علي الأمين

أسئلة تعتمل في صدور اللبنانيين برسم نصرالله... هل من مجيب؟!

29 حزيران 2020

02 : 00

خياران أمام "حزب الله"

لا يستطيع "حزب الله" الهروب حرفياً او مجازياً إلى الأمام كعادته، في ظل الأزمات والنكبات المتناسلة من جراء أجندته وأدائه ورهاناته، وخصوصاً في هذه الفترة المالية والمعيشية والأمنية الحرجة.

في زمن الإنهيار المريع والسريع للبلاد والعباد، والدخول في نفق الفقر والعوز، بات لزاماً على "حزب الله" الذي نصب نفسه حاكماً على لبنان بالسلاح والدولار، وينفذ سياسة ورغبات الولي الفقيه الإيراني ومحوره، أن يصارح الناس كل الناس، ويجيب على أسئلة صعبة تعتمل في صدورهم لما آلت إليه الأمور، وتحديدا عن سر "قوة قلبه" على أذية اللبنانيين عبر حكومة محكومة به، كان ولا يزال بمقدوره ان يضع حداً ولو متواضعاً للتدهور غير المسبوق إلى السحيق من الخوف على المصير، الذي يتحمل جزءاً كبيراً من مسؤوليته. فهل من مجيب؟!

فالسيناريو المرتقب للانهيار المالي والاقتصادي الذي يعانيه لبنان، لا يحتاج لكثير من الدراسة والتحليل، تراجع مريع لقيمة الليرة اللبنانية قياساً للدولار الأميركي، حيث فقدت حتى نهاية الاسبوع ثمانين في المئة من قيمتها، في المقابل فقدان الدولار من الاسواق الذي يترجم زيادة في اسعار السلع بشكل صادم وعشوائي، ثم العجز المتنامي في القدرة الشرائية لموظفي القطاع العام، وممن تبقى في القطاع الخاص من عاملين لم يتعرضوا للتسريح او لقضم الرواتب المتهاوية اصلاً، او تمّ اغلاق المؤسسات التي عملوا فيها.

اللائحة تطول وتستنزف الدولة والمجتمع، من دون ان تبدي السلطة اي مبادرة جدية تجاه مطالب شعبية ودولية بضرورة تنفيذ خطوات إصلاحية تتصل بملفات فساد وهدر معروفة للجميع، بل لم توجه أيّ رسالة توحي بالثقة بهذه الحكومة، بينما اظهرت الوقائع السياسية والتعيينات المالية والادارية، ان الحكومة ليست الا ظلاًّ لتقاسم نفوذ بين اطراف حلف الممانعة الذي وصل الى ما يشبه القناعة بأن القضاء على الفساد او محاربته، يعني ضرب هذا الحلف وإسقاطه، والا ما معنى ألّا تبادر هذه الحكومة المطيعة والممثلة لهذا الحلف وقراراته، الى القيام بأي خطوة ولو في اتخاذ قرار بمحاسبة مرتكب واحد في طول لبنان وعرضه.

بات "حزب الله" اليوم الحامي لهذه السلطة، والمدافع عنها لا عن الدولة، هو يريد رعاية وادارة شبكة السلطة، ولو على حساب المؤسسات والشعب والأرض، غايته في ذلك تفادي مجابهة الأسئلة الوجودية للدولة اللبنانية اليوم.

لقد سعى "حزب الله" منذ نشأته حتى اليوم، نحو هدف هو مبرر وظيفته ووجوده جعل ايران على حدود اسرائيل، وكان أمينا لهذه الوظيفة التي كان يجري ترويجها وتعميمها حيناً باسم المقاومة الحصرية لـ"الحزب" ضد الاحتلال، وحيناً باسم محور الممانعة الذي تتصدره ايران، من خلال انخراط "حزب الله" في معارك خارج الحدود اللبنانية، ومحاولة ادراج لبنان ضمن هذا المحور بوسائل مكشوفة، قامت على ترسيخ ثنائية الدولة والدويلة، التي انتهت الى ما عليه لبنان اليوم، من عزلة عربية ودولية قاتلة، وباتت الدويلة التي تحصنت بالدولة في سنوات سابقة، هي اليوم المعنية بحماية السلطة لا الدولة، اي الحكومة والرئاسات الثلاث وكل مكملات هذا التحالف السلطوي الذي لم يعد لديه غير الاحتماء بعباءة السيد حسن نصرالله.

من هنا تضيق مساحة الخيارات امام "حزب الله" في مواجهة الأزمة الخانقة للبنانيين، وهي تتراوح بين حدّي تفجير حرب مع اسرائيل والتسليم بشروط الدولة اللبنانية وشروط مساعداتها الخارجية.

اولاً، خيار الحرب: يبقى من الاحتمالات الواردة اذا كانت القيادة الايرانية، قد وصلت الى قناعة ان ما يجري سيؤدي الى فقدانها الوجود الاستراتيجي على الحدود مع اسرائيل، وبالتالي يمكن ان تقوم بالزام "حزب الله" بخوض حرب مع اسرائيل، تدرك القيادة الايرانية انها ستكون انتحارية للحزب والشيعة واللبنانيين على وجه العموم، في ظل الانهيار الذي يعيشه لبنان، وغياب اي حاضنة عربية ودولية للبنان، وعدم قدرة ايران على تمويل هذه الحرب. وهذا هو نفسه ما يجعل اسرائيل غير متحمسة للمبادرة الى حرب، طالما ان الانهيار في لبنان يؤدي الى حد كبير وظيفة الحرب، ويحقق معظم أهدافها.

ثانيا، خيار التسوية: من الواضح أن القيادة الايرانية، تتعامل مع الهجوم الاميركي الأمني والمالي والاقتصادي، عليها وعلى دول محور الممانعة، بالانكفاء التكتيكي وتفادي الصدام العسكري، وكان رد الفعل على اغتيال البنتاغون قائد فيلق القدس قاسم سليماني، مؤشراً الى ان ايران لا تريد المواجهة العسكرية، وهذا ما رسخ لدى المراقبين ان الرهان الايراني هو على نتائج الانتخابات الاميركية، وفوز الحزب الديموقراطي، اعتقاداً منها ان اي رئيس غير الرئيس دونالد ترامب، هو أفضل لإيران، وقد تنجز تسوية معه امتداداً للاتفاق النووي، ولكن ذلك في ما لو تحقق فهو لن يجعل لبنان في منأى عنها وبالتالي لا يمكن في مسار التسوية هذه توقع مسار غير مسار إنهاء الدويلة داخل الدولة في لبنان، وربما مسارات اخرى، بحسب المشهد الذي يمكن ان يكون عليه لبنان، في ظل تداعيات الأزمة الحالية، وما ستؤول اليه اوضاع البلاد والعباد.

لم يخرج أمين عام "حزب الله" ليقول للبنانيين ولأنصاره ما هي وعوده للمرحلة المقبلة، وكيف يمكن للبنان الخروج من المأزق الذي وضعه فيه، هو وحلفاؤه، ما هي مقترحاته لصمود لبنان، وما هي البدائل عن وقف الفساد وتغيير الحكومة، وكيف يمكن تعويض ما يتم تهريبه من عملة صعبة وطحين ومازوت وبنزين وأدوية الى سوريا؟ لم يقل للبنانيين شيئاً عن احتمالات الحرب، ماذا لو بادرت اسرائيل اليها، ما هي خطط الصمود؟

كيف سيتعامل "حزب الله" مع تزايد الفقر والعوز، وردود فعل المواطنين حيالهما؟ هل سيستمر في الاعتداد انه لا يزال محازبوه يتلقون رواتبهم بالدولار؟ وهل سيدير ظهره الى الأزمات بالقول انها ليست من مسؤولياته؟ وهل سيكون القمع والتضييق على الناشطين، والتلويح بسيف العمالة هو الجواب على الأزمة؟

تضيق الخيارات، لكن ما هو متاح اليوم من حلول، لن يكون متاحاً في الغد، وما يمكن عدم التنازل عنه اليوم، لن يستطيع اللبنانيون المحافظة عليه غداً، سياسة الحدّ من الخسائر، هي الأساس في ما يمكن البناء عليه، فالانهيار المالي والاقتصادي في دول محور الممانعة وعلى رأسها ايران، يترجم ميزان القوى في المنطقة، والهزيمة وقعت منذ ان دمرت سوريا وتضعضع العراق، وتم عزل لبنان ببراعة الممانعة، وبالتالي ازاء هذه الوقائع لا يمكن توقع نتائج عكسية لوقائع استراتيجية دامغة.

العودة الى لبنان هي الحل كما كان الخروج على الدولة منذ عقود هو المشكلة، وترف الانتظار غير موجود، ما يمكن - وليس مؤكداً - ان يحول دون انهيار لبنان وتفتته، تشكيل حكومة مستقلين من رجالات تحظى بثقة الدول التي يمكن ان تساعد لبنان، وباحترام وثقة من الرأي العام، وإعادة الاعتبار للسلطة القضائية المستقلة، وبناء الثقة مع المحيط العربي، ووقف كل مشاريع الهدر والفساد، او ان يخرج الأمين العام للحزب ليجيب على الاسئلة التي يطرحها اللبنانيون ويقدم حلولاً تشعرهم انهم فعلاً محكومون من قبل سلطة موثوقة وتستحق ان تحكُم وتُطاع.


MISS 3