جاد حداد

Furies... العنف سيّد الموقف

9 آذار 2024

02 : 00

لا يُركّز الفيلم الفيتنامي Furies (الغضب) (عنوانه الأصلي Thanh Soi) على شخصية «تان هوا»، بل يجعلها شريكة في البطولة إلى جانب نجمة العمل الحقيقية «بي» (دونغ أن كوينه)، وهي يتيمة غاضبة تحاول تجاوز صدمة نفسية معيّنة من أيام طفولتها عبر استهداف مجموعة من تجار البشر الساديين بمساعدة ثلاثة من زميلاتها: «تان» (توك تيين)، و»هونغ» (ريما تان في)، وزعيمتهنّ «جاكلين» (نغو تان فان).

يبدو هذا الفيلم باهتاً مقارنةً بالعمل الأصلي Furie الذي صدر في العام 2019، لا سيما في المشاهد التي تضطر فيها الشخصيات للتواصل في ما بينها بعيداً عن أجواء العنف المفرطة. لا يزال مخرج أفلام الحركة كيفي أبريخ قادراً على تقديم بعض اللحظات المبهرة، علماً أنه كان قد صمّم مشاهد القتال في الفيلم الأصلي، لكن لا يترك طاقم التمثيل أثراً عميقاً لدى المشاهدين هذه المرة في المشاهد التي تخلو من القتال.

في مشهد مزعج في بداية الفيلم، تظهر «بي» في صغرها (ثوي لين) حين تخسر والدتها التي كانت تعمل في الدعارة، بعدما يهاجم رجل ثَمِل اسمه «جون» المرأتَين ويضرم النار في المركب الصغير الذي تعيشان فيه عن طريق الخطأ. بعد مرور 15 سنة، تقوم «جاكلين» بإنقاذ «بي» وتتبنّاها مع «هونغ» و»تان». كانت أولئك النساء الأربع قد تعرّضن للاغتصاب أو شكل من الاعتداء الجنسي، ويستحق صانعو العمل الإشادة لأنهم ركّزوا في بعض المشاهد على الرابط القوي الذي يجمع هذه الشخصيات النسائية. في مشهد مؤثر ومشحون بالعواطف، تعود «بي» من شجار وحشي وخارج عن السيطرة لدرجة أن يجبرها الموقف على الاختيار بين الهرب والمواجهة، فتسترجع ذكرى والدتها. هي لا تستطيع التوقف عن لَكْم المحيطين بها، وحتى «تان» تعجز عن إيقافها في تلك اللحظة من دون تحمّل جزء من غضبها.

لا يحمل الأشرار في هذه القصة أي ميزة مبهرة. يقدّم الممثل ثوان نغوين أداءً باهتاً بدور القواد المعروف بسمعته السيئة «ماد دوغ هاي»، ولا يبدو تجّار البشر في محيطه خطيرين أكثر من النساء المعرّضات للخطر. يأتي تحوّل بارز في اللحظات الأخيرة ليضفي عُمقاً سردياً على قصة «جاكلين» وصراع فتياتها مع «هاي»، لكن لا يبدو العداء المتبادل بين الطرفَين معقداً بقدر ما يوحي به للوهلة الأولى. يُفترض أن يكون «هاي» رجلاً عنيفاً، وتبدو الفتيات أشبه بملائكة تريد الانتقام. هم يتقاتلون طوال الوقت، ومن الممتع أن نشاهدهم في لحظات معيّنة.

قد يكون تصميم مشاهد القتال متماسكاً، لكنه لا يحمل الزخم الذي تميّزت به هذه اللقطات في الفيلم الأصلي. تتماشى طريقة التصوير مع إيقاع الأحداث والحركات الجامحة في المشاهد التي تُخرجها فيرونيكا نغو (نجمة الفيلم الأول)، لكن تفتقر معظم مشاهد الحركة إلى القوة رغم القواسم المشتركة التي تجمعها مع لقطات الفيلم الأصلي. عندما يتطلب المشهد أعلى درجات التشويق والإثارة، ينجح أبريخ ونغو في تقديم بعض المشاهد القوية. يسهل أن نتوقع قوة القتال الذي ينتظرنا حين يبدأ المشهد بظهور أحد المعتدين وهو يسحب الدم من عنق الضحية.

كذلك، تتّسم مشاهد القتال بإيقاع منتظم وتترك أثراً عميقاً، حتى لو لم تكن الشخصيات المشارِكة فيها مثيرة للاهتمام بقدر الشجار الذي تخوضه. يتكل مشهد مطاردة بين الدراجات النارية على المؤثرات البصرية في المقام الأول، وهو يعطي الأثر المنشود بفضل تصميمه الممتع. في المقابل، تفتقر المشاهد التي تُركّز على الحوارات بين الشخصيات إلى النوع نفسه من الزخم المتبادل، ما يؤكد على ضعف الجوانب الميلودرامية في الفيلم.

تقدّم نغو وفريقها المؤلف من خمسة كتّاب (من دون احتساب مستشار السيناريو نغوين نغوك لام) أفضل أداء حين تكون الشخصيات في أسوأ حالاتها. في بعض المشاهد القليلة، تحاول «بي» و»تان» و»هونغ» مواساة بعضهنّ البعض أو إظهار تضامنهنّ مع الآخرين بعد انتهاء القتال. لكن من المؤسف أن تكون «هونغ» البطلة الأقل تطوراً مقارنةً بالآخرين، مع أنها الشخصية الأكثر حيوية والأكثر قدرة على تجسيد صراعات النساء من بين البطلات الأربع. هي تتولى تنسيق ملابس «بي» وتضع لها المكياج، حتى أنها تتلقى بعض الطعنات حين يحتدم القتال، لكنها لا تبدو جذابة بقدر «تان» أو «بي»، إذ تشكّل هاتان المرأتان ثنائياً قوياً بينما تبقى «هونغ» أشبه بشخصية ثانوية إلى جانبهما. لكن حتى شخصية «بي» لا تتطور بوتيرة تدريجية وكافية. لن نكتشف مطلقاً ما تعنيه حين تعترف في مرحلة مبكرة من القصة بأنها تستمتع بقتل المغتصبين، فتقول: «أحب قتلهم. كنتُ أخشى أن أستمتع بقتلهم... يسهل أن أغرق في جانبي المظلم».

من الناحية الإيجابية، تكثر مظاهر القوة والشر في مختلف مراحل القصة، وهي لا تقتصر على الشخصيات الشريرة. تحاول «بي» مثلاً مهاجمة «تان» حين تتشاجر معها للمرة الأولى، كما أنهما تصطدمان بالجدران وتدمران الحمّام في لقطات الماضي التي تشير إلى إصابة الشخصية باضطراب إجهاد ما بعد الصدمة. حتى أن «هونغ» تنقذ «بي» من مغتصب محتمل عبر طعنه بالسكين في خاصرته. لو كان هذا الفيلم أكثر سلاسة في طريقة عرضه لمشاهد العنف، كان ليصبح أقرب إلى أعمال المخرج الهولندي بول فيرهوفن المعروف بأفلام العنف المتقنة. تمرّ مشاهد الفيلم المتبقية من دون ترك أي أثر حقيقي، لكن يشمل العمل في مطلق الأحوال ما يكفي من المواد الممتعة لإنتاج جزء آخر منه.

MISS 3