باتريسيا جلاد

مجلس النواب أعفاهم من الغرامات وترك الباب مفتوحاً للتهرّب

ضريبة على أصحاب الثروات لا تُجبى منذ 1959

11 آذار 2024

02 : 00

  • لبنان لا يتلقّى راهناً المعلومات بصورة تلقائية من الدول الشريكة لأنه لم ينجز الخطوات اللازمة سيما موجب وآليات المحافظة على سرية المعلومات
  • وزارة المالية تتلكأ عمداً في تسريع التبادل التلقائي لتلقّي المعلومات عن الحسابات الأجنبية للمقيمين في لبنان وتؤجّل بلا سبب تلبية الشروط اللازمة
  • غرابة شديدة تحيط بعدم صيانة برنامج المعلوماتية الخاص بالضريبة المذكورة بعد توقفه لفترة عامين وعدم شراء برنامج جديد بقيمة 300 ألف دولار
  • مثال توضيحي: يمكن جباية 400 مليون دولار سنوياً من تلك الثروات في حين أن الموازنة تُغرق المستهلكين والمواطنين العاديين بالضرائب والرسوم


في حين تبحث خزينة الدولة عن «فلس الأرملة» لزيادة إيراداتها وتسديد النفقات المترتّبة عليها ومساندة مؤسسات القطاع العام التي تتهاوى مثل البنى التحتية والقطاعات الصحّية والتعليمية... لا يزال نظام الـCRS المعروف بـCommon Reporting Standard المعيار الموحد للإفصاح الضريبي المشترك أو الموحد للمعلومات (AEOI)، بين السلطات الضريبية في ما يتعلق بالحسابات المصرفية على المستوى العالمي، والذي يدرّ الى الخزينة مئات ملايين الدولارات، على الرفّ وغير معمول به.

فبعض الذين يتوجّهون للتصريح طوعاً عن الإيرادات التي يحققونها بهدف تسديد الضريبة المتوجبة على إيرادات الأموال المنقولة المحققة في الخارج، أي على أرباح الأسهم والسندات والفوائد المصرفية المحصّلة في الخارج، يكتشفون بأن تلك الضريبة لا يمكن تحصيلها بعد بسبب التغيير الحاصل في عملة التسديد بعد أن فرضت المادة 87 من قانون الموازنة النافذ حكماً رقم 10 تاريخ 15/11/2022 تحصيلها بالعملة الأجنبية المحققة فيها وعدم إنجاز الآلية المخصصة بعد وسيما من حيث المكننة.

عدم استيفاء الشروط


أما التبادل التلقائي لتلقي المعلومات عن الحسابات الأجنبية للمقيمين ضريبياً في لبنان للتأكد من أصولية التصريح فلم يسر العمل به بعد والسبب عدم استيفاء لبنان لشروط المرحلة الثالثة (Level 3) من المراجعة الميدانية للإجراءات (Peer Review) الخاصة بآليات المحافظة على سرية المعلومات التي وضعتها منظمة التعاون والتنمية الإقتصادية الـOECD التي تسعى الدول المنضوية فيها الى الحدّ من التهرّب الضريبي عن طريق التعاون البناء والتنسيق من خلال معاهدات ثنائية أو متعددة الأطراف. فيلجأ بعض الأشخاص لا سيما المجموعات الضخمة الى التهرب الضريبي عبر تمرير الأرباح الى بلاد تكون الضريبة فيها معدومة أو متدنية.

يريدون الدفع... ولكن


وفي السياق أقدم، على سبيل المثال لا الحصر، الاستاذ المحاضر في قانون الضرائب والمالية المحامي كريم ضاهر على التصريح ضمن المهلة المنصوص عنها فتمكن فقط من التصريح ولكن طبعاً لم يتمكّن بعد من تسديد الضريبة، في حين أن رئيس مجلس الإدارة والرئيس التنفيذي لمجموعة I&C Bank بنك الاستثمار وكابيتال جان رياشي، صرّح عن إيرادات 2022 في شهر شباط المنصرم وصدر أمر الدفع مع مهلة لغاية 31/12/2023 ولم يتمكّن من التسديد.

هناك سببان


أما السبب فيعود كما أوضح مصدر في المالية لـ»نداء الوطن»:

1- ضرورة صيانة برنامج المعلوماتية الـSoftware بعد توقفه لفترة عامين أو شراء برنامج بقيمة 300 ألف دولار.

2- إنجاز بعض الإلتزامات المطلوبة ضمن الخطة الموضوعة. فلبنان ضمن الإتفاقية ولكن بمرحلة إرسال المعلومات الى الخارج عن المقيمين في لبنان وليس الحصول على المعلومات.

كيفية الإحتساب


يوضح المحامي ضاهر لـ»نداء الوطن» أنه استناداً الى المادة 87 من قانون موازنة 2022 رقم 10 النافذ حكماً تاريخ 15/11/2022 والتي تمّ التذكير فيها في المادة 41 من قانون موازنة 2024 فإن الضريبة بالنسبة لتلك الإيرادات تجبى بالعملة الأجنبية مباشرة بالدولار أو باليورو. وتتم العملية الحسابية كالتالي:

- يتمّ احتساب الربح السنوي المحقق من التوظيفات في رؤوس الأموال المنقولة في كل الدول المستثمر فيها والعائدة للمقيمين في لبنان وأعلنوا أنهم مقيمون ضريبياً فيه ولو كانوا يعملون خارج البلاد.

- يحتسب فقط الجزء الموظف أو الناتج من تلك التوظيفات في رؤوس الأموال المنقولة (ما عدا الإيرادات الناجمة عن الثروات العقارية والأراضي والمنازل غير الخاضعة لضريبة رؤوس الأموال المنقولة)، تكون إما بحسابات مصرفية أو إئتمانية تعطي فوائد أو موظفة في البورصة، كما لديهم مساهمات في شركات تجارية أو صناعية أو حتى عقارية إذا كانت بشكل شركات أموال، والكل يعلم أن تلك الحالة تنطبق على الكثير من رجال أعمال لبنانيين ومقيمين في لبنان وسياسيين لديهم مصالح بشركات كبيرة في الخارج تحقق أموالاً وإيرادات كبيرة.

- عند توزيع أرباح الأدوات المالية وهي إيرادات رؤوس أموال منقولة عندها تخضع للضريبة بنسبة 10% في لبنان يسدّدها المكلفون وفقاً للأصول المفروضة.

للمثال فقط

يشرح ضاهر على سبيل المثال والبيان فقط، إذا كان اللبنانيون المقيمون على الأراضي اللبنانية الذين لديهم مصالح في الخارج وحسابات كتلك المشار إليها بقيمة مجمعة تبلغ نحو 50 أو 70 مليار دولار مثلاً. اذا كان متوسط الإيرادات على تلك المصالح من الأرباح والفوائد تتراوح بين نسبة 6 أو 7% سنوياً أي ما يقارب نحو3,5 أو 4,5 مليارات دولار عندها يتمّ تحصيل نسبة 10% ضريبة عليها أي تقريباً 400 مليون دولار في حال حصل تحصيل وامتثال تام للضريبة.

ليست جديدة

إن الضريبة المترتبة التي يمكن تحسين جبايتها من خلال نظام الـCRS ليست بالجديدة كما يعتقد البعض وهذا ما أكّده المحامي ضاهر، فهي منصوص عليها في قانون ضريبة الدخل منذ العام 1959 وتحديداً في الباب الثالث منه، من المادة 77 الى المادة 82. ونصّت تلك المواد على أن كلّ مقيم على الأراضي اللبنانية، يستحصل على إيرادات من رؤوس أموال منقولة موظفة في الخارج كعائدات الأسهم التي تأتيه من شركات اجنبية وسندات أجنبية أو فوائد عن حسابات مصرفية في الخارج، تخضع لضريبة بمعدّل 10% على قاعدة سنوية. أما التصريح عنها فمن المفترض أن يكون قبل بداية آذار من كل عام يتبع سنة التكليف على أن يكون التسديد قبل بداية نيسان، واذا لم يتمّ التصريح وتسديد الضريبة تستتبعها غرامة التحصيل وغرامة التحقّق لغاية التسديد.

تسوية على الغرامات


ولكن، يقول ضاهر، في ظلّ صعوبة تسديد الضريبة على رؤوس الأموال المنقولة المتأتية من الخارج (موضوع المواد 77 الى 88 من قانون ضريبة الدخل)، والتصريح عنها، أعطت المادة 41 من قانون موازنة 2024 تسوية على الغرامات لمن لم يصرح لغاية تاريخ صدور الموازنة ونشرها في 15/2/2024 شرط ان يصرّح ويسدّد كل الضريبة المتوجبة عليه على تلك الإيرادات على اختلاف أنواعها التي حصلوا عليها ولم تسقط بمرور الزمن ولم يصرحوا عنها ولم يسدّدوا الضريبة المتوجّبة عليها، وذلك ضمن شتة أشهر كحد أقصى. والفترة الزمنية لتدارك حقوق الدولة ومرور الزمن هي 5 سنوات للمسجلين بوزارة المالية لهذه الضريبة لأنه لدينا نظام ضرائب نوعية لها آلياتها وأصولها الخاصة، أو 7 سنوات لمن لم يسجّل في الوزارة. أي يمكن العودة 5 أو 7 سنوات إلى الوراء والتدقيق ما خلا حالة تعليق المهل خلال سنتي 2021/2022.

والمادة كانت واضحة إذ فرضت أن تسدّد المبالغ ضمن مهلة 6 أشهر من تاريخ نشر القانون 15/2/2024 من دون أن تترتّب على المصرّح غرامة التحقق وفق التعديلات الأخيرة التي ادخلها قانون الموازنة، وغرامة التحصيل».

وحددت المادة 41 شرط التقيّد ان تسدّد الضريبة عن سنة 2022 وفقاً لما نصّت عليه المادة 87 من قانون موازنة 2022 أي بالعملة الأجنبية اي بالدولار أو اليورو وفقاً للحال. وحكماً فإن أرباح سنة 2023 يجب أن تكون بالعملة نفسها أي الدولار أو اليورو التي ستحقّق فيها الأرباح (توزيع أرباح الأسهم أو الأرباح المتأتية من السندات والفوائد او التفرّغ عن السندات والفوائد المصرفية وعلى الحاسبات الإئتمانية وغيرها من أرباح رؤوس الأموال المنقولة)».

أهمية تبادل المعلومات

إن آلية تبادل المعلومات الضريبية أمر بالغ الأهمية، إذ إنه يتعلق من جهة بزيادة إيرادات الدولة من خلال التأكد من تسديد ضريبة على الإيرادات المتأتية من توظيف الأموال المنقولة في الخارج للمقيمين في لبنان، التي هي خاضعة كما أسلفنا للضريبة على الدخل بنسبة 10% سنوياً عملاً بأحكام المواد 77 إلى 82 من قانون ضريبة الدخل (المرسوم الإشتراعي رقم 144 تاريخ 12/6/1959 مع تعديلاته)، وتسدد منذ 2023 بالعملة الصعبة بعد التعديلات الحاصلة بموجب المادتين 19 و87 من قانون موازنة سنة 2022.

ويقول ضاهر إن «المدة الزمنية للتصريح قبل أول آذار والتسديد للضريبة قبل نيسان بدت غامضة للبعض فاعتقدوا أن تلك الضريبة هي جديدة فيما أنها تعود الى سنوات طوال».

لبنان يرسل معلومات إلى 64 دولة شريكة منذ 2018

بدأ لبنان إستناداً الى المحامي كريم ضاهر، بإرسال المعلومات تلقائياً الى نحو 64 دولة شريكة، اي المعلومات المالية والمصرفية عن حسابات في لبنان للمقيمين على أراضيه ويزودها بالمعلومات، بعد ان دخل الى المنتدى العالمي للشفافية (Global Forum) بموجب القانون رقم 55 تاريخ 27 /10 /2016 «.

ويوضح أنه «ابتداء من العام 2018، يرسل لبنان كل عام المعلومات التي بحوزته الى كل الدول الشريكة له. وحصل على اشادة بهذا الالتزام من قبل المنتدى العالمي عام 2022 بعد مراجعة ميدانية (Peer Review) اجرتها الامانة العامة للمنتدى لتتأكد من حسن التنفيذ والالتزام بالنسبة لكيفية التطبيق وارسال المعلومات سواء غب الطلب أو تلقائياً، وتم التنبيه الى عدم إتمام شروط وآليات تلقي المعلومات الخاصة بالمكلفين المقيمين ضريبياً في لبنان. وبهذه الطريقة يطبق نظام crs من طرف واحد أي أنه لا يستقبل لبنان المعلومات المختصة بالمقيمين عنده (الذين يملكون ايرادات ورؤوس أموال منقولة في خارج لبنان)»، مشدداً على أن «المعركة الموجودة هي أن يفعّل لبنان الآليات التي تسمح بتسلم المعلومات المالية الخاصة بمكلفي الضرائب لديه من الدول الشريكة، حيث تتواجد اموال واستثمارات هؤلاء المنقولة كما يلتزم لبنان نفسه راهناً بتسليم المعلومات المطلوبة منه إلى تلك الدول مما سمح لها بكشف وفضح كل حسابات المقيمين لديها الموجودة في المصارف والمؤسسات المالية في لبنان (تتولى هذا الامر هيئة التحقيق الخاصة وهيئة الاشراف على شركات الضمان بوزارة الاقتصاد ووزارة المالية).

موجب الحفاظ على سرية المعلومات

لبنان لا يتلقى راهناً المعلومات بصورة تلقائية من الدول الشريكة لأنه لم ينجز الخطوات اللازمة لحصول ذلك وسيما موجب وآليات المحافظة على سرية المعلومات (بحسب التقرير الذي صدر في 2022). غير أنه وإلى حين تحقيق الشروط المطلوبة وإستكمال خطة العمل المتوافق عليها مع منظمة التعاون والتنمية الإقتصادية الـOECD في كانون الأول سنة 2019 لا شيء يحول دون تفعيل التبادل غب الطلب في موضوع الإتفاقية المتعددة الأطراف للتعاون التقني في المجال الضريبي (MAC) المنضوي لبنان فيها. وبالتالي قيام وزارة المالية بإعداد قائمة بأشخاص لديها شكوك بتهربهم من تسديد الضرائب المتوجبة عليهم وطلب معلومات مفصلة عن مصالحهم وحساباتهم في تلك الدول الأعضاء (يفوق العدد 170 دولة) ومنها أهم المراكز المالية والملاذات الضريبية.

وفي حال إمتناع أو تغاضي الوزير عن القيام بالمهام فعلى النواب مساءلته بهذا الخصوص كما وبموضوع إستكمال شروط ومراحل تنفيذ خطة العمل للتبادل التلقائي، وهذا يدخل في صلب مهام النائب الممثل للمواطن والمكلف والمؤتمن على ماله العام ومصالحه وكيفية جباية ضرائبه وصرفها وزيادة الثروة وحسن توزيعها.

MISS 3