مايا الخوري

جوليا قصّار: أيّ إنجاز ذخيرة للاستمرار

15 كانون الثاني 2024

02 : 00

حجزت لنفسها مكانة عالية لدى الجمهور اللبناني بفنّها العريق في المسرح والسينما والتلفزيون. هي الأستاذة الجامعية والممثلة والمخرجة جوليا قصّار التي تطلّ حالياً عبر منصّة «شاهد» بدور «جوليات» بطلة «عرّابة بيروت» (تأليف نور شيشكلي ومازن طه، إخراج فيليب أسمر، إنتاج «إيغل فيلمز») التي يُحسب لها ألف حساب في عالم النفوذ والسلطة. عن المسلسل ومشاريعها تحدثت إلى «نداء الوطن».



«جوليات» شخصية إستثنائية، شكلاً ومضموناً، كيف عملتم على إبراز تفاصيلها النافرة؟

يتعمّق المخرج فيليب أسمر بدراسة الشخصيات لرسمها بتفاصيل دقيقة. حرصنا على رسم «جوليات» امرأة ترفع ستاراً حديدياً بينها وبين الآخرين، متسلّطة ومسيطرة في حضورها، وظلّها حاضر في غيابها.

باردة الأعصاب، وجهها جامد من دون تعابير أو مشاعر، وكذلك أسلوب لباسها ومكياجها وطريقة مشيها، وسعيها لتحقيق الكمال في محيطها وفي الملهى الذي تديره. هي قادرة على احتواء المشكلات التي ممكن أن تقع حولها، لكنها تفقد السيطرة على بعض الأمور خصوصاً عندما تشعر بالخطر على ابنتها، أعزّ ما تملك، عندها فقط تُظهر مشاعرها وضعفها.





لكنها متعاطفة مع العاملات لديها؟

نكتشف في سياق الأحداث إنسانيّتها تجاه فتياتها، وتعاملها مع كل منهن بأسلوب مختلف. أرى بداخلها عاصفة كبيرة، وما القساوة التي تعبّر عنها سوى نوع من الحماية الذاتية والتقوقع. أعزو ذلك إلى محاولة اغتيال ابنتها في بداية المسلسل، ما دفعها إلى حمايتها عبر إعلان وفاتها في المجتمع وحرمانها من العيش بشكل طبيعي. تحوّلت «جوليات» إلى ظالمة أكثر بعدما دخلت في لعبة الكبار وانتمت إلى محيط النفوذ والسلطة الذي أجبرها على تحطيم الآخرين من أجل أن تبقى هي.



تنفيذ عمل كـ»عرّابة بيروت» تدور أحداثه في ستينات القرن الماضي، يواجه تحديات تقنية كثيرة، ما الدور الذي قام به المخرج في هذا الإطار؟

أشبّه المخرج فيليب أسمر بقائد الأوركسترا الذي لاحق أدنى تفاصيل المسلسل، من أجل تنفيذ رؤيته الإبداعية، عبر جيش من الإختصاصيين البارعين الذين أدوّا أدوارهم بدقّة في تنفيذ الملابس والماكياج والأكسسوار والديكور وغيرها من العناصر الأساسية في المسلسل.

هو مخرج متميّز جداً في أسلوب إحيائه المسلسل ومنحه إيقاعاً تشويقياً خصوصاً أنه يجسّد ليل بيروت الصاخب في ستينات القرن الماضي. كانت التجربة الأولى معه جميلة جداً على صعيد كيفية إدارته الممثلين وتوجيههم بكلمات قليلة لأنه يعرف تماماً ماذا يريد منهم.



رغم إيقاعه السريع، جاء مضمون المسلسل دسماً لجهة إستعراض حياة كل شخصية من شخصياته على حدة، ما أهمية ذلك؟

إستقطب المسلسل عدداً هائلاً من الجمهور حول العالم، بفضل الشخصيات والأحداث التي كُتبت بشكل شيق ورائع على الورق. لكل شخصية قصتها المستقلّة والمتكاملة والمتشابكة في الوقت نفسه، بشكل منطقي لا يضيّع المشاهد. فتمّ الإنتقال «بالفلاش باك» إلى الماضي والعودة إلى الحاضر، بطريقة ذكيّة. إضافة إلى عدد حلقاته المقتضبة، البعيدة عن المماطلة، وعن التطويل غير المبرر في الحوار. برأيي، هذا النوع من المسلسلات المقتصر على عشر حلقات مهمّ جداً لأنه يمكن التحكّم بالشخصيات والأحداث والنص، بحبكة ذكية.



حالفك الحظّ بنصّ جميل وظروف إنتاجية جيّدة، لكننا نفتقد هذا المستوى من الأعمال على الصعيد المحلّي؟

لا ينقصنا الإبداع في التمثيل أو الإخراج أو التقنيات أو النصوص، بل إنتاج محليّ سخيّ لأن لكل نصّ متطلباته في المواقع واللباس والتقنيات وغيرها... شركتا «إيغل فيلمز» و»الصبّاح» إنتاجان لبنانيان ينشطان على الصعيد العربي. ما ينقصنا فعلاً هو تشجيع المنتجين المحليين سواء في السينما أو المسلسلات، ليتمكّنوا من الإنتشار عربياً أيضاً. برأيي، يجب أن تشكّل الإنجازات الحالية حافزاً محليّاً لتقديم عمل ذكي يحترم عقول المشاهدين من خلال إختيار الكتّاب الموهوبين والممثلين الجيّدين والمخرجين الجيّدين حتى لو كان الإنتاج بسيطاً.



هل أفسحت المنصات في المجال أمام توافر هذا المستوى من الأعمال؟

فتحت المنصات أفقاً جميلاً للبنانيين ولكل الممثلين العرب، على صعيد العرض والطلب عربياً. تحكّمت محطات التلفزيون سابقاً باللعبة الإنتاجية فكان مجالها ضيقاً، فيما أفسحت المنصّات في المجال أمام أي مبدع من أي هوية عربيّة لتقديم مواد بطروحات جديدة لذا نتمنى أن يساهم ذلك في إبراز الكثير من المواهب المحلية والعربية على الصعد كافة.



حجزت لنفسك مكانة عالية في مجال الفنّ وبقي حضورك محبباً ومميزاً لدى الجمهور رغم غيابك المتقطّع عن الشاشة، كيف تفسّرين ذلك؟

يتّخذ التعليم حيزاً كبيراً من وقتي لذلك لم يفسح في المجال أمام بقائي دائماً في الساحة الفنيّة، إلا إذا توافرت الظروف الإنتاجية المناسبة على صعيد الوقت والتحضير من جهة، والنصّ وفريق العمل من جهة أخرى. أعاتب نفسي أحياناً لعدم حضوري الدائم على الشاشة أسوة بزملائي، لكنني أشكر الله على نعمة الإستحسان التي أتلقاها تجاه ما أقدّم. أتمنى أن يلقى دور «جوليات» ومسلسل «عرابة بيروت» صدى جميلاً عند الناس وتكون المشاريع المقبلة أجمل بعد.



تخططون لعمل مسرحي تكريمي للراحل الكبير ريمون جبارة، ما تفاصيله؟

إقترح الممثل كبريال يميّن أن نقوم نحن رفاق ريمون جبارة كما كان يسمّينا وطلاّبه في الأساس، بلفتة حب تكريمية تجاه هذا الأستاذ الكبير الذي أعطى الكثير للمسرح اللبناني.

إخترنا كبريال يميّن، رفعت طربيه، أنطوان الأشقر وأنا، 4 أعمال مسرحية شاركنا سابقاً فيها، لإخراجها والمشاركة فيها، من أجل تكريمه أولاً ومن أجل أن يتمكّن جيل الشباب من التعرّف إليه وإلى أعماله ثانياً. اخترت مسرحية «بيك نيك على خطوط التماس» لإخراجها وتقديمها مع ممثلين آخرين.



جوليا قصار في دور "جوليات"



مع الممثلة كارول عبود




ما رأيك بالأعمال المسرحية التي يقدّمها الجيل الصاعد؟

يُفرح القلب حماس خريّجي المسرح في السنوات الأخيرة سواء على صعيد الكتابة أو الإخراج أو التمثيل. ثمة حركة حيوية جميلة جداً رغم الأزمات الصحية والمالية التي مررنا فيها كـ»كوفيد» وانفجار المرفأ. يخاطرون للتعبير عن أفكارهم وما يشعرون به بشغف كبير.

ما الذي يقلقك شخصياً على الصعيد المهني؟

مصيرنا في لبنان عيش القلق الدائم. خلقنا للأسف ببلد لا راحة بال فيه، لا نعيش حياة طبيعية أبداً بل كلّ يوم بيومه، لذلك نعتبر أي إنجاز نحققه ذخيرة للإستمرار.

كل شيء يدعو إلى الإحباط واليأس والإستسلام في المهن التي أصبحت كلها متساوية في المصاعب والمشاكل.

كيف تتطلّعون إلى المستقبل المهني في غياب التعويضات والضمانات والطبابة؟ ونحن نرى فنانين كباراً أعطوا الكثير من أجل الثقافة والفنّ لا يجدون من يساعدهم في مصابهم؟

شكّل الفنانون الكبار الذين رحلوا بطريقة لا تليق بفنّهم وعظمتهم وكرمهم وعطائهم وإنجازاتهم، جزءاً من حياة كل إنسان في لبنان والوطن العربي.

الفنّانون، الكتّاب، والشعراء والممثلون والمغنون والملحنون وجه لبنان الجميل وصورته الثقافية رغم الحروب والأزمات التي نمرّ فيها، لذا يستحقّون الرفع فوق الراحات والإفتخار بهم، ومن بينهم الفنان فادي إبراهيم الجميل جداً الذي أعطى بكرم وحبّ وإبداع وشغف لمهنتنا وبالتالي يجب رفعه فوق الراحات والإفتخار به. عندما يقدّر الفنان والمثقف والمفكّر، عندها يصبح بلدنا بألف خير.

MISS 3