سناء الجاك

أمل إبليس في الجنّة

28 شباط 2024

02 : 00

تواصل «كتلة الاعتدال الوطني» لقاءاتها مع النواب، كتلاً وأفراداً، وتنشط في مشاورات ترمي إلى استمزاج آراء زملائها بشأن إمكانية التوافق على قواعد واضحة، تفضي إلى رأي متجانس كفيل بتحضير الأرضية لانتخاب رئيس.

في المبدأ مشكور سعي الكتلة ومباركة همّتها العالية النابضة بالتفاؤل، ذلك أنّ تصريحاتها عقب كل لقاء مع إحدى الكتل الرئيسية، توحي بأنها تسير على سكة السلامة، وأنّها استطاعت تحقيق معجزة بجمع القوى المسيحية تحت راية الوفاق والاتفاق، ليصبح اقناع نواب القاطع الآخر تحصيلاً حاصلاً، ما يعني أنّ الرئيس العتيد بات على قاب قوسين أو أدنى من الوصول إلى قصر بعبدا، لا سيما مع اقتران كل هذا التفاؤل بتأكيد أفراد الكتلة أنّ خطوتهم تتم بالتنسيق مع سفراء دول اللجنة الخماسية.

بالتالي لا شيء يحول دون نجاح هذه المساعي في فتح أبواب مجلس النواب والتمكن من انتخاب رئيس لجمهوريتنا البائسة ينقذها من الضلال. ولا نملك إلا الدعاء لها بالتوفيق، مع الإشارة إلى أنها إن اجتهدت وأصابت هدفها، فسيكون لها أجران، وإن لم تصب سيكون لها أجرٌ واحدٌ محفوظ عند رب العالمين، والأرجح أنّ الاجتهاد سيقتصر على الاحتمال الثاني.

فالعقدة في استمرار الشغور ليست عند الذين يستقبلون الكتلة بالترحاب ويحيّون جهودها، وهي لا ترتبط بالمكونات الفاعلة أو التي يحسبها المتفائلون فاعلة، ولو كان لها الوزن المطلوب لتقلب المعادلات الحالية، لما بقي الشغور قبل حرب غزة وخلالها، وربما بعدها إذا لم تنضج تسوية على قياس أصحاب الوزن الحقيقيين.

وحتى لو أجمع النواب المسيحيون كلهم على السير بمبادرة الكتلة، يبقى أنّ العقدة هي عند من لا يحمل جدول أعماله، على الأقل في المرحلة الحالية أي إشارة إلى الشؤون الداخلية اللبنانية. هذا عدا تبرّمه من حاملي شعار ملء الفراغ وإزعاجه بالأمور الجانبية، لأن الأولويات بالنسبة إليه تتجاوز لبنان وفراغ سدة رئاسته. هو غارق في مجاهل وحدة الساحات وحائر بين حدود قواعد الاشتباك وبين الجبهات المفتوحة.

من هنا يبدو مستغرباً تفاؤل الكتلة واعتماد أنّ لديها تعهداً من رئيس مجلس النواب نبيه برّي، الموافق في المبدأ على جوهر المبادرة، والمستعد دائماً وأبداً للإعلان عن استعداده لفتح أبواب المجلس ليلاً ونهاراً بغية ملء الشغور في قصر بعبدا. فالاستعداد لا يعني بالضرورة الانتقال إلى التطبيق. قد تقتصر مفاعيله على تقطيع الوقت بانتظار كلمة السر التي تتفوق على ضرورة تنفيذ الدستور وإنجاز الاستحقاقات، وما إلى ذلك من مصطلحات بالية.

ولا يحتاج نبذ التفاؤل إلى باحث متخصص في فقه الشؤون اللبنانية، فاستحالة تنفيذ الدستور ليس وليد التناقضات السياسية بين القوى والأحزاب الفاعلة، ولا يعود إلى عدم اقتناع النواب ببرامج المرشحين، أو عدم رضاهم عن برامج إصلاحية يحملها الحالمون بالجلوس على كرسي بعبدا، أو لأي سبب من الأسباب المنطقية التي تسود في الدول العاقلة، ولكن لأنّ الحاكم بأمره في لبنان لا يريد رئيساً، وتحديداً في ظل التطورات التي أعقبت حرب غزة، والتي لا بد أن تؤدي إلى ترتيب المنطقة وفق معطيات ستفرزها نتائج الحرب، وسيربط مصير لبنان بما سيكسبه في سياق هذا الترتيب، تماماً كما يخطط محور الممانعة الذي لا يمانع في سقوط المزيد من الضحايا، ما دام سينال في نهاية المطاف مراده من المفاوضات الجارية.

بناء عليه، سيبقى أمل الاعتدال في نجاح مبادرة الكتلة المتفائلة كأمل إبليس في الجنة، ولن تتجاوز جهودها الرياضة الفكرية وبعض فولكلور الواجب الوطني وكسر الروتين بتصريحات لا تلجم الانهيار واحتمال الانفجار.

MISS 3