د. فادي كرم

مقايضة الدمار مع الأمن

26 شباط 2024

02 : 00

مع تأكيد الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصرالله على معادلته الشهيرة القائلة «طالما هناك وجود لدولة اسرائيل، طالما هناك حاجة لسلاحه غير الشرعي»، يُثبّت دور حزبه القاضي بإبقاء لبنان محجوزاً داخل السجن الكبير الذي أقامه النظام الثوري الايراني على عدد من الدول العربية وشعوبها، ويؤكد بذلك، على تحييد لبنان من السباق التنافسي الاقتصادي والمعماري والاستثماري والسياحي المُنتظر للمنطقة، بعد اسكات آلة الحرب الدائرة حالياً. وهذا يعني أنّه، من حيث يدري، يترك الساحة للشركات الاسرائيلية لحصد الجوائز الاقتصادية والاستثمارية والطرق التجارية الرابطة ما بين الغرب والشرق. وبترداده لمعادلاته العقيمة في اطلالاته الاعلامية المُكثّفة أخيراً، يبعث برسالةٍ إلى اللبنانيين بكامل فئاتهم، وإلى الفرقاء الدوليين المهتمّين بالوضع اللبناني والشرق أوسطي، بأنّه على قدر التمسّك بأمن اسرائيل، على قدر وجوب التمسّك باستمرارية دويلته الايديولوجية، وبربطه سلاحه غير الشرعي بالمصير الاسرائيلي، يقول للجميع إنّ مصير مشروعه الايديولوجي كمصير دولة اسرائيل.

سقطت صفة الردع التي أعطاها السيد حسن لسلاحه، ولم تعد لحجّة الردع المتبادل من مصداقية، بعد الدمار الذي يشهده لبنان، والذي لحق ببنية «حزب الله» العسكرية، وبعد اصطياد اسرائيل لقيادييه الميدانيين. كما سقطت صفة الجبهة المُسانِدة، بعد ما لحق بـ»حماس» من تصفياتٍ لقيادييها وانهاءٍ لقواها الميدانية. ولم تعد تنطلي القصص التكتيكية، للتعمية ولتشويه الحقائق، وبذلك باتت معادلة «حزب الله» تقضي باستمرار دويلته كذراعٍ من أذرع «الحرس الثوري» في لبنان، مقابل حفظ الأمن لاسرائيل، اي بالمعنى الاقتصادي، استمرار الفقر والذلّ والتخلّف في لبنان، مقابل استمرار التقدّم والتطور والانفتاح لاسرائيل. إنّها عملياً حشر للبنان عنوةً عن شعبه في محور غريب عن ثقافته وتقاليده وفكره، وإنّها فعلياً خطة ماكرة لضمّ شعب بلد الأرز بالقوة والقمع للدول والشعوب المؤدلجة والمُجهّزة للموت من أجل مصلحة النظام الثوري في ايران. إنه الاحتلال المُقنّع. وإنه بكل وضوح، الدعوة الدائمة التي يُطلقها المسؤولون الايرانيون لأذرعهم «موتوا لاجلنا، واحموا النظام الايديولوجي، وحصِّنوا موقعنا الاقليمي».

قرّر النظام في ايران عدم خوض الحرب المباشرة مع اسرائيل واميركا، لمعرفته المُسبقة بهول هذا الأمر عليه، فذهب إلى قنص الفرص، وممارسة كل انواع الارهاب والابتزاز، وقطع الطرق والخطف، ولكن بأيدي الاذرع، من «حزب الله» إلى «حماس»، إلى الحشد الشعبي، وإلى الحوثي، فاتُخذ القرار بأن يبذلوا هم ذاتهم لاجله هو، مخالفاً مقولةً ليوحنّا ( ١٣:١٥) «أن يضع احد نفسه لأجل أحبّائه». فقد وضع النظام الايراني نفسه خلف الشعوب العربية، لتردّ عنه الضربات والأضرار. فمن يؤمن بقضية، يستميت لأجلها، ولكن من يستغلّ قضايا الآخرين، فيقف في الخلف، ليُدعّم موقعه. المعادلة حالياً، الدمار للبنان والعراق وسوريا واليمن، مقابل استمرار النفوذ الايراني، إذاً، فعن أي تسويات يتكلّم البعض، المتهالك خلف السلطة؟ إنّها معادلة الخراب، والمسألة باتت، إمّا بقاء الدويلة أو بقاء لبنان، فالتعايش مع محور المُمانعة لم يعد ممكناً، فهل من عاقل، يعتبر أنّ هناك امكانية لبناء الدولة مع هذا المحور المُمانع، وهل من عاقل يعتقد أنّه يستطيع أن يبني مستقبلاً له ولعائلته في دولٍ تحكمها أنظمة كأنظمة المحور؟ لهذا المحور مفهومه، ولنا مفهومنا، والمفهومان متناقضان تماماً.

(*) عضو تكتل «الجمهورية القوية»

MISS 3