د. ميشال الشماعي

تانغو السلطة

27 حزيران 2020

02 : 00

إجتمع أهل الحكم في بعبدا، وخرجوا بتوصيات خمس من اجتماعهم، قامت على قاعدة تثبيت الحكم من خلال دعم السلطة السياسيّة المُتمثّلة بهم أنفسهم، مع الإشارة إلى حلول ضبابيّة في نهاية بيانهم الختامي. حتّى في الشكل، فقدت هذه الجلسة جوهرها لأنّها ضربت بعرض الحائط مبدأ الميثاقيّة الذي لطالما حاربت به هذه السلطة نفسها قوى "14 آذار" يوم كانت في الحكم، مع العلم أنّها تُصرّ على رقص التانغو وهي تعلم أنّه لا يُمكنها ذلك من دون شريك لها. من هنا، بدت رقصتها ساخرة حيث رقصت أمام مرآتها مع ذاتها، ولم تستطع أن تُقدّم في الجوهر أيّ شيء مُفيد للمشهد السياسي المأزوم.

أوّلاً، أشار المجتمعون إلى أنّ "الإستقرار الأمني هو أساس، لا بل شرط للإستقرار السياسي والإقتصادي والإجتماعي والمالي والنقدي"، لكنّ التصدّي لزعزعة هذا الوضع هو مسؤوليّة الجميع. لقد فاتهم أنّ مُزعزعي الأمن هم أفراد تابعون، بولائهم المناطقي السكني على الأقلّ، لهم وحدهم. فلا شباب عين الرمانة دخلوا الشياح بدراجاتهم الناريّة، ولا شباب الطريق الجديدة أمطروا منطقة بربور بزخّات رصاصهم غير الشرعي! كيف؟

ثانياً، تحدّثوا في بيانهم عن حريّة التعبير المُصانة بالدّستور والشرعة العالمية لحقوق الإنسان، لكأنّ الثوار يعتقلون أهل السلطة اليوم، لأنّهم يطالبونهم بالسماح لهم بالإعتداء عليهم. إنّها فعلاً لسخرية مقيتة! يتحدّثون باسم الحريّة ويُمعنون في التنكيل بكلّ من تُسوّله نفسه للمطالبة بحقّه في العيش الكريم في أرض آبائه وأجداده. والأكثر يقولون له: "إذا مش عاجبك هاجر!" كيف؟

ثالثاً، يتحدّثون عن المُعارضة الديموقراطيّة البرلمانيّة التي ما انفكّوا يُعيقون عملها بديموقراطيّتهم التعطيليّة منذ العام 2005 وحتّى اليوم. وكلّما تعارضهم في أمر ما، ينشط إعلامهم "الغوبلزيّ" ليضخّ عبارته الشهيرة: "ما خلّونا". إن أرادوا فعلاً العمل، فالإصلاحات باتت معروفة فليبدأوا بها. وطالما لن تُطلق هذه السلطة عجلة الإصلاح الحقيقي، لن تنال أيّ مساعدة من وراء البحار. ويُطالبون من المعارضة أن تتكاتف معهم لأنّ الأزمة هي أزمة وجوديّة؛ لكنّ شرطهم في ذلك أن تُطيعهم. يعني أن تكون معارضة لهم، لكن بيدهم وحدهم! كيف؟

رابعاً، يُمطِروننا بالكلام المعسول عن القيم اللبنانيّة، وهم الذين داسوا عليها بنِعالهم الفارسيّة، مُطالبين بالإرتقاء في العمل السياسي وتجاوز الإعتبارات والرهانات السلطويّة. لكأنّ المعارضة البرلمانيّة أو الثوار في لبنان يغنمون التعيينات، وينهشون مراكز الدّولة! كيف؟

خامساً، تشغل بالهم الكيانية والوجودية التي تتعلّق بوحدة وطننا وديمومة دولتنا، وهم الذين يرهنونها لكيانية لا تُشبهنا، ولم يوفّروا أيّ فرصة لفرض عادات وتقاليد على مجتمعنا لا تمتّ بصلة إلى تراثنا اللبناني الأصيل، إن من حيث اللغة والممارسات الدينيّة وليس انتهاء بالثقافة والفنّ. يُمعنون في ضرب الكيانيّة اللبنانيّة حتى في مُقارباتهم الإقتصاديّة الداعية لنبذ الإقتصاد الليبرالي الحرّ. لكأنّ المعارضين يريدون تغيير وجه لبنان بإدارة ظهره إلى الغرب الحضاري وانغماسه في حضارة الشرق البعيد التي لا تشبهه أبداً! كيف؟

ويختمون بيانهم في إشارة إلى مسائل ثلاث يريدون تحقيقها: المسار النهائي للإصلاحات، تطوير النظام السياسي وتنفيذ ما لم يتحقّق من وثيقة الوفاق الوطني، التأكيد على دور لبنان في محيطه كجسر عبور بين الشرق والغرب. ممتاز في الشكل هذا البيان، لكن سبق لنا وأخذنا عبراً جمّة من طريقة تنفيذهم لوعودهم. التانغو فشل لأنّ لا شريك فيه؛ وكلّ ما قيل في هذا الإجتماع لا يتعدّى الكلام الممجوج مئات المرات. فيما المطلوب معروف: تحرير لبنان من الهيمنة الفارسيّة، إستعادة القرار الإستراتيجي من الدويلة إلى الدّولة، وتطبيق الاصلاحات فوراً. ماذا وإلا... لن ينفع بعد ذلك البكاء وصرير الأسنان!