وليد شقير

المُكابرة والخِفّة تُغذّيان الأوهام

17 تموز 2020

02 : 00

عاش بعض أطراف السلطة وأوساط "حزب الله" وهماً لم يدُم سوى بضعة أيام، بإمكان تجاوز التشدّد الأميركي والغربي والعربي عموماً، في الحصول على المساعدات المالية، وبأمل ألّا تتمسّك هذه الدول باشتراطها الإصلاحات الموعودة.

إستند هذا الوهم إلى فهم مبتور للتصريحات الأميركية والأوروبية بالإستعداد لتقديم المساعدة، وإلى تقدير بأنّ واشنطن وغيرها من الدول، "خافت" من "التوجّه شرقاً" من قبل الحكومة اللبنانية، بناء لما طلبه منها الأمين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله، و"ارتبكت" من أن يتّكل لبنان على المساعدة الإيرانية، وأنها دخلت حلبة منافسة مع الصين وإيران لإرسال المساعدات إلى البلد، لأنّ نصرالله هدّدها بالويل والثبور. وزاد على المُكابرة والخِفّة في فهم الموقف الغربي، ما سرّبه رئيس الحكومة عقب لقائه السفيرة الأميركية دوروثي شيا، بعدما كان انضمّ إلى منطق القاضي مازح في "مزحة" منعها من التصريح وفي انتقاد تصريحاتها. فأوهامه بعد الزيارة تفتّقت عن تسريب أخبار حول "فتح صفحة جديدة بين الجانبين"، وعن استعداد واشنطن للدعم، فيما البحث تناول إعفاءات للبنان من تطبيق قانون "قيصر" للعقوبات على التعامل مع النظام السوري.

ذهب خيال البعض إلى تحميل التحرّك الذي قام به المدير العام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم الذي لا أوهام لديه، في الكويت ومع السفير السعودي وليد بخاري، وفي اتّجاه قطر، أكثر مما يحتمل، إلى حدّ انتظار ودائع بالمليارات، وتوقّع "تحسّن موقف دول عربية من الحكومة"، التي يتجنّب السفراء العرب لقاء رئيسها، فيما أخذ السفراء الغربيون يُجاهرون بأنّها فشلت في تحقيق وعد الإصلاحات. لم يلتقط هذا الوسط الواهم أنّ أقصى المساعدة في التصريحات الديبلوماسية هي المُتعلّقة بالمساعدة الإنسانية، المُختلفة عن الدعم المالي.

شوّهت هذه الأوهام مهمّة اللواء ابراهيم، الذي أطلق تحرّكه الإستكشافي عن نية إيجابية، وحمية وطنية أمام قصور من عليهم التحرّك مع الدول. وبالرغم من أنّ حركته حظيت بدعم رئيس الجمهورية العماد ميشال عون و"حزب الله" خصوصاً، فإن الأجوبة التي تلقّاها هي نفسها التي يسمعها الجميع في بيروت من السفراء ومن العواصم المعنية. أي أنّ المساعدات المالية للمساهمة في تصحيح الإقتصاد مُتوقّفة على تنفيذ الإصلاحات أولاً، وعلى اعتماد سياسة النأي بالنفس عن صراعات المنطقة، وخصوصاً من "حزب الله"، مع ما يُرتّبه ذلك من خطوات عملية، لم تعد تكفي معها البيانات، كما حصل العام 2017 حين عاد الرئيس سعد الحريري عن استقالته.

أضيف إلى هذا الجواب المزدوج تأكيد الكويت ما يعرفه الجميع باستثناء من ركب في رأسهم الوهم، عن أنّ قرار مساعدة لبنان مُرتبط بالموقف السعودي. ومع أنه لم تتسرّب معلومات عن الجواب القطري، فإن العارفين لا يتردّدون بالتأكيد أنه مرهون بالموقف الأميركي.

حتى جواب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، على رسالة كان بعثها عون طالباً المساعدة، جرى تشويهه لتُبنى على أساسه أوهام أخرى. فالسيسي ربط مساعدة لبنان بالإصلاحات أيضاً، وبـ"إبعاد لبنان عن التجاذبات الإقليمية". الجواب هو نفسه أينما كان.

المسخرة تكمُن في أنّ رئيس الحكومة يستخفّ بعقول مسؤولين عرب، حين يُكرّر معزوفته بأنّ قيادات لبنانية تطلب من هذه الدول عدم مساعدة لبنان لإفشال حكومته، كأنّ هذه الدول تبني سياساتها على ما يطلبه سياسيون لبنانيون. أكثر المأمول من التحرك الحاصل بعض الفيول للكهرباء، وبعض المواد الغذائية.