رفيق خوري

أي لبنان يبقى بعد حرب غزة؟

24 كانون الثاني 2024

02 : 00

حرب غزة تبدو طويلة، برغم الضغوط على إسرائيل لوقف النار او أقله لتحديد الهدف السياسي من الحرب. والتهديد بحرب واسعة على لبنان يتصاعد يومياً، وسط تأكيد كل من «حزب الله» والعدو بأنه لا يرغب في الوصول اليها، وإن كان يعلن أنه مستعد لها. ولا أحد يعرف إن كانت حرب غزة ستنتهي قبل او بعد عام 2025 الذي حدده بنيامين نتنياهو لضمان البقاء في رئاسة الحكومة، ولا بالطبع إن كان سيبقى في منصبه.

لكن إصرار «حزب الله»، لا فقط على «ميني حرب» مضبوطة لمساندة «حماس» بل أيضاً على ربط كل شيء في لبنان المأزوم بنهاية حرب غزة يأخذ الوطن الصغير بعيون مفتوحة الى فخ خطير داخل نفق مظلم لا ضوء يلوح في نهايته. وإعطاء الرئيس نجيب ميقاتي بعداً «فلسفياً وإستراتيجياً» للدفاع عن موقفه الخاطئ في إلغاء الحد الأدنى من التمايز بين الموقف الرسمي وموقف «المقاومة الإسلامية» يزيد الأمور خطورة، وإن قيل إن الموقف الرسمي المعلن في أي إتجاه لا يقدم ولا يؤخر. ذلك ان الكل يعرف أن ما يقوم به «حزب الله» ضمن «محور المقاومة» بقيادة إيران، بصرف النظر عن مدى تخفيف الضغط الإسرائيلي على «حماس»، هو تحرك ضمن إستراتيجية إيرانية شرق أوسطية أوسع من لبنان. وليس بلا ثمن باهظ في بلد مفلس وغارق في الديون وعاجز حتى عن تأمين متطلباته «البلدية».

فما يدفع العدو الى توسيع الحرب هو أنه محشور بنزوح عشرات الآلاف من مستوطنيه في الجليل الأعلى بسبب التقاصف عبر الحدود مع لبنان، ومضطر لإعادتهم الى منازلهم بالديبلوماسية او بالقوة. أما نزوح عشرات الآلاف من قراهم في الجنوب وضياع أرزاقهم وتدمير منازلهم، فإنه موضوع مؤجل في الحسابات. لا «حزب الله» يبدو محشوراً، ولا حكومة تصريف الأعمال، ولا المجلس النيابي.

والسؤال ليس عن مستقبل قطاع غزة فهو في البداية والنهاية جزء من مستقبل فلسطين ودولة فلسطين التي لا بد منها مهما كابر اليمين المتطرف الإسرائيلي. إنه عن مستقبل لبنان، كما عن رهن حاضره من أجل مستقبل مختلف عن تاريخه وهويته و»الرسالة» التي هي دوره. وهو أيضاً عن «حزب الله» الذي لا يريد حالياً حرباً شاملة: فهل بات يفضل مواجهة حرب شاملة يلحق بها اكبر قدر من الأذى بإسرائيل التي تهدد لبنان بمصير غزة المدمرة على تسوية تعيد للوطن الصغير ما بقي دون تحرير حتى أرضه المحتلة، وتغلق الحدود الدولية، وتعيد الإعتبار الى القرار 1701، لأنه متخوف من أن ينتهي دوره ودور سلاحه في لبنان والإقليم؟

الأجوبة على الأرض، وبالتالي في «الميدان» الذي يقول السيد حسن نصرالله إن الكلمة له. والرهان هو على إعادة تشكيل لبنان والمنطقة بعد حرب غزة، بصرف النظر عن دقة الرهان على أمور معظمها ليس في اليد. حتى عندما تدق ساعة التفاوض على صورة المنطقة والنفوذ فيها، فإن من يشغل المقعد الى طاولة المفاوضات مع الكبار هو إيران، لا أحد من الفصائل المرتبطة بها والتي لعبت الأدوار في الحرب. لا «حزب الله» ولا الحوثيون، ولا «المقاومة الإسلامية» في العراق، ولا «حماس» على الأرجح.

على الجميع أن يتذكروا قول ماركس الذي لم يتعظ به بعض الماركسيين: «الأفراد، (عملياً الشعوب) يصنعون التاريخ ولكن ليس بالضرورة بالطريقة التي يختارونها».

MISS 3