ريتا ابراهيم فريد

"عنبر" للثقافة والفنون انطلق بنسخته الثانية

أدهم الدمشقي: الفنّ يحوّل المعاناة إلى تجارب عنبرية تحرّرية

21 تموز 2022

02 : 01

مهرجان عنبر يمتد حتى 5 آب
محاطٌ دائماً بالفنّ، ممتلىء بالثقافة، مسكون بالإبداع. بين لوحاته التشكيلية، بين كتاباته وقصائده، وبين أعماله المسرحية، لا يستكين الفنان أدهم الدمشقي ولا يهدأ. نشاطاته الفنية المتعدّدة باتت أشبه ببطاقة تعريفية لصموده أمام الإحباط الذي يتربّص بمعظم الشباب اللبناني. أعماله كثيرة. لا يفصل بينها سوى اختلاف في شكل الإبداع، وشغف يسابق فيه الزمن، ويتفوّق كلّ مرة على نفسه. في محترفه في الأشرفية، أطلق الفنان أدهم الدمشقي مهرجان "عنبر" للثقافة والفنون في دورته الثانية، وهو عبارة عن سلسلة أمسيات ثقافية وفنية يجمع فيها الشعر والموسيقى والأفلام والمسرح والكتب. "نداء الوطن" تواصلت مع الدمشقي في حوارٍ ثقافيّ ممتع، تحدّث فيه عن معرضه الجديد الذي يجسّد إصراره على المقاومة الثقافية.

بعد معرض "عنبر 1" ومعرض "عبيط" الذي كان إستكمالاً له. ماذا عن "عنبر 2" وما هي رسالته؟

ارتبط هذا المهرجان بمعرضي الفردي الأوّل الذي حمل عنوان عنبر، حيث قدّمتُ مجموعة لوحات تناولت مقاربة لاضطراب ما بعد صدمة انفجار الرّابع من آب. والعنبر هو حجر بحريّ لا رائحة له ولا طعم، إلا إذا أُحرق أو طُحن. من هُنا كان الشبه بينه وبين بيروت. فبيروت بالنسبة لي هي حجر بحريّ، عندما احترقت فاحَ عنبرها في وجداننا وضميرنا. وكذا الصّدمات العالقة في تاريخنا الذّاتي والاجتماعيّ، يمكنها أن تتحوّلَ إلى عثرة في طريقنا، وعقبة أمام تقدّمنا. أمّا الثقافة بأنواعها، وتحديداً الفنّ، فيمكنها تحويل الصدمات والمعاناة إلى تجارب عنبريّة تَحرّريّة.

من هنا ترافقَت مع المعرض الأوّل مجموعة من الأمسيات والأنشطة، فتحوّل إلى مهرجان صاخب وسط الصّمت الثقافي والحضاري في العاصمة. ثم تبعهُ معرضي الفرديّ الثاني "عبيط" الذي حمل حسّ اللامبالاة في مقاربة ثانية لاضطراب ما بعد الصدمة. أما اليوم، فإن إصرارنا على استكمال رسالة عنبر، دعاني إلى تنظيم مهرجان عنبر للثقافة والفنون في دورتِهِ الثانية.




مشاهد من الأمسيات في مهرجان عنبر



موسيقى ومسرح وأفلام وكتب... على أي أساس تمّ اختيار نشاطات المهرجان؟

لقد حاولتُ تنويع الأنشطة، لتُحاكي كل الأرواح الفنّية العطشى في مدينةٍ تكادُ تنطفئ فيها الحياة الثقافية. يؤسفني أن تضجُّ المقاهي بصخب الموسيقى الهابطة وثرثرة النرجيلة، وتعجُّ صالات السينما والمسرح والغاليريات بأفلام البوشار والاستسهالات الفنّية التي لا ترقى لأن تكون مسرحاً أو فنّاً. أما عذرُها، فهو أنّها تحتاج إلى المداخيل لتستمرّ، وأنَّ الفن الحقيقي بعيد عن التمويل والجمهور "يلي عايز كده". لذا قرّرت تحويل بيتي إلى مساحة ثقافية، ونقطة التقاء للذين يبحثون عن الفنّ والإنسان في بيروت. عسى أن تتحوّل بيوتنا من دون استثناء إلى مساحات حاضنة للثقافة والفكر.

المهرجان يقام في محترفك، وهو في الوقت نفسه منزلك حيث تعيش، والذي حوّلته بالتالي الى مركز ثقافي. كيف تصف علاقة الفنان مع الأمكنة؟

الفنّان هو البدوي الرّاحلُ في غربة لا تستقرّ، بيتهُ ذاتهُ وظلّه خيمة. حيث يحلّ الفنان، تحلُّ معه روح الفنّ والسلام والفكر. لقد شهدت بيروت أسراب طيورٍ كثيرة، هبطت في أرضها، وولّدت تيّارات ومدارس فنيّة وفكريّة، لكن تمَّ تهجيرها تباعاً. وهذا التهجير كان مُمنهجاً لضرب صورة بيروت الحضاريّة والثقافيّة.

هناك إصرار دائم لديك على الاستمرار فـي إقامـــــة النشاطــــــــات الفنيــــــة والثقافية رغم الظروف الصعبة. من أين تستمدّ كل هذه الطاقة؟

أستمدّها من إيماني بذاتي وبالفنّ. يقول فيكتور هوغو: تغنّي العصافير، ولا تخاف من أن تنكسر الأغصان تحتها، لأنّ لها أجنحة. بيروت خسرت دورها الرّيادي في الفن تدريجيّاً، بدايةً من الحرب الأهليّة، وصولاً إلى هذه الأزمة الاقتصادية الأخلاقيّة. من هنا نشهد اليوم هجرة مؤلمة للفنانين والشباب. وهذا يُشير إلى أنّهم سيُبدعون بعيداً عن وطنهم الأم، لتغرق بيروت في وحدتها مع وحول السياسيين الفاسدين وأزلامهم. لكنّنا نأمل بأنّ شرارة النهضة والحياة يُمكن أن تأتي على يد من تبقّى في هذه المدينة. وما نفعله اليوم هو إضاءة شمعة حتى لا نلعن الظلام.




مشاهد من مهرجان عنبر



نلاحظ نَفَســـــاً ثورياً في معظـــــــم أعمالك. برأيك كيف يمكن للفنّ أن يكون جسر عبور نحو التحرّر؟

الفنّ هو التّحرّر الذي يبدأ بالتّصالح الذّاتي الذي يقودنا إلى التصالح الاجتماعي. استخدمتُ لغة الفنون كي أعبّر عن صدمتي وأحوّلها الى نتاج فني ثقافي، تجسّد في المعارض التي أقمتها، خصوصاً معرض "عبيط" الذي عرضت فيه لوحات تشكيلية عبّرت عن حالة اللامبالاة التي تصيب الفنان خلال تخطّيه الصدمة.

الفنّ هو أعلى مراتب الحرية. هو الحياة بالمطلق. فإذا مات الفن تموت الحياة وتتحول الى ضباب. فان غوغ عبّر عن اضطراباته في أعماله الفنية، فكان الفنّ علاجاً له.

معظم الفنانين يتأثّرون بأعمال غيرهم في البداية. من خلال تجربتك، كيف يمكن للفنان أن يخلق هوية فنية خاصة به؟

على الفنان أن يبحث داخل ذاته كي يصل الى هويته الفنية الحقيقية. فالبحث في أعماق الذات سيؤدّي به الى العثور على خصوصيّته، وهذه الخصوصية بحدّ ذاتها تشكّل فرادةً له. كل فنان يتمتّع ببصمة خاصة به. وعليه أن يخلق اتصالاً خاصّاً بينه وبين نفسه ليجدها. لا شكّ في أنّ ذلك يستغرق وقتاً، لكنّه سيصل الى نفسه إذا سار في الطريق الصحيح.


MISS 3