جاد حداد

?Can I Tell You a Secret... مخاطر المطاردات الإلكترونية تحت المجهر

29 شباط 2024

02 : 00

يتعمق الوثائقي ?Can I Tell You a Secret (هل أخبرك سرّاً؟) على شبكة «نتفلكس» بالوقائع المشينة لحالات المطاردات الإلكترونية، لكن هل ينجح في تسليط الضوء على جوانبها القاتمة أم أنه يتوه في أعماق هذا العالم الشائك؟

قد لا يكون هذا المسلسل نوعاً تقليدياً من قصص الجرائم الحقيقية، فهو لا يُركّز على دوافع المرتكبين المنحرفة، بل إنه يُضخّم أصوات الضحايا: سنتعرّف على ثلاث نساء تنقلب حياتهنّ بسبب متربّص على الإنترنت. لا تقتصر القصة على محاولات القبض على الرجل الشرير، بل تستكشف أيضاً الجوانب العاطفية والنفسية للمضايقات الرقمية، ما يجبر المشاهدين على مواجهة نقاط الضعف التي نعيشها جميعاً في العالم المترابط اليوم.

يروي الوثائقي القصص المريعة التي عاشتها «جيس»، و»إيما»، و»كلويه»، بعدما تحوّلت حياتهنّ الإلكترونية إلى منصة مرعبة استغلها «ماثيو هاردي». ظاهرياً، قد يبدو «هاردي» رجلاً عادياً، لكنه استعمل مواقع التواصل الاجتماعي للتسلل إلى حياة أولئك النساء، وجمع معلومات شخصية عنهنّ، وأرسل لهنّ رسائل تهديد، وتلاعب بشخصياتهنّ على الإنترنت. حين تروي النساء تجاربهنّ، تبدو القصة أقرب إلى كابوس بطيء الإيقاع، فتسلّط الضوء على طبيعة المطاردات الإلكترونية الخبيثة وتداعياتها الكارثية على الصحة النفسية، والعلاقات، وحتى السلامة الشخصية.

يبرع المخرج تشارلي راسل في جمع المقابلات مع الضحايا، والمحققين، والخبراء، فيقدّم مزيجاً من الخوف، والقوة، والنضال الشاق في سبيل العدالة. في الوقت نفسه، لا يتخلى الوثائقي عن الجانب العاطفي في قصص الضحايا، بل يسمح لهنّ بالتعبير عن مشاعر الخوف والغضب ثم يُركّز على قوتهنّ لتجاوز تلك المحنة الصعبة. يسهل أن نلاحظ تأثير تلك التجربة على حياتهنّ الشخصية، إذ تشعر كل امرأة منهنّ بأنها تتعرض للمراقبة طوال الوقت وتفتقر إلى الشعور بالأمان.

قد يبرع الوثائقي في تجسيد التكاليف التي يتحملها البشر بسبب عمليات المطاردة الإلكترونية، لكنه يتعثر بدرجة معينة في طريقة استكشافه للسياق الاجتماعي والقانوني العام. أدت قضية «هاردي» في نهاية المطاف إلى صدور أطول عقوبة بالسجن في قضايا المطاردات الإلكترونية في تاريخ بريطانيا، لكن لا يتعمق الوثائقي بما يكفي في المشاكل التي يواجهها النظام القائم على مستوى التعامل مع هذه القضايا الشائكة. لا يستكشف صانعو العمل مثلاً دور مواقع التواصل الاجتماعي في تعزيز عمليات المطاردة وتسهيل تنفيذها أو حدود القوانين المعتمدة، فيشعر المشاهدون ببعض الانزعاج وتنتابهم رغبة في طرح حلول إضافية لمعالجة مشاكل النظام القضائي.

لكن رغم هذا الانتقاد البسيط، يبقى الوثائقي عملاً قوياً وبالغ الأهمية، فهو أشبه بجرس إنذار حول مخاطر التخفي وراء الظلال الرقمية، كما أنه يذكّرنا بأن «الحياة الإلكترونية المثالية» قد تتحول سريعاً إلى كابوس حقيقي. يمكن اعتبار المسلسل نقطة انطلاق لنقاشات مهمة عن هذا الموضوع، فهو يشجّع المشاهدين على التنبه إلى طريقة استخدامهم للإنترنت، ويدعوهم إلى دعم الضحايا ومطالبة المنصات والأنظمة القانونية بمحاسبة المرتكبين. قد لا يطرح الوثائقي أجوبة سهلة على الأسئلة العالقة، لكنه يساعدنا على إدراك حقيقة المطاردات الإلكترونية وأهمية النضال لإنشاء عالم رقمي آمن. باختصار، يستحق هذا العمل المشاهدة طبعاً، لكن على المشاهدين أن يستعدوا مسبقاً لمواجهة أسئلة شائكة وحقائق مزعجة.

MISS 3