ألان سركيس

ميشال عيد حرب: ذخيرة المقاومين من إيليج إلى جرود تنورين

24 كانون الثاني 2024

15 : 25

ما أصعب وداع الرجال في هذه المرحلة الخطيرة التي تتطلّب رجالاً أبطالاً مقاومين. لكنّ الموت هو الحقيقة الوحيدة في هذا الكون.


اليوم تخسر تنورين والبترون والمقاومة اللبنانية أحد أهم أركانها، نعم، فالمقاوم ميشال عيد حرب يرحل عن هذه الدنيا في أصعب مرحلة من تاريخ لبنان.


ميشال عيد، أبو عمر، أو أبو الهمم أو أبو الريح كما كان يناديه رفاقه، رجل من رجال تنورين، لم يرث ثروة طائلة عن عائلته ولم يتعاطَ الشأن العام والدرب مسهّلة، لقد بنى نفسه بنفسه في أصعب الظروف.


ومن منّا لا يعرف أبو عمر، وهو الذي انتشرت صورته واجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي وهو يواجه النار في أرز تنورين في صيف 2022 على رجل واحدة، فأبو عمر يفعل المستحيل للحفاظ على الأرز.


لم يتعلّم أبو عمر فن المقاومة من المعاهد، بل إن الرجل وُلِد مقاوماً، مسيرته حافلة، فهو لم يكن قد بلغ الثماني عشرة سنة من العمر عندما هبّ للدفاع عن الشرعية وعن القصر الجمهوري الذي كان يقطنه الرئيس كميل شمعون في القنطاري خلال ثورة 1958. وفي بداية الحرب كان مع شباب بلدته على الخطوط الأمامية لمنع تحويل لبنان إلى وطن بديل للفلسطينيين، وخاض حروباً كثيرة أبرزها معركة تحرير شكا عام 1976، وقاتل في مناطق عدة من لبنان للحفاظ على الوجود.


لمَع نجمه عندما أسّست "الجبهة اللبنانية" جناحها العسكري، أي "القوات اللبنانية"، فاستلم قيادة "القوات" في تنورين ووقف بوجه التمدّد السوري مع رفاقه، وبقيت تنورين وجرد البترون خارج سيطرة السوريين ومع الشرقية والشرعية عكس بقية مناطق الشمال.

كانت تلك المرحلة مصيرية في حياته ونضاله، ولسخرية القدر أن المواطن "الآدمي" والشجاع والمندفع لا يلقى التقدير ويُظلم، فبعد انتهاء الحرب ومحاولة ضرب "القوات" والمسيحيين، تعرّض ميشال عيد للاضطهاد مثل رفاقه من الاحتلال السوري وسلطته اللبنانية، وساء وضعه من كل النواحي، فأصبح البعض يصوّب عليه ويقول: "ميشال عيد كان حاكم المنطقة والآمر الناهي، وانحل الحزب وما قدّر جمّع ولا ليرة، إنسان غيرو كان جمّع الملايين وصار معو ثروات".


هذه العبارة تدلّ على أنّ أبو عمر تصرّف بكِبر وناصرَ القضية ولم يكن هدفه جمع الأموال أو المتاجرة بالقضية، وهذا الكلام وسام شرف على صدره.


رحل ميشال عيد حرب وهو في قمة عطائه، فهو المقاوم أيام السلم أكثر من أيام الحرب، هو الذي اهتم مع رفاقه بدير سيدة إيليج وأسّس الرابطة لتكريم شهداء المقاومة اللبنانية، هو الحاضر في جرود تنورين في الصيف والشتاء على رغم تقدّمه في السنّ وتعرّضه للمرض الخبيث.





لم يستطع الانفجار الذي بتر رجله قرب أرز تنورين أو الإصابات التي تعرّض لها هدّ عزيمته، وظلّ جرد تنورين في قلبه، يتنقّل بين صخوره، ويهتم بكنائسه، من كنيسة سيدة حريصا إلى مار مطانيوس وبقية الكنائس والمزارات.






رحل أبو عمر تاركاً عائلة مسيحية صالحة لتكمل مسيرته، رحل وقلبه مع تنورين والبترون والرفاق والقضية، رحل أبو الهمم بمرض خبيث قاومه حتى آخر نفس، علّم الجميع المقاومة والأهم الإرادة الصلبة وحب الحياة في مواجهة ثقافة الموت، وزرع في كل بيت بالجرد شجرة المقاومة لتبقى بالقرب من غابة أرز تنورين، ولتبقى تنورين أرض الصمود والكرامة والوطنية.

MISS 3