طلال الخواجة

حلول وزني لأزمة الودائع تجمع بين السمّ والعسل

27 كانون الثاني 2024

02 : 00

كثر لا يتذكرون هذا الاسم، مع أنّ الخبير المالي والاقتصادي د. غازي وزني شغل المنصب الأهم في حكومة حسّان دياب، والتي أتى بها «حزب الله» و»التيّار الوطنيّ الحرّ» وقوى الممانعة عموماً في أعقاب استقالة حكومة سعد الحريري استجابة لضغط المنتفضين في 2019.

والمعروف أنّ انتفاضة الغضب التشريني اندلعت في أعقاب إقرار زيادة 6 سنتات على «الواتساب»، مفجّرة مسلسلاً من الأزمات النقدية والمصرفية والمالية والاقتصادية والإجتماعية والسياسية والسيادية التي كانت تعتمل في الجسم السياسي والاقتصادي والإداري اللبناني على مدار سنوات من حكم فئات سياسية، لم يُخطئ من أطلق عليه حكم الحلف الميليشيوي المافيوزي، إذ وصلت المحاصصة في العهد العوني ذروتها لحدود تنازل المافيا عن السيادة للميليشيا وداعميها في مقابل الغرف من مغانم السلطة ومفاسدها الكثيرة.

هكذا تحوّل التنوّع الطائفي والمناطقي والطبيعي في لبنان بروافده المتعددة، وعلى مراحل كثيرة من الزمن اللبناني الصعب، من غنى التنوّع الذي شكّل مصدر ازدهاره وتميّزه في محيطه، إلى الحالة القبائلية التي استدعت التدخلات الخارجية، وأصبحت مصدر تعاسته وتراجع دوره الحضاري لدرجة الخطر الوجودي.

حكومة تعثّر «الإنجازات»


من مآثر حكومة حسّان دياب، أنها أعلنت التعثّر عن الدفع من دون حوار مع الدائنين لاعادة الجدولة وذلك في 7/3/2020، وسرعان ما تلتها مأثرة أسوأ أداء ريعي، إذ انفلشت سياسة الدعم المالي الملتبس وأهدر الكثير من مليارات الدولارات المتبقية في مصرف لبنان من أموال المودعين، بعد أن هرّب أصحاب المصارف والنافذون مليارات أخرى إلى الخارج، خصوصاً خلال فترة إغلاق غير مسبوق للبنوك مع انفجار إنتفاضة الغضب ولغاية 30/10/2019.

وفي الواقع فإنّ مليارات الدعم ذهبت بمعظمها إلى الميسورين وشبّيحة المال ومصّاصي الدماء من التجّار الفجار، فضلاً عن جماعة المافيا والميليشيا وشركائهم في النظام السوري.

ورغم وصول البلد إلى الدرك الأسفل في العهد العوني «الحزب اللاهي»، فقد أعلن دياب أن حكومته أنجزت 97 بالمئة من بيانها الوزاري. ومن مآثر وزير المال في حكومة دياب، سحب مشروعه للكابيتال كونترول من مجلس الوزراء بناء على رغبة مرجعيته السياسية، ما أطلق العنان لمزيد من تهريب الأموال من قبل الأقوياء النافذين على حساب المودعين العاديين الذين خضعوا لتعاميم الفرعون سلامة الإستنسابية بغياب قانون استثنائي لتنظيم السحب.

لقد اختفى معظم رموز هذه الحكومة، وهم كانوا أصلاً بلا ملامح، ما عدا قلّة منهم، نفد بعضها بماء الوجه بالإستقالة بعد جريمة التفجير مباشرة وأحدهم قبل التفجير بيوم واحد.

إنصاف المودعين؟

لم يكن مقال وزني الذي نشر في افتتاحية جريدة النهار في 13/1/2024 المقال الوحيد الذي نُشر له منذ ذهاب الحكومة. إلاّ أنّ هذا المقال تضمن مشروعاً للحلّ جاء تحت عنوان: «2024 عام انصاف المودعين والإصلاح المصرفي»؟

المقال يتناول تقريراً لهارفرد ثم يبدأ بالتباكي على المودعين والهيركات الكبير الذي تعرّضوا له، مقترحاً وقف الهيركات باعتماد السعر الفعلي 89500 للدولار وإقرار قانون كابيتال كونترول، ثم يتابع في نقاط جذّابة، معظمها مكرّر كاستيفاء ضريبة ممن سدّد قرضه على دولار متدنٍ وشطب الفوائد العالية وتحميل الحكومة جزءاً من الخسارة عبر مبلغ يتحوّل لسندات خزينة فضلاً عن هيكلة المصارف وتشجيع تحويل بعض الودائع الكبيرة لأسهم، بمقابل تسديد ودائع 50.000$ على خمس سنوات. ومع أنّ وزني تكلّم عن ودائع مشروعة وودائع غير مشروعة، إلا أنّ هذا الإقتراح الذي دونه كلّ صعوبات الأرض، بوجود سلطة غير مشروعة ويحميها فائض القوة، يسبقه إقتراح بطعم السمّ ويستهدف فئات معيّنة، بدأ باستهدافها الفرعون سلامة ومن وراءه من سياسيين ومصرفيين واقتصاديين، عنيت بها الودائع التي حوّلت للدولار بعد 31/10/2019.

وهو ما أطلق عليها البعض ظلماً الودائع غير المؤهلة. وكنّا قد شهدنا حديثاً بعض التغيير في النظرة لهذه الفئة المظلومة من القيادة النقدية الجديدة، بدأت بإصدار التعميم 682 المعدّل لـ158 والذي يطال جيران هذه الفئة ممن نقلوا ودائعهم الدولارية بعد 31/10/2019 إلى مصرف آخر وحرمهم الفرعون من الاستفادة من 158. علماً أنّ المصارف ما زالت تمتنع عن تطبيق التعديل بعد شهرين من صدوره. ونطالب د. منصوري بالتدخل الفوري، علماً أنّه توجّه لإعطاء الفئة الأكثر ظلامة «خرجية» 150 دولاراً شهريّاً قابله فجور المصارف التي تتذرّع بفقدان السيولة بينما الحقيقة أنّها تمسح بـ150دولاراً حوالى 1000 دولار من حساب المودع، ما يستدعي رفع عصا موسى لوقف عبث فراعنة المصارف وتنكيلهم بالمودعين وليس التردّد والخضوع.

ملاحظات

لذا أضع الملاحظات التالية:

أولاً: يقول وزني إنّ هذ الفئة حوّلت من الليرة للدولار بسعر مضاعف لـ1500، موحياً بالأضعاف المفتوحة، والواقع أن معدّل التحويل هو 2000 لأنّه توقف بعد التعثر اي في بداية آذار حين تخطى الدولار عتبة 3000، علماً أنّ أكثريتها حصلت قبل 2020 أي على دولار لا يتعدى 2000.

ثانياً: جمدت هذه التحويلات بين 6 أشهر وثلاث سنوات ومعظمها من دون فائدة. والآن هي محجوزة وتدفع بهيركات كارثي باعتراف وزني. وهذه الفئة معظمها غير ميسور، وقد مسحت منها مليارات الدولارات ولم يتبقَ سوى 16 مليار يقترح وزني تقسيطها بـ50% من سعر الدولار الفعلي بعد سنوات الجلد والهيركات والتضخم.

ثالثاً: إنّ الليرة كانت متاحة في المراحل الأولى وبسقف عال وصل الى 25 مليوناً، مما يعني أن البديل عن التحويل كان أضمن، خصوصاً بالنسبة لصغار المودعين. يقول وزني إنّ هذه الفئة راكمت أرباحا خيالية، علماً أنه يعرف أنّ من راكم الأرباح هم الأقلية المحمية والنافذة التي استغلت حاجة الفئة الضعيفة من المودعين المدخرين فاشترت شيكاتها بتراب العملة، ومنهم من سيّل هذه الشيكات نقداً أو تحويلاً للخارج بالتواطؤ مع أصحاب البنوك، والأرجح بمعرفة من رياض سلامة. والأحرى بوزني بأن يطالب برفع السريّة المصرفية لمعرفة تجّار الشيكات وحماتهم ومعاونيهم، وملاحقتهم وضم ودائعهم للودائع غير المشروعة، عوض خلط الحابل بالنابل.

رابعاً: إذا كان التحويل قد تمّ من دون ملاءة، فمن المسؤول؟ المصارف التي حوّلت والمصرف المركزي الذي وافق؟ أم المواطن العادي الذي مارس حرية التحويل ضمن القانون وجمدت وديعته ثم حجزت؟ وبالمناسبة نسأل: هل كانت هناك ملاءة قبل 31/10/2019، خصوصاً في 2019 و2018؟

وهنا نتساءل لماذا لم يوقف المركزي التحويل فوراً طالما أن الملاءة فقدت؟ ما يجعل السؤال التالي يمتلك مشروعية: هل استهدفت ودائع الليرة عمداً بالسماح بالتحويل للدولار بهدف حجزها مع الودائع الاخرى؟

خامساً: نتفهّم هواجس بعض المحلّلين الصادقين على القطاع المصرفي وعلى الاقتصاد، خصوصاً أنّ السلطة تتوحّش لتأمين إيرادات عبر ابتداع ضرائب ورسوم خيالية، ستفرغ جيوب ما تبقى من الطبقة الوسطى، عوض تنشيط الإدارة وملاحقة التهرّب الضريبي والجمركي، فضلاً عن التهريب والاقتصاد الأسود. ويقيننا بأنّ هذه السلطة لم ولن تقوم بإصلاحات جديّة، فهي متواطئة مع فائض القوة والإحتلال المقنع.

ومع ذلك فإنّه آن الآوان لوقف استضعاف هذه الشريحة المنهكة من المودعين ومن المواطنين عموماً ووقف تحميلهم أعباء الفشل والفساد والهيمنة والإنتقال للمواجهة المباشرة.

وهنا نجدّد السؤال: ماذا تنتظر المعارضات والنقابات وقوى المجتمع المدني عموماً كي تتحرّك؟ كانت تنتظر الرئاسة المحجوزة! والآن هل تنتظر نهاية مذبحة غزّة وحرب المشاغلة التي أنزلت علينا معها؟ النضال لا يتجزأ والناس لا تأكل خطابات، وفي الإنتظار القلق والمملّ، الكفاءات تهاجر والبلد يتآكل.

MISS 3