جاد حداد

Murder to Mercy: The Cyntoia Brown Story... قضية شائكة ومُلهِمة

6 آذار 2024

02 : 00



يؤكد الفيلم الوثائقي Murder to Mercy: The Cyntoia Brown Story (من القتل إلى الرحمة: قصة سينتويا براون) للمخرج دانيال بيرمان على ما يحصل حين تخسر الأعمال الوثائقية تركيزها على جوهر القصة. بحلول النهاية، يتخلى الفيلم عن جانبه النقدي في تعامله مع بطلة القصة سينتويا براون لونغ، تلك المراهقة التي عاشت اضطرابات كبرى في الماضي وكبرت كي تصبح من أقوى المدافعين عن إصلاح السجون. يتمسك صانعو العمل بالتسلسل الزمني لتفاصيل القضية لدرجة أن يمتنعوا عن تقديم أي نوع من السرد القصصي المميز. تبدو نصف اللقطات التي يعرضها الوثائقي وكأنها تشتق من فيلم بيرمان الأصلي عن قضية براون، Me Facing Life: Cyntoia›s Story (أنا في وجه الحياة: قصة سينتويا). لكن تبقى مساهمة بيرمان في المشروع النهائي متماسكة نسبياً، ما يجعل الوثائقي تجربة ناجحة بالنسبة إلى المخرج شخصياً، مع أنه لا يحقق المستوى نفسه من النجاح بالنسبة إلى بطلة القصة.

يبدأ الوثائقي بظهور براون في بداية قضيتها. اضطرت هذه الفتاة لدخول عالم الدعارة بسبب حبيبها في تلك الفترة، وجعلها آخر زبون تعاملت معه تشعر بأن حياتها أصبحت بخطر، فأطلقت عليه النار قبل أن يتمكن من إيذائها. ثم دخلت تلك المراهِقة إلى السجن وغرقت في دوامة لامتناهية من الأحداث الشائكة بسبب نظام العدالة الجنائية في الولايات المتحدة. هي وثقت بالشرطة بكل سذاجة وتخلّت عن حقها بالتزام الصمت إلى أن يحضر محاميها خلال الاستجواب. في النهاية، نُقِلت براون إلى قسم المجرمين البالغين وصدر بحقها حُكم أسوأ مما كانت لتتلقاه في ظروف أخرى. يوثّق بيرمان هذه الرحلة في فيلمه الوثائقي الأول الذي يتمحور حول قضية براون لصالح شبكة «بي بي إس». في إحدى المقابلات الخاصة بالفيلم، تعترف والدة براون البيولوجية بأنها كانت تفرط في شرب الكحول أثناء الحمل، وسرعان ما يطلق هذا الاعتراف أولى الجهود الرامية إلى تقديم التماس لتخفيف العقوبة. يضيف بيرمان أفضل أجزاء ذلك الوثائقي إلى فيلمه الجديد، وكأنه يريد بذلك أن يثبت للمشاهدين دوره في نشر قصة براون في أنحاء البلد.

لكن قد لا تكون نزعة المخرج إلى تسليط الضوء على دوره في هذه القضية أسوأ جانب من عمله، إذ يخسر بيرمان أيضاً جوهر القصة التي يسردها لأن براون لم تعد متاحة الآن بقدر ما كانت عليه حين بدأ مشروعه منذ 14 سنة تقريباً، أو ربما لم ترغب هذه الأخيرة في المشاركة في مشروع مماثل بعد مرور هذه المدة الطويلة. لا تعود براون محور الأحداث في النصف الثاني من الفيلم. لسدّ هذه الفجوة وشرح تفاصيل أخرى من القضية، يجمع بيرمان عدداً من المحامين المتطوعين الجدد في قضية براون، انطلاقاً من الوثائقي الذي حضّره سابقاً، لعرض سلسلة من المقابلات. بعدما خصّص الوثائقي مدة طويلة للتركيز على براون في فترة شبابها، يتحوّل الفيلم بعد مرحلة معيّنة إلى مجموعة من التخمينات والتحليلات النفسية التي يطرحها عدد من الرجال البيض الأكبر سناً. في غضون ذلك، تتطرق مقابلات جديدة مع والدة براون البيولوجية وأمها بالتبني إلى مسائل مثل الفقر والمعاناة التي يعيشها السود من دون تحليل النظام الذي خذل براون مراراً في شبابها.

تتلاحق القصص الحزينة بأسلوب صحفي بحت، فتُعرَض الأحداث بحسب تاريخ حدوثها عبر مقاربة باهتة ومملة ومليئة بالرسوم البيانية. حين تتكرر هذه المشاهد، لا مفر من أن نشعر بأننا نقرأ كتاباً حيث يقتصر كل فصل جديد على ثلاثة مقاطع قصيرة. هذا الأسلوب يعيق انسياب القصة بلا مبرر. ونظراً إلى غياب براون شبه الدائم عن النصف الثاني من الوثائقي وظهور أشخاص آخرين للتكلم عنها، من الطبيعي أن نتذكر أنها لا تزال تحارب لرفع صوتها على طريقتها الخاصة، فهي لم تعد طفلة تثير المشاكل وتحتاج إلى الراشدين كي يتكلموا بدلاً منها. يرتفع عدد الأشخاص الذين عاشوا تجارب مماثلة وتعاملوا مع إساءات لا يمكن تصورها في صغرهم، ومع ذلك خذلتهم الأنظمة التي يُفترض أن تحميهم في مناسبات متكررة. سبق وشكّلت قصة براون مصدر إلهام لإحداث تغيير حقيقي، لا سيما على مستوى إعادة تعريف المصطلحات القانونية لتحديد مواصفات الأولاد المعرضين للاستغلال، لكن من الأفضل طبعاً أن نسمع قصة براون منها شخصياً في أي أعمال وثائقية مستقبلية عن قضيتها.

MISS 3