جاد حداد

Society of the Snow... قصة صمود في أصعب الظروف

15 كانون الثاني 2024

02 : 00

كانت حادثة تحطّم الرحلة 571 التابعة لسلاح جوّ الأوروغواي في جبال الأنديز، في 13 تشرين الأول 1972، محور أفلام عدة، وقد حقّقت تلك الأعمال نجاحاً متفاوتاً، بحسب تفسير كل شخص لمعنى النجاح. يُعتبر فيلم Society of the Snow (مجتمع الثلج) للمخرج خوان أنطونيو غارسيا بايونا أحدث محاولة لسرد هذه القصة المقتبسة من كتاب بابلو فيرسي من العام 2009. يتجنّب هذا الفيلم عدداً من الأخطاء المرتكبة في النُسَخ السابقة، ومع ذلك لا مفرّ من الشعور بوجود نقص معيّن.

تبدو وقائع تلك الحادثة مرعبة بمعنى الكلمة. قُتِل معظم الركاب على متن الطائرة فوراً، وتوقّفت عمليات البحث بعد أيام. اضطرّ الناجون لأكل لحوم البشر بسبب الجوع، ثم دُفِن بعضهم تحت انهيار ثلجي في مرحلة معيّنة. وعندما بدأ الطقس يتحسّن في نهاية المطاف، انطلق شابان من أعضاء فريق الركبي الذي كان على متن الطائرة باتجاه الغرب، في محاولة منهما للوصول إلى تشيلي. ما كان الشابان يملكان أيّ معدات أو خبرة لتسلّق الجبال، لكنهما وصلا أخيراً إلى منطقة حضرية رغم جميع المصاعب وتمكّنا من توجيه مروحيات الإنقاذ نحو مكان تحطّم الطائرة، فرُفِع منها 16 راكباً على قيد الحياة. تصدّرت هذه القصة عناوين الأخبار الدولية، وشكّل الجانب المرتبط بأكل لحوم البشر موضوعاً حساساً وصادماً في التقارير المرتبطة بهذه الحادثة. شعر بعض الناجين بالخجل عند التطرّق إلى هذه المسألة.

لا يهدر فيلم بايونا وقتاً طويلاً للتعريف عن الشخصيات. سنتعرّف إلى مجموعة من لاعبي الركبي المتحمّسين للتوجّه إلى تشيلي للمشاركة في مباراة. لم يسبق أن ترك معظمهم بلده الأم. يروي «نوما توركاتي» (إنزو فوغرينسيتش) أحداث الفيلم: إنه شاب يُشجّعه صديقه على المشاركة في تلك الرحلة. يدلي «نوما» ببعض التعليقات لكنه ليس بطل القصة، بل تؤدي المجموعة كلها دور البطولة. يصعب التمييز بين الشخصيات في البداية، ولن تتّضح الاختلافات بينها إلا بعد وقوع الكارثة.

يختار هذا الفيلم مقاربة مثيرة للاهتمام، وهي مختلفة عن النُسَخ السابقة. خلال الأيام التي تلي تحطّم الطائرة، يظهر قائد وسط المجموعة المتبقّية، فيتولّى إجلاء الطائرة، ويبحث عن الطعام في الحقائب، ويلقي خطابات تشجيعية، ويدعو الناس إلى التمسّك بإيمانهم. تحتاج المرحلة الفوضوية الأولى إلى هذا النوع من القادة. يحاول «روبرتو» (ماتياس ريكالت) و»ناندو» (أغوستين بارديلا) إصلاح راديو الطائرة، ثم ينطلقان نحو الجبال حين يفشلان في إصلاح العطل ويتّجهان نحو تشيلي على أمل أن يبلغا وجهتهما.

على غرار النُسَخ الأخرى من هذه القصة، يظهر عدد الأيام على الشاشة، وتحظى كل شخصية بتكريم صغير بعد موتها. من الإيجابي أن نشاهد الأسماء الحقيقية. لكن بما أننا لن نقابل أياً منهم، تبقى المشكلة نفسها قائمة: تفتقر هذه القصة المأسوية إلى بعض التفسيرات والتوضيحات.

تؤثر الكارثة الأولية على جميع الشخصيات بالتساوي. لكن بما أن البقاء على قيد الحياة يرتبط بالحالة النفسية، سرعان ما تتوقّف تجربة كل شخص على قوّته الذهنية. نحن نسمع هذا النوع من الأفكار مراراً في قصص الصمود. في لحظة محورية من الأحداث، يضطرّ البشر لاتخاذ قرار بالبقاء على قيد الحياة. في الكتاب والوثائقي Touching the Void (لمس الفراغ)، يتوه متسلّق الجبال جو سمبسون في شقّ جليدي ضخم وهو مكسور الساق، فيقرّر الزحف في أعماق ذلك الشق على أمل أن يصل في نهايته إلى الطرف الآخر من المكان.

كانت القوة التي احتاج إليها سمبسون لاتّخاذ هذا النوع من القرارات نفسية، لا جسدية. هذا هو الجانب المبهر من حكاية الرحلة رقم 571. كانت هذه القوّة تكمن داخل «روبرتو» و»ناندو» حين وجدا نفسيهما وهما يتضوّران جوعاً وسط جثث أحبائهما، علماً أن عدداً منهم مات بين ذراعَيهما ثم اضطرّا لأكل لحومهم. هما لم يتحطّما نفسياً رغم هذه الظروف المريعة، بل أصرّا على المضي قدماً في تلك الأرض القاحلة لطلب المساعدة، وكانا يعرفان منذ البداية أنهما قد يلقيان حتفهما وهما في طريقهما إلى المجهول، لكنهما كانا يعلمان على الأقل أنهما سيموتان وهما يحاولان البقاء على قيد الحياة.

لا يُعبّر الفيلم عن أيّ من هذه الأفكار صراحةً، لكن تسمح المقاربة التي يختارها بايونا بالتفكير بهذه المسائل الفلسفية والأخلاقية.

MISS 3