محمد عبيد

هل "حزب الله" في مأزق؟

8 آذار 2024

02 : 00

يبدو أنّ الموفد الأميركي آموس هوكشتاين صار يتقن لغة المراوغة السياسية والإعلامية التي اشتهر بها بعض السياسيين اللبنانيين، إضافة إلى استسهال التنصل من مواقفه حين تدعو المصلحة.

وصل إلى لبنان وخرج بعد لقائه رئيس مجلس النواب نبيه بري ليعلن من على منبر الأخير أنه ليس بالضرورة أن تنسحب الهدنة المفترضة على جبهة غزة تلقائياً على جبهة الجنوب اللبناني. وقد فهم الكثيرون من هذا التصريح وخصوصاً من بينهم «حزب الله» تهديداً مبطناً أنّ إسرائيل لن توقف عدوانها ضد لبنان حتى لو إستجابت للضغوطات الأميركية والأوروبية لوقف عدوانها على غزة. ومن ثم عاد ليلاً ليرسل توضيحات مفادها أنه لم يقصد التهديد وأنه على المعنيين وفي مقدمهم «الحزب» إعتبار هذا التصريح وكأنه لم يكن!

ليس جديداً على الموفدين الأميركيين هذه الواقعية التي بدأ يظهرها هوكشتاين أخيراً في مقاربته لواقع المواجهة القائمة تاريخياً بين لبنان والكيان الإسرائيلي. فمن عايش تجربة الموفد الشهير فيليب حبيب ودوره في إخراج منظمة التحرير الفلسطينية من لبنان يعرف أنّ المدرسة الديبلوماسية الأميركية لديها من التراث التفاوضي «الثعلبي» الكثير مما تختزنه ومما يمكنها أن تستعمله عند الحاجة. فكيف إذا كان هوكشتاين نفسه هو «الوسيط» الذي استطاع أن ينتزع موافقة السلطة اللبنانية على حدود بحرية رسمتها إسرائيل في العام 2011، كذلك أن يُعَلِق لبنان في منتصف بئر إنتظار الحفر والتنقيب في حقل «قانا» المفترض وفي الحقول الأخرى المجاورة في حين بدأ كيان العدو الإسرائيلي إنتاج الغاز من حقل «كاريش» ومن الحقول الأخرى الواقعة شمالي «كاريش». إضافة إلى تكرار النكتة الممجوجة حول مشروع إستجرار الغاز من مصر والكهرباء من الأردن.

ورداً على السماسرة والأبواق التي امتنهت الترويج والإنبطاح أمام أي موفد أجنبي مهما كانت رتبته أو تأثيره في حكومته، سأقتبس حرفياً نصاً كتبه في 4 آذار الجاري الخبير الأميركي في شؤون الطاقة والدول العربية وهو حالياً باحث في معهد «واشنطن لسياسات الشرق الأدنى» «WASHINGTON INSTITUTE» سايمون هندرسون يقول فيه: «ومن المفارقات أنّه لم يكن من الممكن لحقل «كاريش» ولا «شمال كاريش» أن يقعا في المياه الإسرائيلية، لو أصرّ لبنان على ادعائه في عام 2020 بأنّ حدوده البحرية تمتد جنوباً. إلا أنّ المحادثات التي توسطت فيها الولايات المتحدة أقنعت البلدين في تشرين الأول 2022 بقبول الحدود الحالية. علاوة على ذلك تبددت آمال لبنان في تشرين الأول 2023 في العثور على كميات مجدية إقتصادياً من الغاز في حقل «قانا» البحري الذي يقع على مسافة بضعة كيلومترات فقط من «شمالي كاريش». وفي الأسبوع الماضي فقط إنسحب إتحاد الشركات الذي قام بالتنقيب في حقل «قانا» والذي يضم الشركات «توتال إنرجي» (فرنسا)، و»إيني» (إيطاليا) و»قطر للطاقة» من المفاوضات التي تجري مع بيروت بشأن إصدار المزيد من تراخيص التنقيب في المنطقة»...

إنتهى الإقتباس!

هذا المقال الذي أنصح المهتمين بقراءته، يؤكد بما لا يقبل الشك وعلى لسان خبير وباحث وكاتب أميركي أنّ كل الدعاية السياسية التي تلطت خلفها السلطة السياسية لتبرير تنازلها عن حقوق لبنان المشروعة في ثروته الغازية والنفطية، لم تكن سوى كذب بكذب حفاظاً على مصالحها وتجنباً لعصا العقوبات الأميركية، وأنّ مراوغة السلطة السياسية اللبنانية ما لبثت أن إنكشفت وسقط خطابها حول أن لا إستخراج من «كاريش» قبل «قانا»، وأنّ لبنان سينعم بعد التوقيع غير الدستوري على الاتفاق المشؤوم بجنة الإستثمارات التي تخرجه من أزماته المالية والإقتصادية والمعيشية!

اليوم يعود إلى ربوعنا التي تمتع بجمالها في زيارات سابقة الموفد الأميركي هوكشتاين لابساً حلة الواقعية، ومقتنعاً - كما يروج مريدوه - بأنه لا يمكن فصل ساحة المواجهة على الحدود الجنوبية اللبنانية مع كيان العدو عن ساحة غزة، كذلك مؤكداً أنّ الهدنة الموعودة في غزة والتي يمكن أن تمتد على ثلاث مراحل، مدة كل مرحلة منها 45 يوماً، يمكن أن تفيد في بدء البحث عن مخرج يعيد الاستقرار على الجبهة الحدودية الجنوبية كما يسمح للمستوطنين في شمال فلسطين المحتلة كذلك للبنانيين الجنوبيين العودة إلى مدنهم وبلداتهم وقراهم بأمان وسلام!



إختبار جديد

يعود هوكشتاين ليتعامل مع «عدة الشغل» نفسها تقريباً، ويقف مقابله بطريقة غير مباشرة «حزب الله»، وهو اختبار جديد سيواجهه «الحزب» من موقعه كمعني أول وأخير في موضوع الصراع الإستراتيجي ضد كيان العدو الإسرائيلي، بعدما كان إصطفافه خلف عنوان «الوقوف وراء الدولة» في موضوع ترسيم الحدود البحرية قد ترك الكثير من التساؤلات الجوهرية حول مدى وجدوى وقوفه وراء هذه السلطة وليس الدولة في مثل هذه المحطات المصيرية التي لا تُرَسِم حدوداً جغرافية فقط وإنما تُرَسِمُ مستقبل لبنان واللبنانيين ومن ضمنهم المقاومة التي يختصرها الحزب فعلياً بنفسه.

كما يبدو حتى الآن، يلتزم «الحزب» عدم الرد على طروحات هوكشتاين على إعتبار أنّ قيادته أكدت مراراً وتكراراً أنّ أي بحث في المخارج المحتملة للوضع عل الحدود اللبنانية الجنوبية، يبدأ بعد وقف إطلاق النار على غزة وأهلها، وهو أيضاً مرهون بمدى إلتزام حكومة العدو ومن خلفها الإدارة الأميركية بوقف طويل لإطلاق النار، إنطلاقاً من معادلة أنّ العودة إلى العدوان على غزة سيعيد تفجير جبهة الحدود اللبنانية مع كيان العدو تلقائياً.

المكاسب والمغانم

فإذا كانت المكاسب والمغانم التي سيحظى بها لبنان في حال توقيعه على صفقة الحدود البحرية هي المادة الإعلامية والسياسية التي روجها مريدو هوكشتاين في السلطة السياسية، فما هي المكاسب والمغانم التي سيحصل عليها لبنان وبالأخص «حزب الله» في حال تسهيل تسوية تعيد إنتاج الاستقرار والهدوء على الحدود البرية؟ وإلى أي مدى يمكن لـ»حزب الله» التراجع عن مكتسبات إستراتيجية حققها في محطتين أساسيتين في العام 2000 والعام 2006 في مسار الصراع ضد هذا العدو؟

يعلم الأميركي قبل الإسرائيلي أنّ إنتقال كيان العدو إلى حرب مفتوحة مع «حزب الله»، سيؤدي إلى تكبد إسرائيل خسارة مدوية تعيد جيشها إلى حالة الإحباط التي فرضها عليه نصر تموز 2006، على الرغم من الخسائر التي يمكن أن تطال لبنان واللبنانيين عموماً جراء القدرة التدميرية الوحشية التي أظهرها هذا الجيش في غزة. لكن ثَبُت للأميركي قبل الإسرائيلي أيضاً أنّ رسائل التهويل والتهديد لم ثُتنِ «حزب الله» عن نصرة غزة ومساندتها.

ولكن يبقى السؤال المركزي والأهم: هل يمكن أن يقبل «حزب الله» ومعه المقاومون اللبنانيون عموماً بإخراج لبنان من حلبة الصراع الإستراتيجي مع الكيان الإسرائيلي؟ بمعنى آخر إذا كانت دول الطوق قد أُخرِجَت تباعاً من هذه الحلبة بمعاهدات سلام أو نتيجة ظروف موضوعية وظرفية كما هي حال سوريا، فهل جاء دور إخراج لبنان وإسقاط مقاومته من خلال طرح مسار تفاوضي طويل مربوط بتهدئة أمنية وعسكرية مستدامة توفر الإطمئنان المستقبلي للكيان الإسرائيلي؟

قد يكون «حزب الله» هو القوة الفعلية المتبقية في دول الطوق، لذلك فإنّ أي قرار يمكن أن يتخذه سيكون له تأثير عميق وأساسي على ديمومة الكيان الإسرائيلي، وهو تحدٍ لا يمكن أن تحسد قيادة «الحزب» عليه، خصوصاً في ظل الغطاء الدولي والإقليمي المتوفر لإسرائيل في عدوانها على غزة، وأيضاً بعدما سقط جدار المناعة الداخلية بمعاول الفاسدين والمفسدين في السلطة السياسية القائمة.

(*) سياسي لبناني

MISS 3