رواد مسلم

هل تُطلق موسكو عملية "الكمّاشة" في أوكرانيا؟

28 شباط 2024

02 : 00

القيادة الروسية مصمّمة على تحقيق أهداف الحرب في أوكرانيا (أ ف ب)

دخلت الحرب في أوكرانيا عامها الثالث بنشاط ميداني وسياسي على حدّ سواء، بعد فترة جمود ميداني استمرّت منذ وضوح فشل الهجوم الأوكراني المضاد الذي انطلق في تموز الماضي، وبعد تركيز اهتمام الدول بمجريات الحرب شبه الشاملة في الشرق الأوسط. عسكريّاً، يسعى الجيش الروسي الذي تمكّن من احتلال بلدة أفدييفكا الشديدة التحصين في 17 شباط الحالي، إلى متابعة الزخم الهجومي نحو الشرق. أمّا سياسيّاً، فتنشط الدول الأوروبّية، وعلى رأسها فرنسا، لحشد الدعم الغربي لكييف من خلال افتتاح الرئيس ماكرون مؤتمراً يضمّ 20 دولة لتحريك المساعدات نحو أوكرانيا.

ميدانيّاً، فاجأت أوكرانيا العالم بدفاعها القوي عن الخطوط الأمامية، وتمكّنت من استعادة بعض أراضيها في العام 2023، وذلك بفضل المساعدات العسكرية والاستخباراتية الغربية. ومع ذلك، فإنّ الهجوم الأوكراني المضاد لم ينجح ودخلت الحرب بعدها في مرحلة استنزاف صبّت لمصلحة الجيش الروسي صاحب الصناعات الدفاعية المحلّية، إذ عمل على تقوية خطوطه الدفاعية وإعادة تنظيم صفوفه وتصنيع الذخائر وتطوير الأسلحة. وهذا ما ينبئ بإمكانية إعادة التفكير الروسي بالاستيلاء على كييف بعد فشل المحاولة الأولى في شتاء 2022.

إنطلقت «العملية الخاصة» الروسية في الداخل الأوكراني في 24 شباط 2022 عبر عملية عسكرية هجومية تُسمّى «الكمّاشة»، أي محاصرة مدينة كييف من الجهات الأربع والتي لم تنجح بفِعل عدم تأمين غطاء جوّي ومدفعي للقوات البرّية. تقدّمت قوّات المشاة وأعداد بسيطة من المدرّعات على أربعة خطوط، وهي في الشمال باتجاه كييف، وفي الشرق من خاركيف، وفي الجنوب من شبه جزيرة القرم، وفي الجنوب الشرقي من دونباس المحتلّة.

يتبيّن أخيراً أنّ الجيش الروسي يسعى إلى تكرار مناورة «الكمّاشة»، بالتزامن مع اشتداد العمليات الهجومية في الشرق، حيث كانت بلدة مارينكا المدمّرة بالقرب من دونيتسك أحدث نقطة ساخنة بعد أن استولت القوات الروسية على بلدة أفدييفكا، وتزايدت العمليات الهجومية في الجنوب والشمال، فضلاً عن تصاعد الهجمات المسيّرة وإطلاق الصواريخ بشكل متزايد في كلّ أنحاء البلاد.

تنتشر الشكوك حول النصر بين الجنود الأوكرانيين كما بين الدول الأوروبّية، وهذا التشكيك مفهوم لأنّ الواقع المأسوي يُغذّي إرهاق العسكريين وضرب معنوياتهم، وهم يتعرّضون لهجمات بشكل شبه يومي ويشهدون مقتل الآلاف من الجنود والمدنيين من دون تحقيق أي إنجاز عسكري على طول الجبهة، ويعرفون معاناة القادة السياسيين حول صعوبة الحصول على مساعدات عسكرية. ويبدو أنّ هذا السبب وراء تراجع الجيش الأوكراني في منطقة أفدييفكا بقرار قيادي خوفاً من تزايد أعداد الضحايا الأوكرانيين.

هذا يُعيد مشكلة أعداد أفراد القوات الأوكرانية الضئيلة مقارنةً بأعداد الجيش الروسي المُهاجم، إلى الواجهة، والتي يُمكن حلّها من خلال قرار سياسي بتعبئة موجة جديدة من المجنّدين. فعلى الرغم من قرب حصول القوات الجوية الأوكرانية على مقاتلات «أف 16» التي ستؤمّن الحماية الجوية للقوات المُهاجمة، إلّا أنّ عدد هذه القوات يجب أن يتفوّق على عدد القوات المُدافعة أقلّه بمعدّل ثلاث مرّات، وهذا ما يسعى الرئيس الأوكراني إلى حلّه عبر تشريع تطويع موجة أخرى من الأوكرانيين، كما أنّ هناك حديثاً في أوروبا عن إمكانية إرسال أفراد للقتال إلى جانب الجيش الأوكراني.

الخسائر البشرية المرتفعة، إضافة إلى تأخير وصول المساعدات العسكرية إلى أوكرانيا، تزيد من الحاجة إلى الاعتماد على الصناعات الدفاعية المحلّية لتحقيق الأمن. وعلى الرغم من تقدّم مجال الصناعات المحلّية، إلّا أنّها بحاجة إلى التطوير بشكل يسمح لكييف بإنتاج أسلحة استراتيجية تكون بالمزايا نفسها لأسلحة الحلفاء الغربيين التي ما زالوا متردّدين في توفيرها، كالصواريخ البعيدة المدى، أي أبعد من 300-400 كيلومتر، مثل صواريخ «تاوروس» الألمانية.

الصاروخ البعيد المدى يطير وفقاً لبيانات من أقمار اصطناعية غير أوكرانية، (كلّها من إنتاج شركات أجنبية من دول حليفة أو من روسيا والصين). ولا يُمكن للدول الحليفة لأوكرانيا منح الأخيرة تراخيص لإنتاج مثل هذه الصواريخ لتكون موصولة عبر الأقمار الإصطناعية، لأسباب سياسية وأمنية. ويرجع ذلك إلى حدّ ما إلى خوف الولايات المتحدة من إثارة حرب عالمية ثالثة إذا بدأت أوكرانيا بضرب أهداف في العمق الروسي.

من الواضح أنّ الكرملين سيواصل الحرب حتى تحقيق أهدافه، وكييف تعلم أن التحرير الكامل للأراضي التي تحتلّها روسيا والعودة إلى الحدود المعترف بها دوليّاً هو حلم شبه مستحيل. كما لن تُفكّر أوكرانيا بالتفاوض حاليّاً، كون الجلوس حول طاولة المفاوضات لن يكون لمصلحة المُدافع بقدر ما سيكون لمصلحة المُهاجم الروسي صاحب الزخم. ما يخفيه المستقبل الميداني يُمكن أن يتجسّد بأسوأ السيناريوات عبر إعادة تفعيل خطّة عام 2022 بتكتيكات جديدة.

MISS 3