بسبب الشيخوخة وقلّة العمالة وضعف الين

اليابان تفقد مكانتها كثالث أكبر اقتصاد في العالم لمصلحة ألمانيا

02 : 00

تراجعت اليابان إلى المرتبة الرابعة بين كبرى اقتصادات العالم لعام 2023 بعد الولايات المتحدة والصين وألمانيا، مما يبرز كيف فقد اقتصاد الدولة الآسيوية تدريجياً قدرته التنافسية والإنتاجية مع تقلص عدد السكان بسبب تقدم المواطنين في السن وانخفاض عدد الأطفال، فضلاً عن تأثره بضعف الين.

وكانت اليابان- التي يبلغ عدد سكانها حاليًا أكثر من 125 مليون نسمة- توصف تاريخياً بأنها معجزة اقتصادية، إذ نهضت من رماد الحرب العالمية الثانية لتصبح ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة وحافظت على ذلك خلال السبعينيات والثمانينيات. وفي عام 2010، انخفض ترتيب اليابان من ثاني أكبر اقتصاد في العالم بعد الولايات المتحدة إلى المركز الثالث بسبب نمو الاقتصاد الصيني، وكان صندوق النقد الدولي يتوقع تراجعها للمركز الرابع.

وساهم ضعف الين في الأداء الاقتصادي للبلاد، لأنه يؤدي إلى تآكل عائدات الصادرات عند إعادتها إلى الوطن، وتراجعت العملة اليابانية بنسبة 6.6% مقابل نظيرتها الأميركية منذ بداية هذا العام، مما يجعلها واحدة من أسوأ العملات أداءً بين عملات مجموعة الدول العشر الصناعية، بعدما تراجعت 7% في العام الماضي.

مقارنات

خلال الربع السنوي الممتد من تشرين الاول أكتوبر إلى كانون الاول ديسمبر 2023، انكمش اقتصاد اليابان بوتيرة سنوية 0.4%، بعد انكماشه المعدل للربع الثالث بنسبة 3.3%، وفقاً لبيانات مكتب مجلس الوزراء عن الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي الذي يقيس قيمة منتجات وخدمات الدولة، ومن المعلوم أن الركود التقني يحدث عند تسجيل انكماش لربعين سنويين متتاليين.

ويرجع ذلك بشكل خاص لضعف الطلب المحلي، وكان الطلب الخارجي فقط- الذي تمثله صادرات السلع والخدمات- الذي ساهم بشكل إيجابي. إذ تراجع الاستهلاك الخاص- الذي يمثل نصف الاقتصاد- بنسبة 0.9% في الربع الرابع من العام الماضي مع معاناة المستهلكين من ارتفاع أسعار المواد الغذائية والوقود وغيرها من السلع.

وذكر «نيل نيومان» الخبير الاستراتيجي لدى «جابان ماكرو» أن اليابان تستورد 94% من احتياجاتها الأساسية من الطاقة و63% من غذائها، لذلك فإن ضعف الين يساهم بصورة كبيرة في ارتفاع تكاليف المعيشة.

وعن عام 2023، نما الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي 1.9% عن العام السابق. تعتمد المقارنة بين اقتصادات العالم على الناتج المحلي الإجمالي الاسمي- المقوم بالدولار الأميركي دون تعديله حسب التضخم- وهو لا يعكس بعض الظروف المحلية المختلفة.

بلغت قيمة إجمالي الناتج المحلي الإجمالي الاسمي لليابان 4.2 تريليونات دولار في 2023 أو 591 تريليون ين، في حين أعلنت ألمانيا في يناير وصول قيمة اقتصادها إلى 4.12 تريليونات يورو أو 4.4 تريليونات دولار تقريباً حسب متوسط سعر الصرف في العام الماضي.

سبب التراجع

إعتمدت كل من اليابان وألمانيا في بناء اقتصادهما على شركات صغيرة ومتوسطة الحجم القوية ذات الإنتاجية المرتفعة، لكن تشهد ألمانيا قوة اليورو بينما تواجه اليابان ضعف الين. ويواجه الاقتصادان الألماني والياباني مشكلات كبرى تتمثل في نقص العمالة وتراجع معدلات المواليد وشيخوخة السكان، ولكن اليابان هي الحالة الأكثر حدة.

ويرى «تيتسوجي أوكازاكي» أستاذ الاقتصاد بجامعة طوكيو- حسبما نقلت «سي إن إن»- أن البيانات الأخيرة تعكس حقائق ضعف اليابان وربما تسفر عن تراجع مكانة اليابان في العالم، فعلى سبيل المثال، قبل عدة سنوات كانت الدولة تتباهى بوجود قطاع سيارات قوي، ولكن مع ظهور السيارات الكهربائية حتى هذه الميزة اهتزت.

كما أشار «أوكازاكي» إلى أن الفجوة بين الدول المتقدمة والناشئة آخذة في الانكماش، ومن المؤكد أن الهند ستتفوق على اليابان من حيث الناتج المحلي الإجمالي الاسمي في غضون سنوات قليلة، وأضاف: عندما تتطلع إلى العقدين المقبلين، فإن التوقعات بالنسبة لليابان تبدو قاتمة. وتواجه اليابان مشكلة أيضاً في العمالة، وتعد الهجرة إحدى الخيارات المتاحة لحل ذلك النقص، ورغم ذلك فإن اليابان لم تتقبل نسبياً العمالة الأجنبية إلا كضيوف مؤقتين، وهناك خيار آخر وهو الروبوتات التي بدأت في الظهور تدريجياً ولكن ليس بما يكفي لسد النقص المزمن في العمالة.

آفاق انتعاش الإقتصاد

وذكر «تاكوجي آيدة» كبير الاقتصاديين لدى «كريدي أغريكول» لوكالة «رويترز»: هناك خطر من انكماش الاقتصاد مرة أخرى في الربع السنوي من كانون الثاني يناير إلى آذار مارس بسبب تباطؤ النمو العالمي وضعف الطلب المحلي وتأثير زلزال العام الجديد في غرب اليابان. وأضاف «آيدة»: قد يضطر بنك اليابان لخفض توقعاته الوردية للناتج المحلي الإجمالي بشكل حاد لعامي 2023 و2024. يشير بعض الاقتصاديين إلى احتمالية اعتدال الركود في الأشهر المقبلة، إذ ذكر «مين جو كانغ» الخبير الاقتصادي لدى «آي إن جي غروب»: على الرغم من البيانات المحبطة عن الربع الرابع، فإننا نتوقع ارتداد الناتج المحلي الإجمالي في الأشهر الثلاثة الأولى من هذا العام.

وتوقع «غولدمان ساكس» نمو اقتصاد اليابان بنسبة 1% في الربع الأول من عام 2024، متوقعين احتمالية ارتداد الإنفاق الرأسمالي 1.3%. وذكر محللون لدى «كابيتال إيكونومكس» أن الدراسات الاستقصائية للأعمال وسوق العمل ترسم صورة أكثر وردية لبيئة الأعمال مما توحي به البيانات الرسمية، كما أشاروا إلى احتمالية تعديل الحكومة لبيانات الربع الرابع بالرفع في الشهر المقبل خلال المراجعة الدورية.

تساؤلات عن السياسة النقدية

ربما تلقي البيانات الضعيفة بظلال من الشك على توقعات بنك اليابان بأن ارتفاع الأجور سيدفع الاستهلاك ويسمح للبنك المركزي بالتخلص التدريجي من التحفيز. وقد تزيد تلك البيانات من صعوبة توجه بنك اليابان لإجراء أول رفع للفائدة منذ عام 2007، وهي خطوة من المتوقع على نطاق واسع أن يتخذها البنك بحلول نيسان أبريل. يرى محللو «كابيتال إيكونومكس» أن بيانات الناتج المحلي الإجمالي من غير المحتمل أن تمنع بنك اليابان من إنهاء سياسة أسعار الفائدة السالبة في نيسان أبريل.

وذكر «تاكيشي مينامي» الخبير الاقتصادي لدى «نورينتشوكين ريسيرش»: هذه رياح معاكسة لبنك اليابان، أعتقد أنه كانت هناك توقعات بتوجه بنك اليابان لإنهاء سياسة أسعار الفائدة السالبة في آذار مارس أو نيسان أبريل، ولكن الرياح العكسية تهب الآن، حسبما نقلت «بلومبرغ». وفي الأسبوع الماضي، صرح «كازو أويدا» محافظ بنك اليابان أن الظروف المالية في البلاد ستظل تكيفية حتى بعد انتهاء سياسة سعر الفائدة السالب.

MISS 3