رامي الرّيس

مسارات الانقسام في المجتمع الأميركي تتعمّق تدريجيّاً!

17 شباط 2024

02 : 00

ترامب متحدّثاً للصحافيين خلال مغادرته قاعة المحكمة في نيويورك أمس الأوّل (أ ف ب)

مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسيّة الأميركيّة في شهر تشرين الثاني من العام الحالي، تحتدم المعركة وتُستنفد كلّ أدواتها في السياسة والإعلام ووسائل التواصل الإجتماعي وفي الحملات الانتخابيّة التي تجوب الولايات الأميركيّة لحشد الدعم والتأييد لهذا المرشح أو ذاك.

بُعيد انتخابه منذ أكثر من ثلاثة أعوام، أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن أنه سوف يسعى أثناء ولايته إلى إعادة توحيد المجتمع الأميركي والحد من الانقسامات العميقة التي تطاله في مختلف نواحيه، ولكن من الواضح أنه لم ينجح في تحقيق ذلك، خصوصاً مع العودة القوية للرئيس السابق دونالد ترامب الذي يبدو مصمّماً على الفوز مجدّداً بترشيح الحزب الجمهوري للرئاسة الأولى بهدف مقارعة بايدن مجدّداً و»الانتقام» منه.

ويختلف الباحثون في السياسة الأميركيّة الداخليّة ما إذا كان الانقسام في المجتمع الأميركي يُثير القلق حقاً أم أنه يندرج في إطار التنوع والتعدديّة، بحيث يتشكّل المجتمع من شرائح مختلفة بخلفيّات وأعراق مختلفة فضلاً عن ملايين المهاجرين، وليس من السهل بالتالي جمع كلّ التناقضات في رؤية موحدة على المستويَين السياسي والاجتماعي.

إلّا أن الأحداث التي شهدتها ولاية تكساس في جنوب البلاد و»عصيان» حاكم الولاية ورفضه الامتثال لأوامر الحكومة الفدراليّة في واشنطن على خلفيّة كيفيّة التعامل مع قضيّة المهاجرين غير الشرعيين الذين يتسللون بالآلاف يوميّاً من المكسيك، طرح أكثر من علامة استفهام حول مستقبل الوحدة الأميركيّة والحدود الدقيقة التي تفصل بين الصلاحيات الفدراليّة للحكومة المركزيّة وبين صلاحيات السلطات التنفيذيّة الممثلة بالحكام في الولايات.

وبلغ الأمر إلى حد التهديد بالانفصال عن الولايات المتحدة، وقد استند حاكم ولاية تكساس غريغ آبوت إلى ما تملكه ولايته من قدرات اقتصاديّة ونفطيّة وتجاريّة ومساحات شاسعة ما يجعلها من أقوى الولايات الأميركيّة. وقال آبوت في أحد تصاريحه للإعلام إن «الرئيس الأميركي جو بايدن ينتهك القانون الفدرالي لأنه يرفض تطبيق قوانين الهجرة الموجودة بالفعل»، مضيفاً أنه يمنح «الإفراج المشروط الجماعي» للمواطنين الأجانب الذين يدخلون الولايات المتحدة بشكل غير قانوني.

وينقسم الأميركيون حول العديد من القضايا الهامة الأخرى لعل في طليعتها: الاقتصاد ومشاريع البنى التحتيّة، العدالة بين الأعراق، السلاح الفردي المنتشر بكثافة بين السكان (تُقدّر أعداد قطع السلاح بالملايين بين أيدي المواطنين، وهو أحد الأسباب الرئيسيّة لانتشار الجريمة وارتفاع معدّلاتها بشكل خطر في بعض الولايات ولتكرار حوادث إطلاق النار في المدارس والجامعات وسواها)، التغيّر المناخي، بالإضافة إلى مسألة تطبيق القوانين.

إلّا أن اللافت أن الانقسام بين المواطنين يكاد لا يكون أيديولوجيّاً، حتى ولو كانوا ينضوون في أحد الحزبَين الرئيسيين أي الديموقراطي أو الجمهوري أو يؤيّدون سياسات أحدهما، في حين يرتدي الانقسام بين السياسيين هذا الطابع الأيديولوجي العميق حيال العديد من القضايا، سواءً أكان في الملفات الداخليّة أو بعض مسائل السياسة الخارجيّة.

الثابت أن الولايات المتحدة تعيش متغيّرات وتحولات كبرى، وبعضها غير مسبوقة لناحية التعامل السياسي معها، خصوصاً ما حصل في آخر ولاية الرئيس ترامب عندما تمّ اقتحام مبنى «الكابيتول» والعبث بمكاتبه وقاعاته والتعرّض لما يمثّله من «رمزيّة» للديموقراطيّة الأميركيّة في الوجدان الشعبي الأميركي، بالإضافة إلى رفض ترامب الانصياع لنتائج الانتخابات الرئاسيّة التي أعلنت فيها هزيمته كمثال عن طريقة التعاطي مع المؤسسات الدستوريّة وآليات عملها.

لا شك أن الديموقراطيّة الأميركيّة مأزومة في العمق، وثمّة كتابات عديدة لمفكرين أميركيين وغير أميركيين في هذا المجال، مِمن انتقدوا الأداء السياسي والمؤسساتي الأميركي ووصفوه بأنه أصبح «عفناً» ويحتاج إلى إصلاح عميق وتحديث شامل، خصوصاً إذا كانت واشنطن تريد الحفاظ على دورها المحوري في قيادة العالم، وهو ما تعترضه الكثير من العقبات على ضوء التحدي الروسي والصعود الصيني وقضايا ساخنة أخرى حول العالم تحتل صدارتها حرب غزة، وعدم القدرة على «ضبط» إسرائيل في الإبادة الجماعيّة أو إزاء الحرب في أوكرانيا التي يتلاشى الإهتمام بها تدريجياً.

إزاء كل ذلك، تبدو الانقسامات المحلّية الأميركيّة وكأنها تأتي في لحظة شديدة الحراجة، وقد تترك آثاراً تفوق التوقعات على أكثر من مستوى.

MISS 3