ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي، قداس الاحد، على مذبح كنيسة الباحة الخارجية للصرح البطريركي في بكركي "كابيلا القيامة"، عاونه فيه لفيف من المطارنة والكهنة، في حضور قائد الجيش العماد جوزاف عون مع العائلة، مدير العناية الطبية في وزارة الصحة الدكتور جوزيف الحلو، قنصل جمهورية موريتانيا ايلي نصار، اسرة الحركة الرسولية المريمية، وحشد من الفاعليات والمؤمنين.
بعد الانجيل المقدس، القى الراعي عظة، بعنوان: "من تراه الوكيل الأمين الحكيم" (لو 12: 43)، قال فيها: "نبدأ في هذا الأحد أسابيع التذكارات الثلاثة، قبل الدخول في زمن الصوم الكبير. فنذكر اليوم الكهنة المتوفّين، وفي الأحد الثاني الأبرار والصدّيقين، وفي الثالث الموتى المؤمنين. الإنجيل الذي تختاره الكنيسة لهذا الأحد ينطبق على الكهنة لأنّهم موكّلون من المسيح الكاهن الأسمى الذي إختارهم ودعاهم وسلّمهم رسالة مثلّثة: تعليم كلمة الله لإحياء الإيمان، تقديس النفوس بنقل النعمة الإلهيّة بواسطة أسرار الكنيسة، رعاية المؤمنين بالمحبّة والحقيقة وشدّ أواصر وحدتهم. هذه الثلاثة يسمّيها الإنجيل طعاماً لبني بيت السيّد الموكّل. لكن هذا الإنجيل ينطبق أيضاً على كلّ صاحب مسؤوليّة في العائلة والمجتمع والدولة. فلا أحد يمتلك مسؤوليّة من ذاته، بل مسؤوليّته مُسندة إليه من الجماعة: السلطة في الدولة معطاة من الشعب، وكذلك السلطة في المجتمع، أمّا السلطة في العائلة فمن سرّ الزواج والأبوّة والأمومة. يتوجّب على هذا المسؤول-الوكيل "أن يكون أميناً وحكيماً" (لو 12: 42). الأمانة هي: للموكِّل والجماعة والواجب. الحكمة هي أولى مواهب الروح القدس السبع، وتعني القيام بالمسؤوليّة تحت نظر الله ولمرضاته".
أضاف: "يسعدنا أن نحتفل معاً بهذه الليتورجيا الإلهيّة، وأن أرحّب بكم جميعاً. فأوجّه تحيّةً خاصّة إلى أعزّائنا أعضاء الحركة الرسوليّة المريميّة الذين أتوا كالعادة لتقديم التهاني والتمنيات بالسنة الجديدة 2024. إنّي أبادلهم التهاني وأشكر عزيزنا الأب مالك بو طانوس المرشد العام للحركة، على كلمته اللطيفة التعريفيّة في بداية هذا القدّاس الإلهيّ. أحيّي سيادة أخينا المطران غي بولس نجيم المشرف ورئيس المجلس العام عزيزنا إيلي كميد والأعضاء، والمرشدين الإقليميّين والمحليّين والمجالس وسائر أعضاء الفرق. الحركة الرسوليّة المريميّة حركة كنسيّة، تنبثق من الكنيسة وتلتزم بتوجيهاتها وتشارك في رسالتها، وتندمج في مسيرتها الخلاصيّة،من أجل تقديس الذات، والشهادة والتجديد المسيحيّ للنظام الزمني. تُسمّى حركة لأنّها تعكس الديناميّة والحياة، ورسوليّة لأنّ غايتها الأولى والأخيرة الرسالة المسيحيّة في الكنيسة، وتُسمّى مريميّة لأنّ مثالها بعد المسيح مريم العذراء في الحضور والجهوزيّة والتواضع والتجرّد وخدمة كلّ إنسان وكلّ الإنسان. ترتبط الحركة مباشرةً بمجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان، وتعمل بحسب توصياته في الرعايا الستين التي تتواجد فيها. في هذه السنة يعقد المجلس العام مؤتمره العام الرابع بعنوان: "قداسة، شهادة، رسالة"، ويشارك فيه جميع مسؤولي الحركة. فإنّا نشكر الله على هذه الحركة الشبابيّة، ونتمنّى لها دوام التقدّم الروحيّ والنموّ. يبدأ في هذا الأحد وحتى الأحد المقبل "أسبوع الصلاة من أجل وحدة المسيحيّين"، وموضوعه: "أحبب الربّ إلهك ... وأحبب قريبك كنفسك" (لو 10: 28). فلنشارك الكنيسة في هذه الصلاة، ولنلتزم بعيش وصيّة المحبّة التي بدونها لا مجال لأيّ وحدة في الكنيسة والعائلة والدولة. ويبدأ اليوم أيضًا "أسبوع الكتاب المقدّس" بموضوع "السلام في الكتاب المقدس". إنّ السلام عطيّة من الله، أتّخذت في التاريخ البشريّ إسمًا هو يسوع المسيح. ولذا "المسيح سلامنا" (أفسس 2: 14). نحن مؤتمنون على عيش السلام مع الله والذات والناس، وعلى نشره وبنائه. إن ربّنا يسوع يربط بنوّتنا لله بمقدار ما نكون فاعلي السلام: "طوبى لصانعي السلام، فإنّهم أبناء الله يدعون" (متى 5: 9)".
تابع: "في شركة القدّيسين التي تدخلنا في علاقة مع موتانا، نوجّه تحيّة خاصّة إلى عائلة المرحومة هدى إبراهيم مخلوطه، أرملة المرحوم خليل يوسف عون، والدة حضرة العماد قائد الجيش الجنرال جوزف عون، فنحيّيه مع عقيلته وشقيقه وشقيقتيه وعائلاتهم وأنسبائهم. وقد ودّعناها معهم ومع الجماهير العسكريّة واللبنانيّة والرسميّة المتتالية منذ أسبوع حتى يومنا. نصلّي لراحة نفسها وعزاء أسرتها. ونوجّه تحيّة خاصّة إلى عائلة المرحومة منى مجيد الخوري، أرملة المرحوم ريمون روفايل رئيس المجلس المارونيّ العام سابقًا. فنحيي أسرتها وأنسباءها ولا سيما ابنتها السيّدة Paula زوجة السيّد كمال أغسطين قنصل مملكة كمبوديا. ونصلّي لراحة نفس المرحومة منى وعزاء أسرتها. فيما نذكر بالصلاة اليوم وطيلة الأسبوع الكهنة المتوفّين، نصلّي أيضًا من أجل الكهنة الأحياء. فلا بدّ من معرفة هويّة الكاهن من خلال إنجيل اليوم. إنّه وكيل أقامه المسيح الكاهن الأزليّ ليعطي الناس الذين افتداهم بدمه وأصبحوا "أهل بيته، ليعطيهم الطعام في حينه" (لو 12: 42). هذا الطعام مثلّث وهو طعام الكلمة والنعمة والمحبّة. هو طعام كلمة الله بالكرازة والتعليم والوعظ والإرشاد، من أجل إحياء الإيمان وتغذيته ونموّه. الكاهن هو أوّلًا وأساسًا رجل كلمة الله الذي يبشّر بها ولا يتعب، شرط أن يكون شاهدًا لها بمثل حياته قبل أن يكون مبشّرًا. وطعام النعمة الإلهيّة التي يوزّعها من خلال أسرار الكنيسة: المعموديّة والميرون والقربان والتوبة ومسحة المرضى والزواج، لتقديس المؤمنين. بهذه الخدمة يسميّه بولس الرسول "وكيل أسرار الله لتقديس المؤمنين" (1 كور 4: 1). إنّه مؤتمن على خيور الله الخلاصيّة اللامرئيّة واللامحدودة، لا تلك الماديّة والإقتصاديّة والإجتماعيّة التي تُطلب من غيره. في هذه الخدمة يُنتظر من الكاهن أن يكون رجل صلاة ومثال لعمل النعمة الإلهيّة فيه. وطعام المحبّة برعاية المؤمنين على مثال المسيح "الراعي الصالح" (يو 10: 1-6)، وقد صوّرته نعمة الرسامة الكهنوتيّة في جوهره الداخليّ على مثال المسيح الراعي، لكي يكون الكاهن المحبّ لجميع الناس، المؤتمن على محبّة المسيح لهم، محبّةٍ تمرّ عبر قلبه وشخصه. وهذا يشكّل شرف الكاهن الأسمى. يوجب عليه طعام المحبّة أن يعرف أبناء رعيّته، ويعتني بالمريض والفقير والحزين واليتيم والمعوّق، ويوجّه الشبيبة، ويصالح المتخاصمين ولا سيما بين الأزواج وسائر أفراد العائلة. وعليه أن ينظّم خدمة المحبّة في رعيّته، ويتّسم بروح الأبوّة. يجدر بكلّ مسؤول في الدولة أن يدرك أنّه وكيل أقامه الشعب والدستور لخدمة الخير العام الذي منه خير كلّ مواطن وجميع المواطنين. فإن لم يدرك أنّه وكيل، وإن لم يعتنِ بتأمين الخير العام في قطاع مسؤوليّته، يكون خائنًا لمسؤوليّته والمواطنين الموكلين إلى عنايته. إنّ لبنان بأمسّ الحاجة اليوم إلى مثل هؤلاء المسؤولين الكبار بقلبهم ومحبّتهم وتفانيهم وتجرّدهم وكبر نفسهم وروح الخدمة المتجرّدة من كلّ أنانيّة ومكسب شخصيّ أو فئويّ. إنّ قصر بعبدا الرئاسيّ بحاجة إلى مثل هذا الرئيس-المسؤول. ونشكر الله أنّ في الطائفة المارونيّة شخصيّات معروفة بوضوح من هذه النوعيّة من المسؤولين. فنناشد دولة رئيس المجلس النيابي أن يدعو منذ الغد نوّاب الأمّة إلى عقد جلسات متتالية وانتخاب مثل هذا الرئيس، بموجب القاعدة الديمقراطيّة، من دون أن ينتظروا من الخارج أيّة إشارة لإسم أو أي شيء آخر من حطام الدنيا. فانتخاب الرئيس هو الواجب الأوّل الملقى على ضميرهم الوطني وعلى نيابتهم بحكم الدستور. أمّا الإستمرار في الإحجام عن هذا الواجب فهو خيانة واضحة لثقة الشعب الذي وضعها فيهم يوم انتخبهم. فنرجو أن لا تتم فيهم المقولة الثابتة: "من اشتراك باعك". ونقول كفى إقفالًا لقصر بعبدا الرئاسيّ! وكفى إقصاءً للطائفة المارونيّة، وهي العنصر الأساس في تكوين لبنان! أجل، أيّها السادة نوّاب الأمّة، قوموا بهذا الواجب الموكول إليكم من الشعب والدستور، وانتخبوا رئيسًا للدولة لكي تقوم من حالة نزاعها وتفكّك مؤسّساتها، وعلى رأسها مجلسكم النيابي الفاقد صلاحيّة التشريع، والحكومة فاقدة الصلاحيّات الإجرائيّة. كفّوا عن هرطقة "تشريع الضرورة"، و"تعيينات الضرورة"، واذهبوا إلى الضرورة الواحدة والوحيدة وهي انتخاب رئيس للدولة فتستعيد كلُّ مؤسساتكم وممارساتكم شرعيّتها. فلبنان دولة عمرها مئة سنة ونيّف، اكتسب خلالها كرامةً واسمًا مشرفَا بين دول العالم. فكونوا على مستوى هذه الكرامة وأعيدوها إلى لبنان الكبير بقيمه، وإلى شعبه الكبير بكرامته".
واردف: "بانتخاب رئيس الجمهوريّة ينتهي الخلاف والمقاطعة في مجلس النواب من جهة لكونه بموجب الدستور هيئة ناخبة لا إشتراعيّة منذ فراغ سدّة الرئاسة (سنة وثلاثة أشهر)، وفي مجلس الوزراء من جهة ثانية، لكون المادّة 62 من الدستور "تنيط صلاحيّات رئيس الجمهوريّة وكالةً بمجلس الوزراء". فتقتضي "الوكالة" معطوفة إلى القانون 871 من قانون الموجبات والعقود أن يوقّع جميع الوزراء لا رئيس الوزراء وحده في هذه الحالة، فالموضوع يختلف عن إجراءات مجلس الوزراء العاديّة. وهكذا يزول الخلاف والمقاطعة الحاصلان بسبب الممارسة وتباين التفسير. وبانتخاب رئيس الجمهوريّة.تُضمن وحدة الوطن كما تنصّ المادّة 49 من الدستور، فتقف التهديدات الترهيبيّة لإسكات كلّ صوت معارض من أجل أهداف مستقبليّة تختصّ بمآرب فئويّة على حساب الشراكة الوطنيّة والمساواة والعدالة والحريّة. فهذا سبيل مشين وغير مقبول حفاظًا على الوحدة الداخليّة بين مكوّنات هذا الوطن. بالأمس كان العالم يصلّي فيما رُفعت موزاييك القدّيس شربل قرب ضريح القدّيس البابا بولس السادس في بازيليك القدّيس بطرس بروما في احتفال مهيب. إنّنا نرفع صلاتنا إلى الله بشفاعة القديس شربل ابن لبنان وقديس لبنان، لكي تتجلّى قدرته الإلهيّة ويخلّص لبنان من أزمة الفراغ الرئاسيّ والأزمات الناتجة، وكي يوقف الحرب في جنوبي لبنان وغزّة. ونرفع آيات المجد والشكر للثالوث القدّوس الآب والإبن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين".
بعد القداس، استقبل الراعي المؤمنين المشاركين في الذبيحة الإلهية، كما استقبل العماد عون وعائلته في زيارة شكر لمواساته لهم بفقدان والدته هدى مخلوطه عون.