جورج بوعبدو

"حديد نحاس بطاريات"... يستحقّ الثناء

المخرج وسام شرف: فيلمي صرخة ضدّ العنصرية والطبقيّة

31 كانون الثاني 2024

02 : 05

«حديد نحاس بطاريات» فيلم جديد من تأليف وسام شرف وهالة دباجي ومارييت ديسيرت وإنتاج شارلوت فينسينت وبيير صّراف، يضاف الى مكتبة المخرج والصحافي اللبناني الفرنسي وسام شرف الحائز جوائز عالمية كثيرة على أفلامه الروائية التي تعتمد بغالبيتها على الإنسان، اذ غطّى شرف خلال عمله في التصوير والصحافة مع قناة «ARTE» مناطق النزاع في العالم على غرار لبنان، وأفغانستان، وهايتي، ومنطقة الشرق الأوسط. فيلمه الجديد وليد أحداث دامية ومعاناة انسانية أراد تسليط الضوء عليها لمواجهة الطبقية والعنصرية عبر قصّة حب بين جنسين مختلفين عرقياً ومذهبياً واجتماعياً. وضع شرف الأثيوبية مهديّة (كلارا كوتور) والسوري أحمد (زياد جلاّد) تحت المجهر مشرّحاً حياتهما القاسية في مجتمع ظالمٍ وبلا رحمة.

وفي حديث مشوّق معه يكشف شرف لـ «نداء الوطن» عن مغزى العمل وهدفه.

في الفيلم نقد لاذع للمجتمع اللبناني. كيف كانت ردة الفعل وهل شهد العمل إقبالا كثيفاً؟

لنكن صادقين. لم يكن الإقبال على الفيلم كبيراً. العامل الاقتصادي فَعَل فِعله. حال الفيلم حال الأفلام الأخرى، ولكن عزائي أنّ كل من شاهد الفيلم أحبه. يحتوي الفيلم مشاهد توثّق مشاكل فعلية يعانيها المجتمع وبالأخص ما يختبره العمال الأجانب من عنصرية وانتهاك للحريات. يميل الفيلم الى التوثيق أكثر. تركت الصورة تتكلّم معظم الوقت لإيصال الأفكار السامية وعدم التلهي بحواراتٍ قد تغيّر مجريات الاحداث. وبالتالي أظن ان الفيلم وضع الإصبع على الجرح، فأنا لم اهاجم المجتمع بشكل مباشر ولست بموقع الحكم. كلّ ما فعلته هو الإضاءة على الأمور. أما الكلمة الفصل فللمشاهدين والنقّاد والصحافيين.

كيف اخترت الشخصيّات؟

اعتمدنا في انتقاء الشخصيات على عدة عوامل لظروف جغرافية بحتة، فالفيلم لم يصوّر في «لبنان» بل في كورسيكا، كون التمويل من تلك الجهة، لذلك كان من الصعب إيجاد عاملة منزل تجيد اللغة العربية، عندها باشرنا بأعمال الـ»كاستينغ» في أوروبا حيث وقع الاختيار على فتاة من أصل أثيوبي في رعاية عائلة فرنسية. كانت ملائمة جداً للدور كونها تعاني حرمان الوالدين والهجرة. بدا الصدق في التعبير واضحاً على ملامحها في كلّ مشهد. ما كان ينقصها الا التكلّم بالعربيّة لذلك ساعدناها على تعلّم اللغة.

أما العثور على أحمد فكان أسهل بكثير. فقد وجدنا شاباً لبنانياً مصرياً مقيماً في فرنسا لديه المقوّمات المطلوبة وهكذا شكّل كلّ من أحمد ومهديّة ثنائياً رومنسياً جميلاً كسر حاجز العنصرية والطبقيّة.

وكيف اخترت رفعت طربيه لأداء دور شخص يعاني الزهايمر؟

في البداية كتبت السيناريو مع زوجتي هلا دبجي وشخص ثالث متأثرين بممثل أفلام «دراكولا» بيلا ليغوسي ذي الشعر الأسود الطويل، فهو يشبه الى حد كبير الفنان فريد الأطرش. كان هدفنا عرض مشاهد ليغوسي على شاشة التلفاز في غرفة الرجل الذي يعاني الزهايمر، ولكننا تفاجأنا بكلفة التراخيص الباهظة لقاء مشاهد من «دراكولا» الأصلي. لجأنا عندئذٍ الى الفيلم الألماني «نوسفيراتو»، فهو مجاني ويؤدي فيه رجل أصلع دوراً مشابهاً لـ»دراكولا»، وهكذا وقع الاختيار على «رفعت طربيه» لوجود شبه كبير بين الممثلَيْن. والحقيقة أنّ طربيه أذهلنا لبراعته في أداء الدور الصعب والذي يحتاج الى طاقةٍ كبيرة. ولولا جلسات المونتاج المطوّلة والاجتزاء من المقاطع لكان طغى طربيه على الممثلين الآخرين واكتسب الفيلم وجهاً آخر. ونجح طربيه في انتشال الفيلم من الأجواء الدراماتيكية الى مساحاتٍ فكاهية، فرأيناه معنّفاً مهدية التي كانت تهتم به عن غير قصد، وكيف كانت الأخيرة تبادله الحب وتساعده في التغلّب على مشاكله اليومية كونها بحاجة الى حنان الأب فتطبع قبلةً على رأسه قبل رحيلها من المنزل الى غير رجعة. وهذه المشاهد الإنسانية السامية هي برأيي أجمل ما في الفيلم.

ثمة مشاهد عنيفة للشاب السوري في الفيلم وأفعال مشينة للأثيوبية لماذا لم تخشَ اتهامك بتعميم صفة العنف على هذه الفئات؟

ضرب الشاب السوري الطبيب وسرق المال من خزنته لأنه أراد انقاذ نفسه وإيجاد مخرج من حياته البائسة. مع ذلك لم أؤكد قتل الطبيب بل تركت المسألة مفتوحة على كلّ الاحتمالات. يرتكب الناس السوء لأسباب مختلفة وما قصدت تعميم العنف على فئة معينة أبداً بل جاء الأمر كامتدادٍ طبيعيّ لسياق الأحداث.

وهل تقصّدت تسليط الضوء على العنصريّة المتفشية في كلّ فئات المجتمع الميسورة والمحرومة على السواء، كمعاملة والدة محمد لمهديّة بفوقية واستخدامها كخادمةٍ لديها بمخيّم اللاجئين مع أنها هي نفسها تعاني فقر الحال والأحوال؟

أردت تسليط الضوء على مأساة المهمّشين وإظهار الطبقية المتفشية في المجتمع كرفض عاملة الاستقبال الترحيب بمحمد ومهدية في الفندق رغم ربحهم ليلةً فيه، في مقابل قبول صاحب الفندق نفسه بذلك كونه أجنبيّاً.

ونرى كذلك كيف تستغلّ والدة محمد التي تعيش في أدنى مقومات الحياة بالمخيم مهدية لتحويلها الى خادمة لديها. وهنا يأتي دور أحمد في التصدّي لمحيطه مواجهاً كلّ اشكال العنصرية، في قصة حبه لمهدية الداكنة البشرة. فيلمي صرخة ضدّ العنصرية والطبقية في الحب.

في نهاية الفيلم تتحوّل ذراع محمّد الى ذراع نحاسية بالكامل ماذا أردت القول هنا؟

كان يمكنني ببساطة تصوير الفيلم بشكلٍ عاديّ ومن دون اللجوء الى فكرة اليد النحاسية، فيبدو كفيلم وثائقي يخبر مأساة معيّنة. ولكن استخدامي لليد النحاسيّة أعطى للقصّة بعداً انسانياً يحكي معاناة أحمد وتحمّله ألم الشظايا جراء تعرّضه للقصف وتهجيره من بلده، فتتحوّل يده رويداً رويداً الى نحاسية كدليلٍ على أن آلة القتل مستمرّة في حصد الضحايا. تؤدّي الشظايا الحقيقية الى قتل المصاب في نهاية المطاف محوّلة إياه الى تراب، بينما أردت بفكرتي تحويل النحاس الى مصدر حياة وأمل.

وكيف ترى توقيت الفيلم مع كلّ الأحداث الطاغية اليوم؟

لم يكن مقصوداً نشر الفيلم مع حرب غزّة ولكن المشكلة بدأت مع الموزعين منذ العام الماضي، فتوزيع الفيلم في لبنان أمرٌ محفوف بالمخاطر، ودور السينما اليوم شبه خالية بسبب كلفة البطاقات الخيالية لمعظم الجمهور، ما أدى الى تراجع عدد روّاد السينما ولجوئهم الى المنصّات.

وما رأيك أنت بالمنصّات. هل تراها تؤثر على السينما وعلى الفيلم تحديداً؟

لا أظن انّ التأثير كبير لأن للسينما روّادها، وهذا الأمر لا يتعارض مع إرادتي فانا أريد نشر الفيلم على أوسع نطاق، إن عبر السينما أو المنصّات أو أية وسيلة تتيح فرصة المشاهدة لشرائح أوسع من المجتمع.


كلمة أخيرة من منبرنا.

الفيلم هو مرآة للمعاناة ولمشاكل اجتماعية قد يغفل البعض عنها ولكنها للأسف واقعية. كل ما شاهدتموه يعبّر عن الحقيقة المرّة التي يعيشها العمّال الأجانب واللاجئون.









MISS 3