السفير د. هشام حمدان

لا نظام إقليميّاً جديداً من دون دولة فلسطينيّة

28 شباط 2024

02 : 00

تكثر التّعليقات التي تنبئ بفشل مشروع حلّ الدّولتين في فلسطين المحتلّة. وتزداد الأقلام التي تتحدّث عن سيناريوات مظلمة لشرق أوسط جديد. القاسم المشترك بين الآراء هو مصلحة إسرائيل وأهدافها، والشّراكة مع دول الخليج العربي. لا يمكن لأيّ باحث يتابع أحداث الشّرق الأوسط بأسلوب أكاديمي، إلّا أن يتوقف عند مؤشّرات يفترض أن تكون قاعدة لرؤية منطقيّة للفكر الإستراتيجي الأميركي والأوروبّي في المنطقة.

- القناعة التّامة لدى الغرب بأنّ الشّرق الأوسط هو نقطة الإرتكاز في العالم الحديث. قال وزير خارجيّة أميركا جون فوستر دالاس، عشيّة رحلته إلى الشّرق الأوسط في أيّار/مايو 1953: «هذه المنطقة هي نقطة الإرتكاز في العالم الحديث كلّه. أوروبّا التي كانت تمسك بمفاتيحه، لم تعد قادرة أن تمسك بهذه المفاتيح. والقوى المحليّة في المنطقة لم تصل بعد إلى درجة تستطيع فيها أن تدافع عن منطقتها. هذه القوى لها مطالبها الوطنيّة، ونحن نستطيع أن نتفهمها. نحن لا نريد أن نرى الرّوس في عمق الشّرق الأوسط، وبالقرب من مصالح حيويّة كبيرة لنا فيه». يمكن لنا أن نضيف لهذا القول لفوستر الذي ما زال ينطبق بقوّة حتّى اليوم، أنّ بلاده لا تريد أن ترى الصّين أيضاً في عمق الشّرق الأوسط.

إنّ أي لاعب في الشّرق الأوسط لا يكون تحت المظلّة الأميركيّة، سيكون ساحة تدخل منها روسيا وكذلك الصّين، الى المنطقة. قال بيرل باك: «لو أردت فهم الحاضر، فادرس الماضي». أنا لا أريد أن أبعد كثيراً في الماضي. لنتذكر مواقف ولي العهد السّعودي في مواجهة الرّئيس بايدن قبل أشهر قليلة فقط.

- لم يتوقف الغرب يوماً عن دعم إسرائيل ومشاريعها في المنطقة. فهل استسلم الفلسطينيّون أو العرب؟ لقد سعت الكنيسة الصّهيونيّة في الولايات المتّحدة منذ عقود، إلى فصل المسيحيّة عن مسقط رأسها في الشّرق الأوسط، وإعادة صياغة المنطقة كمرادف للإسلام. أطلقت الفكرة الإبراهيميّة عام 1990. قامت الحركات الصّهيونيّة، وتيار الكنيسة المسيحيّة الصّهيونيّة، والحكومات الأميركيّة المتعاقبة، بدعم الفكرة. اعتبرت وزارة الدّفاع الأميركيّة، الدين، مدخلاً أساسيّاً لصياغة النّظام العالمي الجديد، وأنّ هذا المدخل يمكن أن يحقّق فكرة اتّحاد إقليمي في منطقة الشّرق الأوسط. أطلقت الولايات المتّحدة منذ بداية القرن الحادي والعشرين مفهوم الفوضى الخلّاقة التي نجحت في إضعاف التّيّار القومي العلماني في الشّرق الأوسط، لمصلحة التيارات الدينيّة. لكنّ التّحولات لم تبدل في المقاربات من القضية الفلسطينيّة. التّيار القومي العلماني العربي، متمسّك بقواعد القانون الدّولي، وقرارات الشّرعيّة الدّوليّة. وقد تمّ تظهير هذا الموقف في مؤتمر القمّة العربيّة في بيروت عام 2002.

التيّارات الدينيّة، تريد أنهاء إسرائيل

- يعرف الخبراء العسكريون أنّ قتال الجيش النّظامي الإسرائيلي في مواجهة مقاتلي المقاومة لا يمكن أن يحقّق حسماً مهما قام به من دمار وخراب، ومجازر، بين المدنيين. تحاول إسرائيل المدعومة سياسيّاً، وعسكريّاً، وإقتصاديّاً من الغرب، ومنذ عقود، تدمير الإرادة الفلسطينيّة من دون نتيجة. أدّت حرب غزة إلى نتيجة عكسيّة تماماً. تحوّلت المعاناة الفلسطينيّة تهديداً حقيقيّاً لمصالح قادة الدّول الغربيّة. فهذه الدّول، شهدت حملات ضدّ إسرائيل لم يسبق لها مثيل.

لم يعد الشّعب العربي ضعيفاً، وجاهلاً، ومستسلماً. أميركا تعلم أنّ أي إخفاق في تحقيق الحدّ الأدنى للمطالب العربيّة، سينعكس سلباً على مصالحها في الشّرق الأوسط. سلاح القتل والدّمار لم ولن يهزم إرادات الشّعوب ضدّ الإستعمار، ولو تأخرّ الحساب. ما زلت أعتقد أنّ الولايات المتّحدة والغرب، جادان في تحقيق حلّ الدّولتين، وإقامة دولة فلسطينيّة. يدركون جديّة مواقف ولي العهد السعودي، ورسائل وزير خارجيّته. لا سلام مع إسرائيل من دون دولة فلسطينيّة. العائق في تحقيق هذا الهدف هو اليمين الإسرائيلي، وإيران. سوريا أكّدت رغبتها بالسلام، بحسب ما نقله فريديريك هوف عن الرّئيس الأسد. الصّمت عن ممارسات اليمين الإسرائيلي، يعني تعزيز الدّور الإيراني، واستمرار الدّور الإيراني، يعزّز اليمين الإسرائيلي. ثمة خشية من أن يلجأ الغرب إلى حسم دور إيران من خلال حرب تنهي سلاحه في لبنان. قد يمنح هذا التّوجه نتنياهو تعويضاً عن مهاجمة رفح، ويدفع البوصلة مجدّداً إلى عقد مؤتمر دوليّ للسّلام ينتهي باعتراف بدولة فلسطينيّة، وسلام شامل مع إسرائيل، وضمانات أمنيّة كاملة عربيّة ودوليّة، لها.

MISS 3