكن أن يبنوا دولة أو أن يحفظوا وطناً وواقعنا خير شاهد.

*قيادي سابق في حركة أمل


MISS 3