بشارة شربل

"جبهة" وبرنامج رفضاً للحرب ولاستعادة القرار والساحات

4 آذار 2024

02 : 00

إن فاتت الفلسطينيين صرخة تدعو يحيى السنوار الى وقف مغامرة «طُوفان الأقصى» التي أغرقتهم بكارثة أين منها نكبة 1948، فإنّ اللبنانيين بطوائفهم وأحزابهم وقواهم السياسية فشلوا حتى الآن في دفع السيد حسن نصرالله الى إنهاء «حرب المُشاغلة» واستدراك خراب اتضح نموذجه الإجرامي.

ولا يكفي ترويج محور الممانعة ووزير خارجيته عبد اللهيان لمحدودية الحرب، ولا تهديدات الوزير بو حبيب لجنرالات إسرائيل بأننا «نغشى الوغى» كي يطمئنَّ اللبناني الى أنّ «هدنة رمضان» تنتظر ثبوت رؤية الهلال حتى تشملنا ببركاتها. فأي مراقب راجح شاهدٌ على تصاعد الاستهداف، ويتابع ما تتداوله واشنطن عن خطط «جزّ العشب»، ويرى بأمّ العين انعدام التكافؤ التكنولوجي والاستخباراتي.

صحيح أنّ «الحرب ليست نزهة»، كما يقول بو حبيب، لكن الأصح أنّ لا أحد ذاهبٌ إليها لجمع الفراشات في يوم ربيعي نضر. وهنا على الرئيس ميقاتي ووزراء حكومته المتماهين مع سردية الممانعين أن يجيبوا عن سؤال بسيط: أتستطيعون إخلاء طفل جريح لو وقعت الواقعة أم ستكتفون بشتم نتنياهو والعدو الصهيوني و»تتبكبكون» لوقف نار يخيطه صديقكم هوكشتاين بطل الترسيم البحري؟

مثيرٌ للقلق استسلام اللبنانيين لقدَرهم رغم احتمالات حرب لا تبقي ولا تذر. وإذ لا يمكن إغفال مواقف سيادية حزبية ونيابية عبّر عنها أهل الرأي والمؤثرون وعموم الناس في مختلف وسائل التواصل، فإنها تبقى مقصّرة عن واجب اتخاذ موقف صلب وجماعي يقول بلا مواربة «لا للحرب» أياً تكن الظروف، ويجاهر برفض نظرية أنّ قدرتنا على ايذاء العدو بالصواريخ تجعله يفكر عشر مرات قبل شنّ عدوان. فالشمس طالعة والناس قاشعة. «حماس» أثخَنت الاسرائيليين في يوم انتصار يتيم لتعاني إثره الأمرّين وتذيق شعبها المرارات. «حزب الله» توهَّم في 8 اكتوبر أنّ الحرب ستتوقف خلال أيام فيعلن الانتصار، بيد أنه حصد «نكبة الكوادر» فيما مُني أهل الجنوب بدمار 9 آلاف وحدة سكنية، وها هو لبنان يدفع مجدداً ضريبة قرار متفرد بحساب اقليمي.

نعلم أن اللبنانيين أصيبوا بصدمات تُقعدهم عن رفع التحدي الوطني الخطير. فلا استطاعوا تحقيق العدالة في جريمة اغتيال رفيق الحريري ولا في تفجير مرفأ بيروت، وجرى قمع ثورة 17 تشرين بالقوة العارية توازياً مع نَهب المصرفيين ودولة المافيا ودائعهم ومستقبل أبنائهم. لكن، هي بلادنا «وإن جارت علينا».

المهمة المطلوبة وطنيةٌ تفرضها الظروف الموضوعية والتطورات الميدانية التي عمّقت شروخ الوحدة وقناعات كثيرين باستحالة «العيش المشترك». لذا لا بديل من معاودة الانخراط في عمل جبهوي منظّم يضمّ كل مؤمن بسيادة لبنان ونظامه الديموقراطي ويُخرج المواطنين من الإحباط ويعيدهم الى كل الساحات ببرنامج حد أدنى، أولويته اليوم الجهرُ برفض الحرب ونزعُ الشرعية عن سردية» المُشاغلة» الحكومية، وعنوانُه العريض استعادة الدولة والمؤسسات وتطبيق الدستور والقرارات الدولية.

هو برنامج رحب، لكنه لا يتسع للانتهازيين والرماديين ولا يمكنه انتظار المنتظرين على ضفاف الأنهر أو المعلَّقين حتى عودة الزعيم، في وقت تتفاقم الهجرة، ويتعاظم ضغط النازحين، وتذوي بين أيدينا كل مقومات العيش الحر الكريم. برنامجٌ تفرضه المسؤولية الوطنية، وشرطُه التخلي عن الأنانية الحزبية والشخصنة البائسة والعراضات الإعلامية. وهو واجب ملحٌ- سواء حصلت الحرب أم لم تحصل- خصوصاً من أجل حضور لبناني متوازن يتصدّى لـ»ترسيم» أي تسوية اقليمية على حساب لبنان وكل اللبنانيين.

MISS 3