جان الفغالي

لن يعيش المسيحيون فئة رابعة

7 آذار 2024

02 : 00

«لن نعيش ذمّيين»، كتابٌ للمفكِّر أنطوان نجم نشره عام 1979، تحت إسم مستعار هو «أمين ناجي». في الصفحة الثانية من الكتاب، أورد نجم آية من القرآن الكريم تقول: «فلن تجد لسنّة الله تبديلاً ولن تجد لسنَّة الله تحويلاً». ويقول نجم في مقدمة الكتاب: «موقف المسيحيين الرافضين رفضاً باتاً قبول نظام «أهل الذمة، فهم يرفضون أن «يتسامح» المسلمون معهم لجهة تركهم يحيون إيمانهم في «داخل» الكنائس... ومسيحيو لبنان حقهم في وطنهم وفي الحياة فيه أحراراً ومواطنين كاملي المواطنية، حق طبيعي مقدَّس، وليس هبة من أحد».

عمرُ هذا الكلام خمسة وأربعون عاماً، كُتِب في زمن دستور 1943، حين كانت «تُناط السلطة الإجرائية برئيس الجمهورية الذي كان يعيِّن الوزراء ويسمي منهم رئيساً». آنذاك كان المسيحيون في حالٍ أفضل بكثير مما هُم عليه اليوم، لديهم قياداتهم السياسية الممثلة آنذاك بالرئيسين كميل شمعون وسليمان فرنجيه وبالشيخ بيار الجميل، والنائب أدوار حنين الذي كان يشكِّل حضوره نوعاً من حضور الكتلة الوطنية، وآخرين، ولهم قياداتهم «الفكرية» (إذا صح التعبير)، ممثلين بشارل مالك وفؤاد افرام البستاني وجواد بولس وسعيد عقل والأباتي شربل قسيس، (وكانت ترفدهم بأبحاثها ودراساتها «لجنة البحوث في الكسليك»)، وجبهة الحرية والإنسان كانت نواة «الجبهة اللبنانية».

بين القوة السياسية للمسيحيين، الممثلة بالجبهة اللبنانية، والقوة العسكرية المتصاعدة آنذاك للشيخ بشير الجميِّل، بقي هاجس الذِمِّية يختلج في عقل المفكِّر أنطوان نجم، فأعلن رفضه لهذا الهاجس، ليس في تصريح أو مقال بل في كتاب ضمَّنه هذه الهواجس وختمه بالإصرار التالي: «فليعلم جميع الناس، من اقاصي الأرض إلى أقاصيها، أنّ المسيحيين لن يهاجروا ولن يركعوا ولن يكونوا «أهل ذمة»، وليكن ما يكون، ومَن يعش يرَ».

يرفض المسيحيون أن يكونوا درجة ثانية، فكيف إذا جاء مَن يقول إنهم أصبحوا درجة رابعة؟ يحدث هذا «التنمُّر» السياسي والطائفي، في وقتٍ لا يبدو فيه المسيحيون بأفضلِ حال، فلا مكوِّن سياسياً يجمعهم، على غرار ما كان موجوداً أيام الجبهة اللبنانية، وكل مساعي التلاقي تسقط تباعاً، ولكلٍّ منطقه في هذا المجال، البعض يعتبر أن لا لزوم للتلاقي لأنّ كل المحاولات فشلت، وأحياناً أدت إلى نتائج عكسية، والبعض الآخر يعتبر أنه لا مفر من «تكرار المحاولة» لأنّ لا مناص من التلاقي «ولو طال الزمن».

بين المنطقيْن، هل من مجال لمخرجٍ في الوسط، لئلا يستسهل البعض تصنيف المسيحيين على أنهم فئة رابعة؟ إذا كان يستحيل أن يعود الزمن إلى الوراء، بين «جبهة الحرية والإنسان» و»الجبهة اللبنانية»، هل بالإمكان أن يبتكر المسيحيون، أو يبتدعوا، وهُم أهل ابتكار وإبداع لجنة حكماء من قادة رأي ومفكرين، أصحاب سمعة طيبة، لا يخجل حاضرهم من ماضيهم، وليست لهم طموحات سياسية خاصة؟ بإمكان لجنة الحكماء هذه أن تضع ورقة عمل وتوزعها على القادة، ليصلوا من خلالها إلى نظرة متقاربة لكيفية إخراج المسيحيين من فئة يريد «مُحبّون» أن يضعوهم فيها، إلى فئة يفخر بها أبناؤهم ومستقبلهم الذي يُفترض أن يكون واعداً.

أما الأسماء المقترحة للجنة الحكماء، فمن السهولة وضع لائحة بها، إذا ما كان القرار بأن تُبصر النور، ومعيار اختيار شخصياتها ليس صعباً، تذكَّروا أسماء «جبهة الحرية والإنسان»؟

MISS 3