ليز دوم

Corona Awareness

أعراض غريبة وأمراض مزمنة بعد التعافي من فيروس كورونا؟

9 تموز 2020

02 : 00

يعاني شخص واحد من كل عشرة مصابين بفيروس كورونا المستجد من أعراض التعب أو الأوجاع العضلية أو الاضطرابات العصبية طوال أسابيع رغم التعافي من العدوى. ما هي الأضرار التي يسببها الفيروس في الجسم على المدى الطويل؟

يشعر سمسار العقارات ألكسندر ريتش (26 عاماً) بأنه مريض حتى الآن مع أنه تعافى رسمياً من فيروس "كوفيد-19". بدأت معاناته حين شعر بحكّة في حلقه يوم الجمعة 13 آذار. نقل زميل له فيروس كورونا الجديد بعدما أمضى فترة في منتجع التزلج النمسوي "إيشغل". وبعد مدة قصيرة، جاءت نتيجة ريتش (اسم مستعار في هذه المقالة) إيجابية أيضاً، فاكتشف إصابته بالعدوى.

يقول ريتش: "في البداية، فكرتُ بأنني سأتجاوز المشكلة بسهولة". لم يشكك أطباؤه أيضاً بقدرته على هزم الفيروس لأنه شاب يتمتع بصحة جيدة، فأرسلوه إلى المنزل كي يتعافى هناك. لكن بعد مرور بضعة أيام، شعر بالسوء لدرجة أن يتصل بأحد أطباء الطوارئ ثم أمضى أسبوعاً في المستشفى.

رسمياً، تعافى ريتش منذ ثلاثة أشهر تقريباً. هو يملك الآن أجساماً مضادة للفيروس في دمه ومع ذلك يواجه نوبات مَرَضية حادة من وقتٍ لآخر. حتى الآن، يعجز أي من أطبائه عن تفسير السبب.

بالإضافة إلى ألم الحلق الذي يكون خفيفاً أو حاداً ويظهر بوتيرة متقطعة أو عشوائية، لا تزال آثار المرض واضحة في رئتيه. لم تبدأ الأعراض بالظهور إلا بعدما أخرجه الأطباء من المستشفى وعاد إلى منزله. وصف له طبيب مختص بالأمراض التنفسية جهاز الاستنشاق المخصص لمرضى الربو وطلب منه أن يتحلى بالصبر. يقول ريتش إن الكورتيزون يفيده قليلاً لكنّ أعراض السعال ومشاعر الضيق في الصدر تتجدد حين يتوقف عن أخذه.

هو يشعر أيضاً بألم عضلي مفاجئ. أحياناً، يصبح النصف الأيسر من جسمه خدراً، أو يشعر بالضعف في أوقات أخرى لدرجة أن يضطر للتمدد وأخذ استراحة فوراً. حتى أنه يصاب باضطرابات أخرى مثل وجع البطن والغثيان والطفح الجلدي والإرهاق الشديد.

أخذ ريتش إجازة مَرَضية طوال 10 أسابيع. في غضون ذلك، عاد للعمل كسمسار عقارات. لكنه يضطر لإلغاء المواعيد من وقتٍ لآخر حين يشعر بإرهاق قوي. هو يحاول في معظم الأوقات أن يحافظ على حياة طبيعية لأنه تقبّل الألم الذي يعيشه.

مرض غريب جداً

بعد ستة أشهر على ظهور وباء كورونا المستجد، يقابل الأطباء اليوم عدداً متزايداً من المتعافين رسمياً لكنهم ليسوا أصحاء بأي شكل بعد.

يراقب تيموثي سبيكتور من كلية "كينغز كوليدج لندن" مسار الفيروس لدى أكثر من 200 ألف مصاب بالعدوى منذ وقت طويل، بمساعدة تطبيق على هاتفه الخليوي، كجزءٍ من مشروع بحثي كبير، وهو يستنتج ما يلي: "فيروس "كوفيد-19" غير متوقع. تلقيتُ تدريبي في مجال أمراض الروماتيزم، لذا أنا معتاد على رصد أمراض غريبة. لكنّ "كوفيد - 19" هو أغرب فيروس تعاملتُ معه على الإطلاق".

تظهر أعراض غير مبررة لدى شخص واحد من كل عشرة مصابين لأكثر من شهر، حتى أنها تستمر لفترة تفوق الشهرين في حالات كثيرة. تتعدد تلك الأعراض المحتملة، أبرزها الإجهاد، والصداع، وفقدان حاسة الشم، وصعوبة التنفس، والدوار، والإسهال، والطفح الجلدي. يقول سبيكتور إن البعض في مشروعه البحثي لا يزال مصاباً بالحمى بعد مرور ثلاثة أشهر على التقاط العدوى.

تشكّل الأضرار الحادة في الرئتين والقلب والجهاز العصبي لدى البعض مصدر قلق آخر. قد تسبّب العدوى مشكلة عدم انتظام ضربات القلب أو حتى مرض السكري. يعاني البعض من صعوبة التركيز واضطراب الذاكرة الذي يتمثل بأمراض مثل الخرف. وحتى الشباب قد يواجهون هذه المشاكل. أصيب أكثر من ألف طفل حول العالم بمتلازمة التهاب الأجهزة المتعددة المرتبطة بفيروس كورونا الجديد، وقد تؤدي هذه الحالة أحياناً إلى التهاب عضل القلب وهبوط الدورة الدموية.

لا علاج محدد

يقول جرّاح القلب السويسري بول فوغت: "يشعر المرضى في حالات كثيرة بأنهم كانوا أشخاصاً مختلفين قبل إصابتهم بفيروس كورونا. يخشى الأطباء الآن أن يخلّف الوباء جيشاً من المصابين بأمراض مزمنة. بدأت المستشفيات في ألمانيا تُحضّر عيادات خارجية لمتابعة الاعتناء بالمصابين بعدوى "كوفيد - 19".

في السياق نفسه، تقول الطبيبة البريطانية هيلين ساليسبوري: "يظن الناس عموماً أن المريض يصبح أمام خيارَين: إما يموت أو يسترجع صحته مجدداً. لكنّ الوضع الحقيقي مختلف. طوال أسابيع، لم يتكلم الناس إلا عن وحدات العناية المشددة وأجهزة التنفس الاصطناعي. لكننا أصبحنا اليوم أمام عدد هائل من الأشخاص المعرّضين لأمراض طويلة الأمد".

تعالج ساليسبوري مصابين بفيروس كورونا الجديد، ويعاني عدد منهم حتى الآن من الإرهاق ونوبات الحمى أو السعال وضيق التنفس. توضح الطبيبة ملاحظاتها قائلة: "جميع فحوصاتهم طبيعية. لا أستطيع أن أعطيهم أي علاج. حتى أن المصابين بأمراض مزمنة يكونون شباناً ويشعرون باليأس من وضعهم. لكني لا أستطيع فعل شيء لهم بل أكتفي بالإصغاء إليهم".

لا يعرف الخبراء حتى الآن العامل الذي يفسر استمرار الأعراض الحادة، حتى بعد تعافي المرضى. يشتبه الأطباء بأن السبب يتعلق على الأرجح بوجود اختلالات في جهاز المناعة بسبب الالتهاب. أو ربما يستطيع الفيروس أن يتجدد مراراً بعد استقراره في مكان آخر من الجسم.

على صعيد آخر، يفترض البعض أن الأمراض الدائمة تشتق من قلة الأوكسجين خلال مرحلة حادة من المرض. بشكل عام، لا يلاحظ المصابون الشباب بفيروس "كوفيد - 19" إلى أي حد تضررت أجسامهم قبل مرور وقت طويل.

مثل الفيروسات الأخرى؟


يلاحظ الأطباء نقاط تشابه مع أمراض أخرى مرتبطة بفيروسات كورونا. بعد انتشار فيروس "سارس" في العام 2003، قابل الأطباء عدداً كبيراً من المصابين بأمراض مزمنة بعد انتهاء تلك الأزمة الصحية. هذا ما حصل مثلاً في تورونتو التي شهدت حينها أسوأ موجة وبائية خارج آسيا. يقول هارفي مولدوفسكي، باحث في مجال النوم والألم وأستاذ فخري في جامعة تورونتو: "سمعتُ عن الحالة المَرَضية المزمنة لدى المصابين بفيروس كورونا الجديد وكنتُ أتوقع حصول ذلك".

تخصّص مولدوفسكي بالأمراض غير المألوفة منذ بداية مسيرته المهنية. لذا طُلِب منه أن يتدخل ويقدم المساعدة بعد تلاشي فيروس "سارس" في العام 2003. يوضح مولدوفسكي: "نَجَت مجموعة مرضى مؤلفة من 50 شخصاً من "سارس". لكنهم عجزوا عن استئناف عملهم بدوام كامل مع أنهم خضعوا لإعادة التأهيل". أجرى مولدوفسكي مقابلات مفصّلة مع 22 فرداً منهم وبدت جميع القصص التي سمعها مألوفة: "بعد أكثر من سنة على التقاط العدوى، شعر هؤلاء الأفراد بالتعب والضعف والألم العضلي واضطرب نومهم وتفكيرهم".

هذه المشاكل كلها مألوفة بنظر الخبراء. يشتكي المصابون بمتلازمة التعب المزمن من أوجاع في العضلات والرأس والعنق أيضاً. ويصاب البعض بتشوس الدماغ، ما يعيق قدرته على التركيز.

يُقال إن عدداً من الفيروسات يُسبب متلازمة التعب المزمن، منها الإنفلونزا وفيروس إبشتاين بار (من المعروف أنه مسؤول عن نشوء داء كثرة الوحيدات المُعدي). يشتبه الباحثون راهناً بأن الأعراض الغريبة تشير فعلياً إلى ردة فعل مناعية ذاتية مشتقة من العدوى الفيروسية التي تؤثر على الجهاز العصبي اللاإرادي. تبرز أعراض أخرى، منها خفقان القلب، وزيادة خطر الإصابة بالالتهابات، واضطراب النوم.

مشاكل عصبية

كارمن شيبينبوغين هي رئيسة العيادة الخارجية لأمراض نقص المناعة لدى الراشدين في مستشفى "شاريتيه" الجامعي في برلين وتُعتبر من الخبراء الألمان القلائل في التعامل مع متلازمة التعب المزمن. يلجأ إليها عدد كبير من المصابين بفيروس "كوفيد - 19" راهناً لإيجاد حل لأعراضهم الغريبة.

لكنها لا تستطيع تقديم أي أجوبة حتى الآن. لا يمكن طرح أي تشخيص دقيق قبل مرور ستة أشهر على التقاط العدوى. توضح شيبينبوغين: "في تلك المرحلة، يرتفع احتمال أن يعود الوضع إلى نطاقه الطبيعي تلقائياً". وحدها الأعراض التي تدوم لأكثر من ستة أشهر تُعتبر مزمنة. وحتى في تلك الفترة، تَقِلّ الخيارات العلاجية المتاحة.

توصي شيبينبوغين المصابين بالاعتناء بأجسامهم: "يجب أن يتجنب المرضى إجهاد أنفسهم أو ممارسة النشاطات الرياضية التي تؤدي إلى تفاقم أعراضهم. هذه العوامل قد تزيد الوضع سوءاً".

بالإضافة إلى التعب المزمن، قد يواجه المرضى عدداً من المضاعفات العصبية الأخرى. يقول بينيديكت مايكل، عالِم عيادي وطبيب أعصاب في وحدة أبحاث الحماية الصحية وجامعة "ليفربول": "بدأت الأوساط البحثية في مجال علم الأعصاب تدرك هذا الواقع تدريجاً. يصاب بين 20 و30% من المرضى المحتاجين إلى دخول المستشفى لتلقي الرعاية الطبية ببعض المضاعفات العصبية".

في أواخر شهر حزيران الماضي، نشر مايكل وعدد من زملائه دراسة حول هذا الموضوع في مجلة "ذا لانسيت" للطب النفسي، وحللوا فيها وضع 125 مريضاً مصاباً بمشاكل عصبية بسبب فيروس "كوفيد - 19". أصيب حوالى 60% من المشاركين، معظمهم من كبار السن، بجلطة دماغية بعد التقاط العدوى. وحمل ثلثهم تقريباً مؤشرات على حصول تغيرات معرفية أو نفسية أخرى، وظهرت هذه الأعراض أيضاً لدى المرضى الأصغر سناً.

في المحصّلة، أصيب 8% من مجموع المرضى بالذهان المرتبط بفيروس كورونا وأقل من 5% بالخرف. يقول مايكل محذراً: "يعيش عدد كبير من صغار السن حياتهم وسط الوباء ولا يفكرون بأنهم معرّضون بدورهم للمشاكل الصحية".

في بعض الحالات على الأقل، يسهل أن نفسّر أسباب تضرر الدماغ. قد تحصل الجلطات الدماغية لأن فيروس "كوفيد - 19" يجعل الدم يتخثر في معظم الأوقات. من المعروف أيضاً أن فيروس كورونا الجديد يؤدي إلى التهاب الدماغ أحياناً.

لكن في حالات كثيرة أخرى، يبقى سبب المضاعفات مجهولاً. قد تتعلق المشكلة بردة فعل مناعية أو ربما تنجم عن الضغط النفسي أو قلة الأوكسجين أو هذه العوامل كلها مجتمعةً.

مــــعــــانــــاة شــــائــــعــــة

في حالات كثيرة، يبقى الأمل موجوداً في أن تتلاشى المشاكل العصبية والنفسية أو أي مضاعفات دائمة أخرى مثل الإرهاق، حتى أنها قد تختفي بالكامل في نهاية المطاف.

كانت حالة الطبيبة العامة ستيفاني دي جورجيو (44 عاماً) في مقاطعة "كانت" البريطانية واعدة. أصيبت هذه المرأة بفيروس كورونا من أحد مرضاها على الأرجح. هي أم لولدَين ولم تكن تحمل أي عوامل خطر، باستثناء حالة خفيفة من الربو وبعض الوزن الزائد. بعد 15 يوماً على التقاط العدوى، اختفت الحمى أخيراً. لكن بقيت أعراض أخرى على حالها وكان الدوار الأسوأ بينها.

تقول دي جورجيو: "كنت أشعر بأن الأرض تحتي تتحرك فجأةً. حتى أنني سقطتُ أرضاً في بعض المناسبات بسبب الدوار. كنت أصعد السلالم زحفاً تحسباً لأي طارئ وأستحم وأنا جالسة. شعرتُ أيضاً بتعب شديد. كان قلبي يخفق بسرعة عند القيام بأبسط نشاط وتجددت الحمى لديّ على دفعات. في البداية، ظننتُ أنني مجنونة ثم بدأتُ أقابل مرضى يواجهون المشاكل نفسها. وبعدما تكلمتُ عبر شبكة الإنترنت مع هؤلاء الأشخاص، أدركتُ أنني لستُ الوحيدة التي تعاني".

عادت دي جورجيو للعمل بمعدل يومين في الأسبوع كحد أقصى، ثم أصابها إرهاق تام. حتى أنها شعرت بأن دماغها لا يعمل بشكلٍ سليم: "لم أكن أستطيع التفكير بطريقة متّزنة. حين كنتُ أحضّر المخبوزات مثلاً، وضعتُ قشر البيض في الوعاء ورميتُ البيض. وبعد الاعتناء بالحديقة في أحد الأيام، اضطررتُ لملازمة الفراش ليومين. باختصار، كنت أمرض مجدداً حين أبالغ في نشاطاتي. لكن في الأيام القليلة الماضية، بعد أكثر من ثلاثة أشهر من المعاناة، أشعر بالتحسن أخيراً. أتفهم أن يخاف الناس من هذا الوضع، لذا من الضروري ألا يتعامل المريض مع مشكلته وحده خلال هذه الفترة الشائكة".


MISS 3