ريتا ابراهيم فريد

أدهم الدمشقي عن مسرحية "صاج": الفنّ يحوّل الضحية إلى منتصر

18 كانون الثاني 2024

02 : 00

يختزن في داخله مناعة كبيرة ضدّ الإحباط، ويقيناً ثابتاً في أنّ الفنّ يقود الإنسان نحو الشفاء. مواهب فنية متعددة حفرت عميقاً في كيانه، فترجمها في أعمالٍ إبداعية شملت الرسم والكتابة والشعر والتمثيل ونشاطات ثقافية يستمرّ في تقديمها بلا تعب أو كلل. «نداء الوطن» تواصلت مع أدهم الدمشقي الذي يعود اليوم بمسرحية «صاج»، وهي من كتابته وإخراجه، ويقدّمها بمشاركة والدته السيدة شكرية عزام، في محترفه ومنزله في الأشرفية- الجعيتاوي.



مسرحية «صاج» هي جلسة مع الوالدة في إطار سرديات تصالحية مبنية على الذكريات، وسبق أن ذكرت في عدد من قصائدك أنك واجهت طفولة صعبة. عن أيّ نوع من الشفاء يبحث أدهم الدمشقي؟

في هذه الجلسة أبوح لوالدتي بسرديات من طفولتي، وهي بدورها تفعل الشيء نفسه. فنحن نشترك بطفولة قاسية عشناها. الفكرة أتت بشكلٍ عفويّ أثناء جلسة شرب متّة جمعتني بها، فاكتشفتُ أنني أمام إنسانة عشتُ معها لسنوات، لكنّها كانت غريبة عني في أمور كثيرة. في هذه الجلسة تعرّفنا الى بعضنا في العمق. وتحوّلت العلاقة بيننا من رابط غرائزي بين أم وابنها، الى صداقة حقيقية بحيث لم أعد أشعر بقلق مشاركتها بأيّ من حميميّاتي، وهي كذلك لم تعد تخجل من التحدّث أمامي عن خصوصياتها. وهذا بحدّ ذاته يعكس نوعاً من التشافي. فمعظم اضطراباتنا تعود الى سوء العلاقة بيننا وبين أهلنا.

سبق أن شاركت الوالدة معك في تصوير فيلم «دهب»، إلا أنها بعيدة نوعاً ما عن الأجواء الفنية. كيف أقنعتها بأن تشاركك في هذا العمل؟

هذا العمل الفنّي لا يحتاج الى ممثّلين بالصورة النمطية التي اعتدنا عليها. فما أبحث عنه في مسرحية «صاج» هو بكلّ بساطة أمي، وبالتالي هي تؤدّي دورها من دون تمثيل. والتحدّي هُنا كان في قبولها أن تكون نفسها أمام الجمهور، وذلك يوازي التصالح مع النفس. وأظنّ أنّ ذلك من أصعب التحديات على الفنان. وحين طلبتُ منها أن تكون أمي في المسرحية كما هي أمي في الواقع، وافقت نظراً لعمق المحبة التي تجمعنا. وذلك ساعدها في التعرّف على نفسها بطريقة مختلفة، وشكّل رحلة تشافٍ بالنسبة لها. هي المرأة الفقيرة التي مرض زوجها ثم توفي، واضطرت للعمل في تنظيف المنازل كي لا تحرم أطفالها من التعليم، وكان الناس ينظرون اليها نظرة شفقة. هي اليوم تنال تصفيقاً وفخراً. وقصّتها الحزينة نفسها هي التي حوّلتها الى بطلة في المسرحية. وشعور الشفقة تحوّل الى فخرٍ وتقدير، وهذا ما يمنحنا إياه الفنّ.

إذاً، يمكن للفنّ أن يحوّلنا من ضحايا الى منتصرين؟

صحيح. أحياناً تضعنا الحياة في موقع الضحية، لكنّ البقاء فيه هو قرار يعود لنا. يمكننا أن نتمسّك به ونكرّس لأنفسنا صورة الشخص المغلوب على أمره، ويمكننا أيضاً أن نتحوّل الى منتصرين، ويكون ذلك بالتغلّب على تجاربنا الصعبة وتحويلها من نقمة الى نعمة، وتحويل السواد فيها الى ضوء. الحياة ليست سهلة أبداً. والقرار يعود لنا بين أن نخضع لها أو أن نستخرج من الصدمة طاقة إيجابية ونمنحها للناس.

المسرحية تُعرض في منزلك. وأشرت في الدعوة الى أنها «يمكن مسرحية أو زيارة عزيزة علينا». ماذا يميّز العمل الفني حين يقدّمه الفنان داخل مكان سكنه؟

خشبة المسرح هي مكان نقصده كي يكون نقطة وصل بين الفنان وبين الجمهور، وكأنّه مكان حيادي يشكّل مساحة مشتركة بين الطرفين. بينما منزل الفنان، هو المكان الذي يقصده الجمهور حين يأتون إليه. هو المكان الذي يعيش فيه الفنان يومياته وتفاصيله، ثم يفتح بابه ويدخل الناس إليه. وقد اخترتُ من خلال عرض المسرحية في منزلي تقليص المسافة بيني وبين الناس. وهذا النوع من الأعمال يحتاج الى إزالة أيّ عازل يفصلنا مهما كان شفّافاً.

كيف يمكننا أن ننتصر على مآسينا وصدماتنا وجراحنا حين نضعها أمام الجميع ضمن دائرة فنية معينة؟

الفنّ هو الخير والجمال المطلق الذي يرفض القبح، وهو قادر على تحويل القبيح الى جميل. فحين تتحوّل قصصنا المؤلمة الى عمل فنيّ، تحوّل معها البشاعة الى جمال، وكأنّنا نعيد خلق ذاكرة جديدة للحدث. وهُنا تتمّ عملية التطهير والتشافي. فالقصة التي كنا نخجل منها، هي نفسها باتت مصدر فخرٍ لنا، وسبباً لإبداعنا ومصالحتنا مع الحياة. وهذه هي إحدى أكبر الرسائل التي يمنحنا إياها الفنّ، الذي يقودنا نحو الفرح المطلق.






النصّ يعكس أجواء تسامح وتصالح بين أم وابنها. أيّ رسالة تحاول توجيهها في إطار تسليط الضوء على العلاقة بين الأهل والأبناء؟

بشكلٍ عام، حين نقدّم للناس عملاً يعكس تصالحاً فردياً، فنحن ندعوهم الى تصالحٍ جماعيّ، لأنّهم سيتماهون مع القصة حين يستمعون إليها. وسيفكّرون بينهم وبين أنفسهم أنّ هذا الشخص قد تصالح مع قصّته، فما الذي يمنعنا نحن أيضاً من القيام بذلك، حتى في ظلّ غياب التشابه بين القصّتين. تماماً حين نستمع الى أغنية ونشعر بأنّها كُتبت لنا. هو نوع من التماهي مع هذا العمل الفني، الذي يقود في النهاية صوب المتلقّي.

MISS 3