أحمد الأيوبي

"الجماعة الإسلامية" و"حماس": توأمة غير قابلة للتفكيك

15 كانون الثاني 2024

01 : 59

الإستهداف عمّق التنسيق (فضل عيتاني)

لا يعلم الكثيرون أنّ حركة المقاومة الإسلامية (حماس) تأسّست عام 1987 بشراكة وتنسيق وتكامل بين الشيخين الراحلين أحمد ياسين وفيصل مولوي الأمين العام الأسبق للجماعة الإسلامية، وهما في ذلك التأسيس كانا يبنيان توأمة من غير الممكن قطعها بين التنظيمين النابتَين من رحم جماعة «الإخوان المسلمين» وهذا ما انعكس على مسار التطوّرات رغم تولي «حماس» العمل في المخيّمات الفلسطينية في لبنان وابتعاد «الجماعة» نحو العمق اللبناني ونشوء مساحات من التمايز وخاصة في المواقف من إيران و»حزب الله» في مراحل متعاقبة.

شكّل إبعاد قادة «حماس» إلى مرج الزهور عام 1992 محطة مهمة في دخول «حماس» إلى العمل في لبنان مع بقاء أعداد منهم على الأراضي اللبنانية وكان القرار التنظيمي واضحاً في تقسيم العمل بين «الحركة» و»الجماعة»، لكنّ هذا الفصل التنظيمي والإداري لم يكن كاملاً، فقد بقيت بعض الشرائح عاملة وناشطة على جانبي «الجماعة» و»حماس».

جبهة واحدة

تقف «الجماعة» و»حماس» اليوم في جبهة واحدة وفي الموقف نفسه، فـ»الجماعة» قرّرت الانخراط في جبهة الجنوب نصرة لغزة وانطلاقاً من كون المشاركة فرصة لإعادة تنشيط أوضاعها السياسية والمعنوية والميدانية في الجنوب وعلى امتداد الساحة السنية في لبنان، كما سعت إلى توسيع الاهتمام بحركتها على المستوى العربي والإسلامي لاستقطاب التأييد لها في لحظة استعادة النفس السنّي بعد تنفيذ حماس عمليةَ «طوفان الأقصى» وما أنتجته من مدّ معنوي يركّز على استعادة مركزية القضية الفلسطينية في العمل السياسي وعلى الدور السني في هذا الصراع، وهو الدور الذي كاد يضمحلّ مع طغيان إيران وأحزابها على المشهد الإقليمي.

أمّا حركة «حماس» في لبنان فهي لم تكن تستطيع البقاء من دون تدخّل وقد فُتِحت جبهة الجنوب بالشكل الذي باتت عليه فأعلنت عن قيام «كتائب القسام – لبنان» بعمليات عدة ضدّ الاحتلال الإسرائيلي وأعلنت ثم تراجعت عن إنشاء «طلائع طوفان الأقصى» بعد موجة رفض لبنانية واسعة وأسئلة عن دواعي مثل هذا الإعلان طالما أنّ «كتائب القسام» موجودة على جبهة الجنوب وتقوم بدورها العسكري.

غير أنّ تراجع «حماس» وإعلانها أنّها تحت سقف القانون اللبناني وأنّ اتجاهها هو فقط ضدّ الاحتلال الإسرائيلي، كشفا أنّ الحركة تراوِح في مساحة برزخية بين هذا الإعلان وبين انخراطها في الأعمال القتالية وما يثيره هذا الحضور من حساسيات ترتبط بالحرب الأهلية والدور الفلسطيني فيها.

لا يبتعد موقف «الجماعة الإسلامية» كثيراً عن موقف «حماس»، فهي تتمسّك بوثيقتها التي حملت عنوان «رؤية وطن» التي أطلقتها بتاريخ 15 أيار 2017 وتوضح فيها رؤيتها لبناء الدولة على النحو الآتي: المواطنة ودولة المؤسسات والتي تقوم على استكمال تطبيق اتفاق الطائف، لامركزية إدارية وإنماء متوازن. ورفض السلاح غير الشرعي ورفض الزجّ بلبنان في الصراعات الإقليمية.

ولكنّها أكّدت في الوثيقة أنّ عناصر الاستراتيجية الدفاعية يجب أن تتضمّن: العداء الثابت والواضح للكيان الصهيوني، وتأكيد حق الشعب اللبناني في تحرير أرضه والتأكيد على صيغة توازن رعب مع العدو الصهيوني.

وقد كانت «الجماعة» واضحة في مسارها الفلسطيني عندما أكّدت في مشروعها السياسي الصادر في 9 نيسان 2001 على «اعتبار أنّ مواجهة المشروع الإسرائيلي في مقدّم اهتماماتنا من خلال التنسيق الكامل مع (حركة حماس) ودعم كلّ القوى المجاهدة، والحرص على إبقاء الساحة اللبنانية كساحة مواجهة ضدّ الاحتلال الإسرائيلي».

لخّص النائب عماد الحوت واقع الجماعة وموقفها بتأكيد التزامه بالشرعية وبالدولة ولكنّه يعتبر أنّ هناك الآن أمراً واقعاً يتمثل في ضعف الدولة وضرورة مساندة غزة وهذه هي المساحة البرزخية نفسها التي تقف فيها حماس محاولة مراعاة هواجس اللبنانيين ممّا يمكن أن يحمّلها وجودها العسكري من إشكالات، وهي حالة تحتاج إلى تحديد حقيقة المسار.

سعيد العويك

المسؤول السياسي لـ»لجماعة» في الشمال سعيد العويك قال لـ»نداء الوطن» إنّ «قوات الفجر تأسّست لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي ولن تحيد عن ذلك والجماعة لم ولن تكون في يوم من الأيام في صراع عسكري لبناني داخلي وهي تعمل ضمن سقف البيان الوزاري الذي يعتبر سلاح المقاومة مشروعاً»، وكشف أنّ «الجماعة أطلقت حملة تبرعات لقوات الفجر داخل تنظيمها وهي تستعدّ لفتح باب التبرّع وأنّ باب التطوّع لقوات الفجر مفتوح لكن للثِقات وأنّ قوات الفجر متواجدة في القرى السنية المتاخمة للحدود مع فلسطين المحتلة».

وأضاف أنّ «كل سلاح قوات الفجر تشتريه الجماعة بأموالها وهي لا تأخذ مالاً ولا سلاحاً من «حزب الله» وأنّ التنسيق مع الحزب ضروري لكنّ هذا لا يعني التبعية وأنّها تدعوه للخروج من سوريا وتدين تدخّله فيها»، معتبراً أنّ «الجماعة ليست في محور الممانعة ولا في محور أميركا»، مؤكداً «التنسيق والتعاون الوثيق مع حماس مع الاحتفاظ بالخصوصية لكلّ منهما وقد أطلعنا مكوّنات الساحة الإسلامية السنية على ضرورة استئناف الجهاد ضد العدو الصهيوني».

صحيح أنّ «الجماعة» لم تستخدم سلاحها في الداخل بعد الحرب الأهلية وبقيت في حالة من الصمت الذي خرقه توقيف بعض عناصرها من قوات الفجر، لكنّ اتّساع الصراع بمداه الإقليمي يجعل الموقف أكثر صعوبة في تحديد التداعيات المتوقعة لتحريك جبهة الجنوب، خاصة أنّ «حزب الله» هو صاحب القرار فيها، وحساباته مختلفة عن حسابات الآخرين، سواء أكانوا مشاركين في الجبهة أم معارضين.

وقد كشف سقوط القياديَّين في الجماعة محمد بشاشة (مسؤول الأمن السيبراني في قوات الفجر) ومحمود شاهين المسؤول العسكري في البقاع خلال الغارة التي استهدفت القيادي في «حماس» الشيخ صالح العاروري عمق التنسيق بين الجانبين ووصوله إلى مستويات عالية تنعكس على الميدان بشكل متصاعد. هذا التشابك يعيدنا إلى لحظة تأسيس «حماس» ومشاركة المستشار الراحل الشيخ فيصل مولوي في ذلك التأسيس، ومن الواضح أنّ هذا المسار يزداد ارتباطاً وتداخلاً مع العمل العسكري والميداني ليبقى السؤال: كيف سيكون اليوم التالي بعد انتهاء العدوان الإسرائيلي على غزة مع ازدياد تفريخ بعض المجموعات المجهولة في جبهة الجنوب وكان آخرها ما سُمِّي «كتائب العزّ الإسلامية»، في حين بدأت ملامح حوار وفتح قنوات بين «الجماعة» وبين قوى سيادية مسيحية وسنية بالظهور؟

MISS 3