كلير شكر

فرنجية مستمعاً... حيث "يُطنّش" الآخرون

2 آب 2019

01 : 14

خلال اللقاء مع نقابة المحامين

سيجد رئيس "تيار المردة" سليمان فرنجية من يلومه على غيابه عن الواجهة اليومية. سيجد من ينتقده على "ثقل حراكه" السياسي. سيخرج من يحاججه في فكرة أنّ الابتعاد عن مركز القرار له محاذيره القاتلة في اللعبة الداخلية، وحين يصل خصمه الأول، رئيس "التيار الوطني الحر" جبران باسيل، ليله بنهاره، ليصوّر نفسه بأنه الرجل الذي لا ينام، ليثبت أهليته للزعامة العونية وليضمن عدم تشظّيها بعد الرئيس ميشال عون، يصير التحدي صعباً.

ولكنه لن يجد حتماً من يقول له إنّ الباب مقفل بوجهك. لفرنجية خصوم، كما له محبون ومؤيدون، ولكن غالبية هؤلاء يكنّون له كل احترام ومودة حتى لو كانوا من قماشة معارضيه. باستطاعة الرجل أن يقصد أي منطقة، قد لا يلاقيه من يصفقون عادة للزوار، لكنه حتماً لن يواجه بالرصاص الحيّ، حتى لو كان بينه وبين القيّمين على المنطقة، خطوط تماس سياسية.

كثيرة هي الانتقادات التي تسجّل على سلوك رئيس "تيار المردة"، لعل أبرزها من جانب مؤيدين له يطالبونه بتوسيع حراكه السياسي والمناطقي والحزبي للحؤول دون ترك الساحة خالية أمام رئيس "التيار الوطني الحر" الذي يسعى جاهداً لتكرار تجربة فرض وصول "الماروني الأقوى" إلى الرئاسة. ولكن الخصال التي يتمتع بها تسمح بتجاوز تلك العقبات، ولعل أهمها وضوحه، وقدرته على تجاوز المتاريس حين تكون المعابر السياسية مقفلة.

مواقف فرنجية معروفة على "راس السطح"، وهذا ما يعطيه مسحة خاصة به. الأهم من ذلك، يقول عارفوه، هو قدرته على توسيع هامش المساحة المشتركة مع الخصوم. مؤمن أنّ خطه السياسي هو الوعاء القادر على استيعاب بقية القوى السياسية، وبالتالي لا ضرورة للخصومة الحادة أو النمط الإلغائي. الأكيد أنّ الرجل يرفض التماثل بأي نمط سياسي قائم. يفضّل رسم خريطة مختلفة، وقد بدأت منذ فترة ببلورة ذاتها: حراك متعدد الجوانب يستهدف القوى السياسية، الاقتصادية، النقابية، الروحية... ويهدف إلى وضع الاصبع على الجرح والخروج بخلاصات مفيدة.

لا حاجة للاستماع إلى دروس الهيئات والصناديق الدولية للتأكد من أنّ المالية العامة صارت في عين الأزمة. ولكن ثمة حاجة ماسة للاستماع إلى أصحاب الاختصاص من القطاعات الحيوية، كما يقول مطلعون على حراك فرنجية. ولهذا قرر الرجل الوقوف عند كل الآراء.

قصد حزب الكتائب، والتقى المطارنة الموارنة خلال اجتماعهم الدوري في جلسة لها رمزيتها، والرهبانية المارونية، كما استمع إلى مكونات المجلس الاقتصادي الاجتماعي وإلى جمعية الصناعيين، وإلى نقابة المحامين. وكان لكل مقام مقال، بمعنى أنّه لكل جلسة نقاشها ومواضيعها المثارة، لكنها تصب جميعها في خانة البحث عن علاجات مساعدة للأزمة الحاصلة.

يحاول فرنجية، وفق المطلعين على حراكه، صياغة رؤية علاجية، تجمع بين السياسي والاقتصادي والاجتماعي. يطرق أبواب أهل الاختصاص المغيبين عن دائرة القرار. بنظر المطلعين، لا حاجة،على سبيل المثال، إلى استيراد الدراسات المعلّبة من الخارج بينما تعج رفوف مؤسساتنا الاقتصادية بالدراسات الموائمة للوضع اللبناني. ولا يمكن القيام بنهضة تشريعية أو قضائية اذا لم تشارك نقابة المحامين بهذه الورشة... وهكذا دواليك.

يقول هؤلاء إنّ هذه القطاعات الحيوية مدعوة للمشاركة في الورشة الانقاذية، وهي إلى الآن رأيها مغيّب أو غير مسموع بينما يفترض أن تكون في طليعة القوى المعنية بوضع العلاجات اللازمة للأزمة الاقتصادية والسياسية. وقد لمس فرنجية من كل مستقبليه، حاجة لمن يفتح آذانه استماعاً.



ماذا عن توقيت حراك فرنجية؟

بداية، تشير المصادر إلى أنّ الحراك الميداني يختلف بين ظرف وآخر، وبالتالي لا يجوز تعيمم نمط واحد على كل المواقيت. كما انّه ليس هناك سلوك واحد يفترض الالتزام به. وتؤكد أنّ الظروف هي التي فرضت هذا النمط.

لا يمارس مؤيدو فرنجية سياسة التورية حين يسألون عن الوجه الرئاسي للتحرك. يجيبون أنّ رئيس تيار "المردة" مرشح للرئاسة بحكم موقعه وزعامته، ولكن حراكه لا يستهدف الرئاسة. لا بل أكثر من ذلك، هو لا يعيش هذا الهاجس ولا يسمح لكرسي بعبدا بأن تأسره. يتصرف بواقعية مطلقة.

هو مقتنع أنّ الظروف هي التي تصنع الرئاسة، واذا خدمه حراكه، فلن يكون ممانعاً. وفي حال لم تتوافق حسابات البيدر مع حسابات الحقل، فيمكن توظيف هذا الحراك لمصلحة حزبه وموقعه كقطب ماروني. ولهذا يصرّ على تفعيل ميزة الاستماع والتواصل مع القطاعات الانتاجية، سواء على المستوى السياسي أو الاقتصادي، لأنها حجر الأساس في أي عملية انقاذية. يسعى إلى تكوين رؤية سياسية، موثقة بشهادات أصحاب الاختصاص ومقارباتهم لكيفية بناء الدولة بعدما أصاب "الهريان" كل أساساتها. يقول عارفوه إنّ وتيرة حراكه ستتوسع وتتسارع، المهم أنها تحاكي العقل والمنطق وتبتعد عن لغة الغرائز وخطابات التحريض المذهبي التي باتت بالية، كالماء في البحر. فالمسيحيون يتساوون مع المسلمين في جوعهم وبحثهم عن لقمة عيشهم وعن وظيفة تؤوي عائلاتهم. هو الوجع ذاته. ولذا لم يعد، برأي المطلعين على موقف فرنجية، لهذه الخطابات آذان صاغية.