ستيفاني غصيبه

في ذكرى لقمان الثالثة... تعهد بالاصرار على الحرية

3 شباط 2024

22 : 06

"العدل للبنان، العدل للقمان"، عنوان لقاء نظّمته مؤسّسة "لقمان سليم" ومركز "أمم للتوثيق والأبحاث" و"دار الجديد" في ذكرى الثالثة للناشط السياسي والباحث في "مركز مينا للصور" قرب مرفأ بيروت، بحضور شخصيّات سياسيّة وصحافيّة واجتماعيّة من لبنان والعالم.


هذا اللقاء الذي افتُتح بالموسيقى واختُتم بها، يشبه لقمان كثيراً على حدّ قول النائب مارك ضو، إذ إنّه حَبَكَ الثقافة والأدب بالفكر السياسي والمجتمع، تماماً كما اعتاد لقمان أن يفعل.


وفي الاحتفال الذي شاءه المنظّمون هذا العام قرب مرفأ بيروت خلافاً للأعوام السابقة حيث كان يقام في حديقة سليم العائليّة في حارة حريك، ركّزت الكلمات بشكلٍ أساسيّ على أهمّيّة إنهاء ظاهرة الإفلات من العقاب، أكان في قضيّة لقمان أو في قضايا أخرى ما زالت عالقة في الأدراج كتفجير الرابع من آب ومقتل المصوّر جو بجّاني وغيرها.


فتسلّحت مديرة "أمم للتوثيق والأبحاث" وزوجة الراحل مونيكا بورغمان في كلمتها بشعار "صفر خوف"، لتؤكّد أنّ الاستسلام بمثابة إعطاء القتلة بطاقة إقامة دائمة. وتحدّثت عن رمزيّة المرفأ كمكان للاحتفال، مشدّدةً على أنّ أحداً لم يُستدعَ للتحقيق بسبب غياب الإرادة السياسيّة بالوصول إلى الحقيقة.



من مراسم الذكرى الثالثة لاغتيال لقمان سليم (تصوير فضل عيتاني)

(تصوير ستيفاني غصيبه)


أمّا شقيقة لقمان رشا الأمير، فأشارت إلى أنّها تحلم مع أخيها بعدل الأفعال لا الأقوال والأمنيات، بعدلٍ بشريّ لا إلهيّ، لافتةً إلى أنّ ما يكابده هذا البلد الصغير لا يقلّ ضراوةً عمّا يعيشه الغزّويّون. وقالت إنّ: "لبنان يُحتضر، وهو والشرق اليوم في ظلام دامس، وفي الظلمة- كما كان كتب لقمان- تتفتّح الأحلام". واستشهدت بعبارة شقيقها: "القاتل يقتل، والنهّاب ينهب، والساكت عن الحقّ ساكتٌ عن الحقّ". وأضافت: "القاتل يا لقمان قتلك وهو يستبسل ويمعن في تقتيل الفكرة التي قام عليها لبنان"، فيما فنّد محاميا العائلة موسى خوري وديالة شحادة مسار القضيّة، مؤكّدين أنّه "في ملف لقمان معروفةٌ أدقّ التفاصيل، إلّا هويّة القتلة". وأوضحا أنّ المرء يُغتال مرّتين في لبنان: مرّة بالرصاص ومرّة في قصور العدل المهمل.



رشا الأمير (تصوير فضل عيتاني)



صديق الراحل الأستاذ الجامعي مكرم رباح دعا إلى عدم الخوف في قول الحقيقة عن السلاح الذي استعمل في الداخل وقتل شهداء 2005 من سمير قصير وغيره، متمسّكاً بأنّ "عبارة "صفر خوف" ليست كلاماً، بل ثقافة حماية الماضي والحفاظ على أصوات الضحايا".


الشهيدة الحيّة مي شدياق شدّدت على أنّ "جريمة العصر هذه لم يقتنع لقمان سليم بأنّها مجرّد إهمال إداريّ ترك النيترات في الهنغار، فاتّهم حزب الله بتخزين متفجّرات في المرفأ للتعويض بعدما تفتّحت الأعين على براميل بشار". وأوضحت أنّ لقمان الذي سمّى الخفافيش، "اختاروه لأنّه رفض الخنوع والتسليم بالأمر الواقع، لأنّه صدى المواقف الأقوى من الصواريخ والسلاح والسيارات المفخّخة، وخوفاً من عدوى مواقفه وكتاباته...". وتابعت: "اغتالوا لقمان كما اغتالوا وحاولوا اغتيال سلسلة شهداء "ثورة الأرز" وصولاً إليه وحتّى الياس الحصروني".



من الحضور (تصوير فضل عيتاني)



مكرم رباح (تصوير ستيفاني غصيبه)


وسأل الوزير السابق والشهيد الحيّ مروان حماده: "ماذا يقول أوّل المستهدفين إلى آخر الشهداء؟: وهل عشرون عاماً تفصل بين هذا الحدث وذاك -عبر الاغتيالات، عبر الجرائم، وعبر المدفع- تفسّر أو تبرّر مسار الأمور التي سُلّم خلالها مصير لبنان إلى هيمنة مجموعة الأشرار كما وصفتهم المحكمة الدوليّة في حكمها الوحيد الصادر في قضيّة الرئيس الشهيد رفيق الحريري؟". وتوجّه إلى لقمان قائلاً: "لم تكن لتستشهد لو رفعنا الصوت ووحّدنا الموقف، بدل ربط النزاعات والقبول بالتسويات الهشّة. نحن يا لقمان نقطة في بحر من الدماء، نحن حجيرة في مساحة الدمار". وختم: "ولكن إذا كان من شهيد اليوم بين "الشهداء على طريق القدس"، فهو بالتأكيد لقمان سليم".


إلى كلمة النائب ميشال معوّض الذي رأى أنّ لقمان سقط شهيداً على طريق بناء الدولة الفعليّة في لبنان، لافتاً إلى أنّ المعركة هي معركة العدالة بوجه الإفلات، وهي معركة الحرّية في وجه الإخضاع والهيمنة، والاستقرار والازدهار في وجه الاغتيال والدمار".


فكلمة رئيس حزب "الكتلة الوطنيّة" ميشال حلو الذي كرّر سؤال: "هل فعلاً يريدون حمايتنا بفتح جبهة لبنان وبحروبهم العبثيّة وبتفكيرهم الظلاميّ، فيدّعون أنّهم مقاومة؟". وأكّد أنّ الدولة مهما كانت ضعيفة، تحصّل حقوقاً وعزّةً وكرامةً لللبنانيّين أكثر من أقوى ميليشيا".


النائب السابق فارس سعيد ركّز من جهته على أنّ "لبنان عاد أدراجه إلى ما هو أشدّ من انقسامات الحرب، وآل حضور الدولة إلى ما هو أدنى من حضورها حتّى أثناء الحرب، وآل يقين اللبنانيّين إلى أن باتوا يترحّمون على ما كان لديهم أثناء الحرب". وأردف أنّ "تغييب الدولة السيّدة ورعاية الوصاية للانقسامات قد أتاحا لبعض القوى المتحكّمة بالبيئات الطائفيّة أن تغيّب مجدّداً العدالة والحريّة وبصورة أبشع ممّا اختبرناه أثناء الحرب". وإذ انتقد حزب الله، لفت سعيد إلى أنّ لقمان كان ضحيّة الحريّة والعدالة.







(تصوير فضل عيتاني)


وفي كلمة النائب جورج عقيص انتقاد التخوين والشيطنة عند البعض. فقال: "إنّ قافلةً قبلك والياس الحصروني من بعدك عساه الأخير يُغتال قبل استفاقة القانون من غيبوبته". وأضاف: "في مسار العدالة محطتان وهدف: محطّة الحقيقة، ومحطّة العقاب، وهدف الوصول الى التعافي الجماعي من التروما. ونحن ممنوعون من بلوغ المحطّة الأولى، من معرفة الحقيقة، وليس فقط من العلاج، بل من إعلان المرض. مسموح لنا فقط أن نتوجّع وأن نصرخ من الألم فصراخنا لا يزعجهم بل ربّما أحياناً يطربهم".


أمّا النائب السابق مصطفى علّوش فألمح إلى أنّ "لقمان استُهدف لأنّ نفسه التّواقة الى الحقيقة تجرّأت بطرح التساؤلات المنطقيّة حول الدعاية الحزبيّة، موضحاً أنّ من وصفه بـ "الأخ الأكبر" لجأ إلى قتل لقمان بعدما فشل في محاولات التشهير والترهيب".


وفي وقت رأى النائب الياس حنكش أنّ المجرم الذي ترك مي شدياق بلا يد أو رجل، هو نفسه الذي ترك وليم نون وأهالي ضحايا المرفأ من دون أحبائهم، ونفسه الذي ترك ميشال معوض والبلد من دون رئيس جمهورية سياديّ، ونفسه الذي ترك روني شطح بلا أب، ومونيكا بلا زوج، ورشا بلا أخ، قال النائب مارك ضو :" قتلوا سمير قصير. حملنا النعش، تذكّرنا الأفكار، تذكّرنا المبادئ، وأكملنا... وبعد كم سنة قتلوا لقمان. حملنا النعش، وعزّينا، وحملنا الأفكار لسمير ولقمان، وأكملنا. في شباب بعدها عم تجرّب كتير، وقفوا معهم حتى ما تجوا على ذكراهم".


وتخلّلت الاحتفال كلمات لمحامي عدد من الضحايا أمام المحكمة الدوليّة الخاصة بلبنان محمد مطر، وأخرى عبر الفيديو لكريستوف رويتر، وزوجة المصوّر جو بجاني، ورئيس منتدى حريّة التعبير عن الرأي في النروج كريستن إينارسون. ومُنحت جائزة "غار لقمان" للإعلاميّة غنوة يتيم والروائي الفرنسي-اللبناني سبيل غصوب والصحافيين كريستوف بولتانسكي وكريستوف رويتر.



غنوة يتيم (تصوير فضل عيتاني)



(تصوير فضل عيتاني)



(تصوير فضل عيتاني)








 

 

MISS 3