وليد شقير

تشدُّد "العدل الدولية" وكابوس عميان البصيرة

خلال اليومين الماضيين، أخطأ بعض المواقع الإخبارية التابعة لمحطات تلفزيونية، ومعها بعض المواقع العالمية في فهم قرار محكمة العدل الدولية في شأن التطوّرات في منطقة رفح في غزة، والتهيّؤ الإسرائيلي لاقتحامها. التبس على هذه المواقع معنى جواب المحكمة على الرسالة الجديدة لدولة جنوب أفريقيا صاحبة الدعوى الأساسية ضد إسرائيل، طالبة أن تتّخذ المحكمة إجراءات إضافية لحماية مدينة رفح ولوقف العملية العسكرية التي تنوي الدولة العبرية شنّها ضد المدينة. ردّت إسرائيل طالبة رفض طلب جنوب أفريقيا. لم تأخذ المحكمة بالطلب الإسرائيلي، بل ردّت على طلب جنوب أفريقيا فأعادت التأكيد على قرارها السابق في 26 كانون الثاني الماضي.

نصّ جواب المحكمة التي كانت بدأت جلساتها برئاسة رئيسها الجديد المنتخب سفير لبنان السابق في الأمم المتحدة القاضي الدكتور نواف سلام، على أنّ «التطوّرات الأخيرة في قطاع غزة، وفي رفح على وجه الخصوص، من شأنها أن تزيد بشكل كبير ما يعتبر بالفعل كابوساً إنسانياً ذا عواقب إقليمية لا تحصى». كما أعادت المحكمة في قرار جديد التأكيد على قرارها السابق، معتبرة أنّ «هذا الوضع الخطير يتطلّب التنفيذ الفوري والفعّال للتدابير الموقتة التي أشارت إليها المحكمة في 26 كانون الثاني الماضي»، وذكرت أنّ «تلك التدابير تنطبق على جميع أنحاء قطاع غزة، بما فيها رفح، وبذلك لا يتطلّب الأمر إصدار تدابير موقتة إضافية».

الإعلام الموالي لإسرائيل في الغرب تقصّد التركيز على الشقّ الثاني من جواب المحكمة، الذي يشير إلى أنّ الطلب الجديد لا يتطلّب تدابير إضافية، لأنّ هذه التدابير مذكورة في القرار السابق الصادر الشهر الماضي، الذي شمل أن تتّخذ الدولة العبرية تدابير لوقف أي أعمال ترقى إلى الإبادة الجماعية... وأشار إلى أنّ هذا ينطبق على رفح كونها جزءاً من كامل قطاع غزة. أي أنّ قرار المحكمة الجديد استند إلى القرار الأول كمرجعية.

وكانت هيئة المحكمة قبلت في 26 كانون الثاني النظر في دعوى جنوب أفريقيا التي ستأخذ بعض الوقت، طالبة من إسرائيل وقف هذه الانتهاكات فوراً، وتسهيل مرور المساعدات الإنسانية... وحماية الأدلّة التي ستحقق المحكمة بشأنها.

وقع بعض وسائل الإعلام في فخّ الإعلام الموالي لإسرائيل، الذي يهمّه تبرئة إسرائيل من التهمة الشائنة التي ستجري المحاكمة حولها، فيما تستمرّ طوال هذا الأسبوع في الاستماع إلى ممثلي 52 دولة بناء لطلب الجمعية العامة للأمم المتحدة حول أضرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، في ما يشبه المحاكمة السياسية الإعلامية الواسعة النطاق.

لكن من وقع في فخ الإعلام الموالي لإسرائيل أيضاً هو الجيش الإلكتروني التابع لبعض قوى الممانعة، إذ اغتنم جنوده هذه المناسبة من أجل تجديد الهجوم على رئيس المحكمة نواف سلام. الموالون لـ»حزب الله» ما زالوا ينفذون أمر العمليات الذي صدر ضد سلام حين طُرح اسمه لرئاسة الحكومة في السنوات الثلاث الماضية، والذي يرفضه «الحزب» بسبب استقلاليته. هكذا يشوه هؤلاء قراراً من محكمة العدل ضد إسرائيل، التي يصادرون صفة معاداتها، لأسباب تتعلّق بالصغائر اللبنانية التي تغذيها مقتضيات التشبّث بالهيمنة على السلطة في لبنان. كأن الأمر بات «كابوساً» لهؤلاء، بينما لا يبدو أن من اهتمامات سلام مسألة رئاسة الحكومة في زمن رئاسته «محكمة العالم» التي أمامها مهمّة التصدّي لأهم القضايا المحقة على الأصعدة الإنسانية والسياسية والقانونية والتاريخية.

جاء الترحيب الذي تلقّته المحكمة من رئاسة جمهورية جنوب أفريقيا بقرارها الأخير، ليصحّح الالتباس الذي وقعت فيه وسائل إعلام، والتشويه الذي غرق فيه من أعميت بصيرتهم في لبنان. فالناطق باسم الرئاسة الجنوب أفريقية أصدر بياناً بأن قرار المحكمة «يؤكد وجهة نظرنا بأن الوضع الخطير (في غزة) يتطلب التنفيذ العملي للتدابير المقررة في 26 كانون الثاني وبأنها تشمل رفح». وأشارت رئاسة الدولة الأفريقية إلى أن «المحكمة وافقت على أن خطة إسرائيل لاقتحام رفح ستقود الكارثة الإنسانية الحالية إلى وضع أكثر خطورة»، وأن «الامتثال (الإسرائيلي) للتدابير الواردة في أمر المحكمة الصادر الشهر الماضي يتطلب حماية المدنيين في غزة بما فيها رفح، وأن أي قرار من إسرائيل بنشاط عسكري ضد الفلسطينيين في الظروف الحالية هو انتهاك لأمر محكمة العدل الدولية».

أكثر من ذلك، لوّحت الرئاسة في بريتوريا، بالاستناد إلى قرار المحكمة الأخير من أجل اللجوء إلى مجلس الأمن ضد إسرائيل...