جاد حداد

Above Suspicion... تجسيد شائب للقصة الحقيقية

24 كانون الثاني 2024

02 : 00

كان مقتل سوزان سميث مأسوياً بمعنى الكلمة. في فترة السبعينات، كانت سميث لا تزال مراهِقة، فأقامت علاقة مع تاجر مخدرات في ولاية «كنتاكي» الأميركية، وسرعان ما وجدت نفسها متورطة في عالم المخدرات في تلك المنطقة، علماً أن ذلك القطاع بدأ يتوسّع بطريقة ملحوظة حينها بسبب رواج الأدوية الطبية التي يسهل الإدمان عليها ومواد غير قانونية أخرى. في العام 1987، انتقل العميل الشاب مارك بوتنام من مكتب التحقيقات الفدرالي إلى تلك المنطقة لمحاولة تعقب سارق مصارف محلي، لكنه التقى بسميث في مرحلة معيّنة وحوّلها إلى مُخبِرة سمحت له بحل عدد من القضايا في المنطقة. أرادت سميث من جهتها أن تجني مدخولاً إضافياً وأن تشعر بأهميتها، فزاد حماسها لمساعدة بوتنام. سرعان ما تطورت العلاقة بينهما واتخذت طابعاً جنسياً. لكن حين حاول بوتنام إنهاء تلك العلاقة لأنه لم يعد يحتاج إليها في عمله، هددت سميث بفضحه، فأقدم عميل مكتب التحقيقات الفدرالي على قتل حبيبته المُخبِرة. اعتُقِل بوتنام في العام 1990 واعتُبِرت هذه القضية استثنائية لأن مسؤولاً في مكتب التحقيقات الفدرالي أُدين بارتكاب جريمة قتل للمرة الأولى على الإطلاق. تشمل هذه القصة الحقيقية تفاصيل غنية بما يكفي كي تشكّل محور فيلم Above Suspicion (فوق الشبهات). لكن يعجز المخرج فيليب نويس على ما يبدو عن سرد تلك الحكاية بطريقة جاذبة، فهو يقدم المعلومات وكأنها جزء من موسوعة «ويكيبيديا».


في خضم هذه المقاربة المملة في سرد الأحداث، تجسّد الممثلة إيميليا كلارك (من أعمالها Game of Thrones (صراع العروش)) دور «سوزان سميث»، ويشاركها البطولة جاك هاستن (من أعماله Boardwalk Empire (إمبراطورية بوردووك)) بدور «مارك بوتنام». لكن لا يبدو أيٌّ منهما مرتاحاً في الدور الذي يقدّمه. تبذل كلارك قصارى جهدها للحفاظ على أداء متماسك، لكن يتّضح في لحظات كثيرة أنها لم تكن الخيار المناسب لتجسيد هذه الشخصية. في الوقت نفسه، يعجز المخرج عن انتزاع الأداء المطلوب منها عند التطرق إلى الجوانب القاتمة من هذه القصة، لا سيما الإدمان، وسوء معاملة الشريك، والعنف الصادم في الفصل الأخير من القصة. يحمل المشروع كله طابعاً سطحياً وغير واقعي، بما يشبه الفيلم الذي قدّمه المخرج رون هاورد في السنة الماضية وأثار الجدل في أوساط كثيرة. مجدداً، يصعب أن نصدّق أن أي شخصية في هذا الفيلم كانت حقيقية يوماً.


قد لا تكون الشخصيات في هذا العمل كاريكاتورية بمعنى الكلمة، لكنها قريبة من هذا التصنيف لدرجة أن نشاهد ممثلين ماهرين مثل كلارك وهم يتخبطون بسبب السيناريو السطحي وخيارات الإخراج. ترتكز قصة سميث في الأصل على العنف والأحلام المحطّمة، فهي تستبدل رجلاً قذراً بآخر كانت تعتبره مختلفاً بالكامل عن خيارها السابق قبل أن تصطدم بالواقع وتكتشف أنه مريع بالقدر نفسه. لكن رغم هذه الجوانب المظلمة كلها، لا يبدو الفيلم وحشياً أو قاتماً بما يكفي، ولا توحي الأحداث عموماً بأن المخاطر المطروحة كبيرة بقدر ما كانت عليه على أرض الواقع. باختصار، لا يخدم هذا الفيلم قصة سميث الأصلية.

MISS 3