ستيفاني غصيبه

مهرجان الكتاب يطوي صفحته الأخيرة بين الدبلوماسية والموسيقى

11 آذار 2024

02 : 00

الإعلاميّان أنطوان سعد ورانيا الهاشم من الجلسة الأولى (تصوير رمزي الحاج)
طوى مهرجان الكتاب صفحته الأخيرة أمس مع ندوتين عالجتا قضايا السياسة الأميركيّة تجاه لبنان، رافقتها أجواء موسيقية فنية رائعة في مناسبة تكريم شربل روحانا. ولم يختلف اليوم الأخير عن سابقه من ناحية التوقيعات، إذ وقع الدكتور نعيم مغبغب كتابه «النائب جوزف مغبغب واتّفاقية القاهرة»، الأستاذة سهاد فجلون كتابها «رغبات متمرّدة»، الدكتورة آمال عربيد كتابها «رموز العرب والمسلمين الموثّقة على المجوهرات في متاحف العالم»، الشاعر عصمت حسان ديوانه «نهر الحبر»، الأستاذة آمنة نصر كتابها «فتات ضوء، همسات آمنة»، الدكتورة كلود جعجع عبد المسيح كتابها «جذور لم تحترق، للحب وجوه» والشاعرة جمانة نجار ديوانها «مذكرات كعب عالٍ».

خُصّصت الندوة الأولى لمناقشة كتاب الدبلوماسي دايفيد هيل الذي يحمل عنوان «الدبلوماسيّة الأميركيّة تجاه لبنان 1943-2023» بحضور خبراء وسفراء سابقين. وأدار الجلسة كلّ من الصحافيّة رانيا الهاشم ومدير عام «دار سائر المشرق» أنطوان سعد ناشر الكتاب ومترجمه إلى العربيّة.

ورأت الهاشم أنّ «الكتاب شيّق جدّاً»، ووصفته بالإنكليزيّة: The right book at the right time (الكتاب المناسب في الوقت المناسب). وأضافت: «نقد هيل بكلّ صدق وشفافية كلّ الأزمات التي مرّ بها لبنان الكبير منذ نشأته في 1943 إلى 2023، مقسّماً هذه المرحلة إلى ستّ حقبات أساسية. لم يشيطن فئة أو يعطي صكّ براءة لأخرى، مفنّداً المسؤوليّات التي تقع على كلّ الأطراف». واستشهدت بقوله: Lebanon is an old nation, but a new and weak state (لبنان بلد قديم، لكنّه دولة جديدة وضعيفة).

من جهته، فصّل سعد الكتاب، متطرّقاً إلى مسيرة مؤلّفه الذي عُيّن رسمياً للمرّة الأولى في لبنان سنة 1992 عند مقاطعة الانتخابات. وبالنسبة له إنّ النقطة الأهمّ المذكورة في الكتاب هي أنّه «لا يمكن ألّا نكون مرتبطين بما يحدث في الولايات المتّحدة، فما يجري في لبنان يؤثر على المصالح الأميركيّة».

وتلا المداخلات نقاش طويل مع خبرات وتجارب عاشها الحاضرون خلال مسيراتهم المختلفة، حول السياسة الأميركيّة تجاه لبنان بمختلف محطاتها.



تكريم شربل روحانا... عاشق الوتر وخادم الحب

«في اليوم الأخير تقدم الخمرة الجيدة»، هكذا افتتح الدكتور الياس كساب حفلة تكريم الموسيقي شربل روحانا، وهو العلم الثامن والأخير التي كرّمته «الحركة الثقافية» في نسخة مهرجان الكتاب الواحدة والأربعين.

وأمام صالة ممتلئة بمحبّي موسيقى روحانا وأصدقاء الحركة، أكّد كساب أنّ «الموسيقي الفنان لا يجلس وحيداً. عندما يُمسك بآلتِهِ الموسيقية تدور بينهما أحاديث خفية، يخبرها احاسيسه ومشاعره لتكتبها نغمات على اوتارها. فمع كل نقرة وتر تجاوبه هذه الآلة بنغم. فتجمع هذه النغمات بعضها بعضاً، ليولد اللحن الذي لن يبقى سراً بين المؤلف وآلته انما ينتشر كالهواء فيصل الى كل نفس تعشق الموسيقى».


روحانا (إلى المين) خلال تسلّمه شعار الحركة من أبي صالح (وسط) والياس كساب


وأردف: «من يلتقي روحانا لا يمكنه أن يفلت من ابتسامته الدائمة والمحببة، بوجهه المسالم وطبعه الهادئ، الرصين والجدّي، قليل الكلام، دمث الأخلاق، مهذب مثقف، يختار كلماته بدقة كي لا يحرج أو يجرح أحداً».



أمّا مؤسسة ومديرة معهد فيلوكاليّا الأخت مارانا سعد، فروت ما عاشته مع روحانا «الصديق والأستاذ الكبير»، منذ أن التقيا للمرّة الأولى سنة 2012 في مشروع contrebasse voyageur من خلال صديقة مشتركة. وتطرّقت إلى ثلاثة جوانب عايشتها من حياة روحانا، أوّلها كونه «عمشيتيّ»، من بلدتها، مشيرةً إلى أنّ عمشيت خرّجت كبار المبدعين. أمّا الجانب الثاني فتمحور حول «شربل المعلّم». فليس كل أستاذ معلّماً. فالتعليم يقتضي الإنسانيّة والمعرفة والتفاني، وهذا ما يمثله روحانا». وأخيراً: «شربل الفنان الثلاثي الأبعاد: المؤلف الموسيقي والعازف والمغني على المسرح». وختمت سعد: «ما يميزه هو حسه بالمسؤولية قبل الحفلات، فهو يساعد كل فنان على اكتشاف ذاته. شكراً شربل لأنّك مدرسة تُعلّم للأجيال، «بيلبقلك التكريم».


بدورها، اقتبست سهى حداد نعيمه عن ميخائيل نعيمه من «نجوى الغروب»، كيف وصل روحانا إلى تلحين قصيدة «طمأنينة». واحتار الأستاذ حاتم الذيب، صديق روحانا المقرّب، بين «التكلّم عن شربل الفنان أو الصديق المميز». وقال إنّه «شهد على ولادة الكثير من أعماله، ومسيرته الطويلة من العطاء والبحث»، مضيفاً: «يحوّل شربل الوجع في داخله الى فرح يقدمه للناس، فروحه منذورة للموسيقى».

أمّا شقيقه ألبير روحانا، فوصفه بـ»الولد الحالم، كالإسفنجة يمتص كل الأجواء الفنية من حوله. افتتح مسيرته على الأكورديون، إلى أن اختار العود رفيق حياته وطار به من لبنان إلى العالم. هو أخ تشاركت معه مراحل العمر. لم تغره الألقاب، ولم تغيره الشهرة».


بعدها، اعتلى المنبر الفنان مارسيل خليفة الذي شدّد على أنّ «شربل لا يتبدّل، هو مثلما كان، يحمل صمته وحكمته». وسأل: «من يكرم من يا شربل الجميل؟ أنت عشت ببساطة القديسين قنوعاً، فطوبى لك أيها الولد البريّ. لقد تصفحت ديوان عودك. إذهب إلى ما تريد أن تكون. شربل صديقي، العبث ضروري كي تكون. فهل كنت ستكون لولا الجنون؟».


وكانت أيضاً مشاركات وشهادات من خارج لبنان من زملاء روحانا وأصدقائه من تركيا واليونان والعراق وكندا والأردن ومصر وفلسطين، ومن ابنته في بولندا.

وجاء دور المكرّم، الذي بدأ بقصّة طريفة مع الراحل أنطوان ملتقى وزوجته لطيفة، ليسأل: «هل أنا مستحق لهذا التكريم؟». لكنّه قبل أن يجيب، ردّ الجمهور بصوت واحد وكأنّه أوركسترا قادها روحانا من دون علمه: «مستحق ونص». وأضاف روحانا: «أنا لم أفعل شيئاً لأستحق التكريم، إلّا أنني شعرت بالفرح الداخلي في التعليم وتحضير المناهج والعزف. لكنّ الحياة علّمتني أن افرح بمن يشاركك فرحي الداخلي».

وأهدى شعار «الحركة» إلى والديه هيفاء ويوسف، «الحاضرين دائماً في الماضي والحاضر والمستقبل». وتعهّد بأن يمكث شعار الحركة في كلّ شهر من هذه السنة في مكان ما: «الشهر الأول عند أختي ماريا التي ساعدت والديّ في تربيتنا، الثاني عند أختي عفاف التي ساعدتني لأنجو من عقابات أمّي، الثالث عند أخي الكبير بطرس الذي فرش لي قصائده، الرابع عند أخي بولس الذي أخذني بيدي إلى أول تمرين موسيقي، الخامس عند أخي جان الذي اشترى لنا أول تلفاز، السادس عند أختي لور التي اهتمت بنا أثناء الحرب الأهلية. أمّا السابع فعند أخي فادي الذي اشترى لي أول اكورديون والثامن عند أخي البير الذي من كثرة الأمور التي نتشاركها لا يمكنني أن احدّه بصفة والتاسع عند أختي روز التي تغمرنا بحبها والشهر العاشر، فعند من يأخذ مني المساحة الأكبر، ولديّ وزوجتي. وأخيراً الشهر الحادي عشر عند أختي باسكال التي غرت منها يوماً لأتعلّم أن لكل ولد مكانه».

وختم: «أهدي هذا التكريم لأقربائي وأساتذتي وخصوصاً مارسيل وأنطوان خليفة. فلا أعلم إن كنت اخترت آلة العود وإن كنت كتبت ما كتبت لولا ما التقيت مارسيل خليفة. خاتماً: «الحب والنغم كلاهما أرشداني إلى حريتي، فأتمنى أن أكمل بالأشياء التي أفعلها لا أفتعلها، وبذلك أنال التكريم الأثمن».

وانتهى التكريم بعزف قاده روحانا تفاعل معه الجمهور غناءً وتصفيقاً.


أمين عام الحركة جورج أبي صالح

جورج أبي صالح: المهرجان استعاد عافيته

بعد عشرات الأيام من الندوات والتواقيع والنشاطات المختلفة، يكون بذلك اخُتتم مهرجان الكتاب لهذا العام على أمل اللقاء السنة المقبلة. وفي نظرة إلى هذه النسخة الواحدة والأربعين، رأى أمين عام الحركة جورج أبي صالح في حديثه لـ»نداء الوطن»، أنّ «مهرجان الكتاب يكاد يكون الحدث الإيجابي الوحيد في ظلّ تطورات حرب غزة، وتطورات شغور رئاسة الجمهورية اللبنانية، وتعثّر كل الحلول المجتزأة والمرتجلة لمعضلة انهيار العملة الوطنية، والإرتفاع الجنوني والصاروخي لأسعار السلع. فهذا المهرجان يشكل العلامة الفارقة الوحيدة بل المنارة الوحيدة الساطعة وسط هذا المشهد الظلاميّ المقيت من حياتنا العامة».

ومن ناحية الأرقام، أكّد أبي صالح أنّ «نسخة هذا العام استضافت نحو 40 مشاركاً من دور نشر ومكتبات وجامعات ومراكز أبحاث خاصة وعامة، إضافةً طبعاً الى المنصّات الثابتة، وهما الجيش وقوى الأمن الداخلي، رمزَيْ سيادة الدولة اللبنانية التي لا بديل أو غنى عنها». كما أشار إلى أنّ «حركة البيع كانت مرضية جداً، وعلامات الارتياح بادية بوضوح على وجوه جميع الناشرين المشاركين».

واعتبر الأمين العام أنّ «المهرجان استعاد هذه السنة كامل عافيته بعد الأزمات، مع توقيع 122 مؤلِّفاً كتبهم الصادرة حديثاً، واستئناف الحركة إصدار منشوراتها بوتيرة طبيعية، و21 ندوة فكرية، وتكريم 8 أعلام ثقافية من لبنان».

MISS 3