خبراء الإقتصاد في مرمى الإنتقاد... وتوقّعاتهم خاطئة

02 : 00

يواجه خبراء الاقتصاد انتقادات بعدما أخطأت تقديراتهم المرتبطة بالتضخّم، وفشلوا في توقّع الاضطرابات التي شهدتها سلاسل الإمداد، في حين توقّعوا ركوداً لم يظهر.

وجد الخبراء صعوبة في التنبّؤ بتطوّرات الأوضاع الاقتصادية في ظل وباء (كوفيد-19) والحرب في أوكرانيا ومؤخراً، النزاع في الشرق الأوسط، وفق تقرير أوردته وكالة الصحافة الفرنسية.

زمرة قبلية

ضمّت رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاغارد صوتها إلى الأصوات المنتقدة لخبراء الاقتصاد خلال المنتدى الاقتصادي العالمي بدافوس في كانون الثاني الماضي.

وقالت «العديد من خبراء الاقتصاد هم في الواقع عبارة عن زمرة قبلية»، في إشارة إلى غياب الانفتاح على توجّهات علمية أخرى.

وأضافت لاغارد -التي شغلت في الماضي منصبي مديرة صندوق النقد الدولي ووزيرة المال الفرنسية- أن الخبراء «يقتبسون أقوال بعضهم بعضاً... لا يتجاوزون حدود عالمهم، لأنهم يشعرون بالارتياح فيه». يؤكد بعض خبراء الاقتصاد بالفعل أن على أقرانهم الخروج من دائرتهم المريحة المتمثّلة بجداول البيانات التقليدية والنماذج الجامدة.

ونقلت الوكالة عن كبير خبراء اقتصاد منطقة اليورو لدى مصرف «آي إن جي»، بيتر فاندن هوت قوله -بنبرة ساخرة- إن العالم «تغيّر بعض الشيء».

التضخّم

وبعد سنوات من التضخّم المنخفض، أدّت إعادة فتح اقتصادات العالم إلى ارتفاع الأسعار التي ازدادت أكثر بعد حرب أوكرانيا، لتثبت عدم صحّة تطمينات لاغارد ورئيس الاحتياطي الفدرالي الأميركي، جيروم باول إلى أن الزيادات ستكون «عابرة» فحسب.

واضطرّت المصارف المركزية لرفع معدلات الفائدة مرّات عدة لمكافحة التضخّم، وبينما تراجعت زيادات الأسعار في الأشهر الأخيرة، أبقى صانعو السياسات المعدلات مرتفعة بانتظار تحديد إن كان بإمكانهم خفضها لاحقاً هذا العام.

وأقرّت لاغارد بأن التوقّعات التي استندت إليها قرارات البنك المركزي الأوروبي لم تكن صحيحة على الدوام، ولم تأخذ نماذجها العوامل المرتبطة بالأزمات في الاعتبار.

وقال فاندن هوت إن «إمكانية الوثوق بالنماذج التي نستخدمها حالياً أقل، نظراً إلى وجود العديد من العوامل التي يصعب دمجها» فيها، مشيراً إلى اضطراب سلاسل الإمداد بعد الوباء ونقص العمالة والتوترات الجيوسياسية.

وأضاف أن خبراء الاقتصاد كانوا مخطئين بعودتهم إلى منظور الماضي.

وقال خبير الاقتصاد لدى أليانز تريد، ماكسيم دارميه، إن «مصدر الفشل ليس النماذج الاقتصادية، بل افتقار خبراء الاقتصاد إلى الخيال».

وأضاف «استقرّوا على أمجادهم الماضية بعد 30 عاماً من العولمة سار كل شيء خلالها على ما يرام».

ركود لم يحدث

وبينما لجأت المصارف المركزية لرفع معدلات الفائدة لمنع خروج الاقتصادات عن السيطرة، حذّر الخبراء من أن النموّ في البلدان المتقدمة سيسجّل تراجعاً حاداً أو انكماشاً في 2023.

لكن ما حصل أن اقتصاد الولايات المتحدة سجّل نموّاً العام الماضي، بينما بقي اقتصاد منطقة اليورو، باستثناء ألمانيا، ضمن منطقة النمو.

وفي وقت سابق هذا الأسبوع، رفع صندوق النقد الدولي توقّعاته للنمو العالمي لعام 2024 إلى3.1%، عازياً الأمر إلى الصمود غير المتوقع في اقتصادات رئيسية ناشئة ومتقدّمة، بما فيها الولايات المتحدة والصين.

ونقلت الوكالة عن أستاذ الاقتصاد في جامعة برنستون، ألان بلايندر، قوله «ثمة أحجية في تباطؤ التضخّم الواضح هذا».

وتوافرت كل المؤشرات الدالّة على ركود مقبل، لا سيّما معدلات الفائدة في الولايات المتحدة، بينما هيمن تشاؤم على المؤشّرات، علماً أنه في سبعينات القرن الماضي، كان الركود المخرج الوحيد من التضخّم المرتفع، لكن اتُّهم خبراء الاقتصاد مجدداً بضيق الأفق.

وأرجع فاندين هوت الأمر جزئياً إلى ضعف نوعية البيانات وتراجع معدّلات الردّ على الاستطلاعات.

كما أسهمت في الأمر ظواهر جديدة، فعلى سبيل المثال، ساعدت المدّخرات في زيادة الاستهلاك، بينما تعاملت الشركات «بشكل أفضل» مع معدلات الفائدة، ما كان عليه الحال في الماضي، حسبما نقلت الوكالة عن المدير العام لـ»ماركت سكيوريتيز موناكو»، كريستوف بارو.

وجوه جديدة

وأفادت الحائزة جائزة نوبل في الاقتصاد، إستر دوفلو في مقابلة مع وكالة الصحافة الفرنسية، مؤخراً، بأن خبراء الاقتصاد تراجعوا إلى «المرتبة الأخيرة» على قائمة المهن الأكثر جدارة بالثقة، ليتفوق عليهم حتى خبراء الأرصاد الجوية.

وأدّى ذلك إلى محاولات للتغيير. ففي تموز الماضي، عيّن بنك إنكلترا الرئيس السابق للاحتياطي الفدرالي الأميركي، بن بيرنانكي، ليقود مراجعة لسير عمليات التوقع التي يعتمد عليها المصرف بعدما واجه انتقادات لفشله في توقّع التضخّم المرتفع.

من جهته، قرّر بنك كندا استبدال نماذجه القديمة بمنهجيات استشرافية أكثر.

وقال فاندن هوت «الجميع يعلم أن النماذج الحالية لم تعد مقبولة لوضع توقّعات جيدة... نحتاج إلى التفكير بشكل مختلف، أو على الأقل إلى توسيع النماذج عبر إدماج عناصر أخرى».

MISS 3