رواد مسلم

استراتيجية كوريا الجنوبية الدفاعية ذات طبيعة هجومية

2 آذار 2024

02 : 00

جنود كوريون جنوبيون خلال مشاركتهم في تدريبات عسكرية في تايلاند أمس (أ ف ب)

تشهد العلاقات بين الكوريتين مزيداً من التدهور منذ التزام الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون بتعزيز وضع بلاده كقوّة نووية، واستئناف التجارب الصاروخية الباليستية المتطوّرة العابرة للقارات. وقد زاد هذا التوتّر على مدى الشهرين الماضيين، إعلان كيم أنّ الوحدة مع كوريا الجنوبية لم تعد ممكنة، وأمرَ بتفكيك كلّ المنظمات المحلية المشاركة في التعامل مع كوريا الجنوبية، ودعا إلى إجراء تعديل دستوري لتغيير وضع كوريا الجنوبية لتُصبح «العدوّ الأوّل» لبلاده.

أثارت هذه التحوّلات الكبيرة في موقف كوريا الشمالية تجاه كوريا الجنوبية جدلاً واسعاً حول نوايا بيونغ يانغ بشنّ حملة عسكرية مفاجئة على جارتها الجنوبية بعد مرور أكثر من 70 عاماً على انتهاء الحرب الطاحنة بينهما، خصوصاً بعد إعلان كيم أنّ الظروف تُشير إلى ضرورة ملحة لتعزيز جاهزية القوات وتطوير القدرات العسكرية لضمان أمن كوريا الشمالية واستقرارها، تشمل تعزيز ترسانة الأسلحة النووية وتطوير إنتاج المسيّرات، بالإضافة إلى إطلاق 3 أقمار إصطناعية جديدة مخصّصة للتجسّس هذا العام (أطلق أوّل قمر اصطناعي العام الماضي).

في المقابل، تعمل كوريا الجنوبية على تسريع الجهود لإكمال استراتيجيتها الدفاعية والهجومية الاستباقية التي تُعرف باسم «نظام المحاور الثلاثة». وتتكوّن أوّلاً من منصّة «سلسلة القتل» (Kill Chain)، والتي تتضمّن ضربات استباقية تستهدف المنشآت النووية والصاروخية لكوريا الشمالية، مثل منصات إطلاق الصواريخ قبل بدء الهجوم، بناءً على مؤشرات واضحة إلى أنّ هجوماً وشيكاً من جانب كوريا الشمالية لإطلاق صاروخ باليستي أو صاروخ محمّل برأس نووي يستهدف كوريا الجنوبية.

ثانياً، من خلال نظام الدفاع الجوي والصاروخي الكوري (KAMD)، الذي يعترض الصواريخ المطلقة باستخدام نظام دفاع جوي صاروخي متعدّد الطبقات، إذا فشلت منصّة «سلسلة القتل» في ضرب الصواريخ الكورية الشمالية بشكل استباقي. ويهدف رادار الإنذار المبكّر إلى اكتشاف الصواريخ القادمة، ما يسمح للصواريخ الاعتراضية بالقضاء عليها قبل أن تضرب الأراضي الكورية الجنوبية.

يعتمد نظام KAMD على أنواع مختلفة من الصواريخ يتمّ إطلاقها على ارتفاعات مختلفة. تشتبك صواريخ نظام الدفاع الجوي الأميركي «باتريوت» (صواريخ أرض - جو متوسطة المدى)، مع الصواريخ التي تطير ضمن ارتفاع 20 كلم أو أقل مثل «هواسونغ 8» الكوري الشمالي، بينما يعترض نظام «تشيونغونغ 2» الصواريخ التي تطير على ارتفاع يتراوح بين 20 و40 كلم، بالإضافة إلى نشر نظام الدفاع الجوي الأميركي للإرتفاعات العالية «ثاد» للتصدّي للصواريخ على ارتفاعات أعلى من 40 كلم، لا تُغطّيها صواريخ «باتريوت» و»تشيونغونغ».

ثالثاً، شنّ هجمات صاروخية دقيقة أو تسلّل قوات العمليات الخاصة للقضاء على القيادة الكورية الشمالية، بما في ذلك كيم جونغ أون، من خلال استهداف مخابئه المحتملة وتدريعاته العسكرية، وتدمير هيكل القيادة والسيطرة ضمن خطة العقاب والانتقام الكورية الواسعة النطاق (KMPR) التي تقوم على مبدأ الردع بالعقاب.

تعتمد KMPR على قاذفة الصواريخ المتعدّدة «كي 239» الكورية الجنوبية، وصاروخ أرض - أرض «أتاكمز» الأميركي، اللّذين يُمكنهما ضرب أهداف على بُعد 300 كيلومتر. وقنابل جو - أرض خارقة للتحصينات «جي بي يو 28» لاختراق المخابئ العسكرية للعدو (ما يصل إلى 6 أمتار من الخرسانة). وصاروخ جو - أرض «أي جي أم 84 أتش» الذي يستخدم كضربة دقيقة بعيدة المدى ضد أهداف في البرّ أو البحر، ويُحلّق لمسافة 280 كلم كحدّ أقصى. ومن خلال تحديد القيادة الكورية الشمالية باعتبارها الهدف الرئيسي للهجوم، تهدف KMPR إلى تعزيز الردع ضدّ كوريا الشمالية، ما يُشير إلى أن هجوم بيونغ يانغ التقليدي أو النووي سيُعرّض وجود نظامها للخطر بشكل مباشر.

مع استمرار كوريا الشمالية في تطوير قدراتها النووية والصاروخية، واستهداف كوريا الجنوبية بشكل واضح، يجب على حكومة سيول أن تكمل بسرعة تنشيط نظام المحاور الثلاثة، وتنشر أصولاً عسكرية إضافية لتشمل كلّ أراضيها، إضافةً إلى معالجة نقاط الضعف في أنظمتها الحالية. فكوريا الشمالية تطوّر أسلحتها بناءً على تطوّر الأسلحة الغربية، لذلك ينبغي على كوريا الجنوبية مواكبة تطوّر أسلحة العدو التي قد تعرّضها للخطر، آخرها كان صاروخ «باداسوري 6» العابر للقارات الذي أشرف كيم على عملية إطلاقه منذ أسبوعين.

المشكلة تكمن في ما إذا فشلت هذه الاستراتيجية في ردع بيونغ يانغ، إذ إنّ الوضع الخطر يُمكن أن يخرج عن السيطرة بسرعة إلى حرب شاملة، كون هذه الاستراتيجية الدفاعية ستتحوّل إلى هجومية فوراً، لكن ما يطمئن هو أنّ العقائد الهجومية لكلّ من كوريا الجنوبية وكوريا الشمالية مشروطة. إنّ تهديد كيم بإحتلال كوريا الجنوبية مشروط بعبارة «إذا اضطررنا لخوض حرب». وعلى نحو مماثل، يأتي تصميم كوريا الجنوبية على الانتقام من خلال عبارة «إذا استفزّتنا كوريا الشمالية». وتشير هذه الملاحظة إلى أنّ الكوريّتَين تخافان من التعرّض للهجوم أوّلاً، بدلاً من طموحهما بالضرب أوّلاً. فلا بدّ أن تأخذ الديبلوماسية مداها قبل أي تطوّر عسكري عالي السقف بين الدولتين.

MISS 3