"بديل": كي لا تقع الكارثة!

خارطة لإنقاذ قطاعَي الإتصالات والكهرباء

02 : 00

  • الإفتقار إلى إطار تشريعي يحدد عمل الشركات المملوكة للدولة وحوكمتها يؤدي إلى ترسيخ الغموض المحيط بالرقابة والمساءلة
  • إن نموذج الملكية اللامركزية الذي تديره وزارات ووزراء يحجب تضارباً مثيراً للقلق في المصالح وسوء حوكمة
  • حقيقة الأمر التي لا يمكن تجاهلها هي أن إصلاح المؤسسات المملوكة للدولة يقع في قلب ضرورات الإنتعاش الإقتصادي





نشرت منصة «بديل» دراسة أعدتها الباحثة ليونورا مونسون تحت عنوان «كي لا تقع الكارثة... خارطة لإنقاذ قطاعي الإتصالات والكهرباء في لبنان» . وفي ما يلي الملخص التنفيذي للدراسة:

تعاني الشركات المملوكة للدولة في لبنان من مشاكل جمّة، تضعها في حالةٍ حرجة للغاية إذ أنّها ترزح اليوم تحت ضغط سوء الإدارة والاضطرابات الماليّة وعدم الكفاءة النّظاميّة. وقد أدى الافتقار إلى إطار تشريعي يحدد عمل الشركات المملوكة للدولة وحوكمتها إلى ترسيخ الغموض المحيط بالرقابة والمساءلة. فضلاً عن أن نموذج الملكية اللامركزية – الذي تديره ظاهرياً وزارات فردية – يحجب تضارباً مثيراً للقلق في المصالح، حيث تقوم هذه الوزارات بتنظيم وامتلاك هذه الشركات في نفس الوقت؛ وهذا يتعارض بشكل واضح مع المعايير الدولية ويسلط الضوء على قضايا خطيرة تتعلق بالحوكمة. وبالتالي ينعكس هذا على تصنيف الشركات المملوكة للدولة باستمرار ضمن الأولويات القصوى لصندوق النقد الدولي للعمل الفوري في لبنان.



صندوق النقد

وقد كان صندوق النّقد الدولي قد وجّه تقريراً تحذيرياً حاداً للحكومة اللبنانية، في حزيران 2023، جاء في مضمونه أنّه: «من دون إصلاحات هيكلية للشركات المملوكة للدولة، فإن الظروف المعيشية اللبنانية سوف تتدهور أكثر نظراً للتأثير المتتالي على الخدمات العامة». والآن، وبعد مرور 8 أشهر على صدور التقرير، لم تتحقق الوعود الوزارية لصندوق النقد الدولي بتعيين الهيئات التنظيمية وإجراء عمليات التدقيق وإجراء مسح لممارسات الإدارة المؤسسية مما كان من شأنه أن يقوّض التأثيرات المتتالية التي حذر منها.

كما لم يحدّ من فساد الوزراء الحاليين في حكومة تصريف الأعمال في لبنان، الذين استمروا في اتباع تقليد راسخ وهو جعل الشركات المملوكة للدولة أداة رئيسة للفساد في الدولة. إذ تشمل الأولويات الوزارية الحفاظ على شبكات المحسوبية والعلاقات، ومركزية السلطة داخل مكاتبهم، وتحويل اللوم عن أوجه القصور في خدمات المرافق العامة. وبالطبع، فإنّ نتيجة كلّ هذه التراكمات كانت أهمال الوزارات الإصلاحات العاجلة لتعزيز توفير الخدمات العامة الأساسية بطريقة عادلة وشفافة.

الكهرباء والفساد

إنّ الاطلاع على تاريخ مؤسسة كهرباء لبنان وحدها كفيلٌ بأن يكشف لنا فساد الدّولة ومؤسساتها، إذ تستمر عمليات سوء تخصيص الأموال وعدم الكفاءة، ومقاومة عمليّات التدقيق الخارجي حتى هذا اليوم، مما يؤدي إلى خسائر مالية فادحة، تخطّت آخرها الـ 40 مليار دولار من الدين العام للبنان بحلول عام 2018. لم تنته المسألة هنا، فقد وصلت الاضطرابات إلى ذروتها وسط الأزمة المالية الحاليّة في لبنان، مع مقترح لتغيير تعرفة الكهرباء فشل في معالجة الأسباب الأساسية، مما ترك المواطنين يتصارعون مع انقطاع التيار الكهربائي اليومي. وبالفعل فإن فقر الطاقة أصبح الواقع الحالي في جميع أنحاء البلاد، وفقاً لـبحث لـ «هيومن رايتس ووتش». وبالتالي فإن لبنان تكبّد دفع التكلفة ببيئته وصحة شعبه وثرواته.

تصنيف عالمي سيّئ

أما بالنسبة للسلطات التنظيمية التي تم تشكيلها منذ عام 2002 فليس لها أيّ تواجد اليوم، حيث تتولى الوزارات أدوارها، مما ساهم في وضع لبنان ضمن تصنيف عالمي سيئ للغاية في مجال الحوكمة والتنظيم. إذ لا تقتصر المشاكل على شركة الكهرباء فيه والأقبية التابعة لها بل ينطبق الشيء عينه على شركة الاتصالات المملوكة للدولة، مثل (Ogero) و(MIC1) (Alfa)، و(MIC2) و(Touch)، التي تعاني جميعها من تحديات الإدارة وسوء الإدارة المالية، رغم أنها تولد إيرادات كبيرة. وقد وثّق تقرير لاذعٌ صدر في نيسان 2022 من قبل ديوان المحاسبة اللبناني، سوء تخصيص الأموال العامة من هذه المؤسسات المملوكة للدولة والانتهاكات القانونية من قبل وزارة الاتصالات.

ضرورات الإصلاح

لا يمكن تفادي هذه المشاكل من دون إرساء التدابير اللازمة للشفافية والمساءلة أولاً، بما في ذلك عمليات تدقيق خارجي تجريها شركات دولية ذات سمعة جيدة، بدعم من محكمة عليا تتمتع بالصلاحيات لمراجعة الحسابات. إن تعيين هيئات تنظيمية مستقلة للقطاع، تلتزم بمعايير منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، من شأنه أن يوفر الفصل المطلوب بشدة بين السلطات ويضمن حيادية القرارات الصادرة.

إن إصلاحات الحوكمة المؤسسية، المستوحاة من المبادئ التوجيهية لحوكمة الشركات الصادرة عن منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، ضرورة أساسية لعمل الشركات المملوكة للدولة بشكل مستقل وشفاف. ومن شأن استعادة سلطة تحديد التعريفات للهيئات التنظيمية أن يمنع الزيادات غير المنتظمة وأن يعمل على مواءمة التكاليف مع ظروف السوق. ومع ذلك فإنه من المهم الأخذ بعين الاعتبار أن هذه التعريفات وحدها لا تستطيع إنقاذ القطاعات جميعها، بل من الضروري إجراء إصلاح شامل يتضمن عمليات التدقيق السنوية والتنشيط التنظيمي وإصلاحات الحوكمة، فضلاَ عن سنّ قانون جديد للشركات المملوكة للدولة يترافق مع هذه الخطوات التدبيريّة ويحددّ أطر عملها وينظّمها.

الخصخصة

أمّا بالنسبة للخصخصة – ورغم كونها حلاً محتملاً – فهي تتطلب تخطيطاً دقيقاً. إن غياب استراتيجية وطنية، وبيئة تنظيمية سليمة، وأطر واضحة لمكافحة الفساد، تستلزم اتباع نهج حذر، كي لا تتكرر الأخطاء الماضية. وينبغي على المجلس الأعلى للخصخصة، معززاً بالرقابة التنظيمية، أن يوجّه هذه العملية، ويضمن تخصيص العائدات بشفافية وبما يتماشى مع أهداف السياسة العامة. وعلى هذا المجلس والتابعين له، أن يحيدوا عن ما يسمى بـ «الصندوق السيادي» الذي يبدو جلياً أنّه ليس في مصلحة العامّة والذي – رغم ذلك – لا يزالُ يقترحه القطاع المصرفي والعديد من السياسيين، والذي سيشهد استخدام أصول الدولة لتغطية الالتزامات المستحقة على البنوك التجارية.

قد لا يبدو إصلاح المؤسسات المملوكة للدولة ظاهرياً أولويّة فوريّة، اليوم، وسط الأزمة المالية الحادة التي تعيشها البلاد، ومع تضخم بنسبة 252% تقريباً وانهيار فيض قيمة العملة بنسبة 90%. كلّ هذا مشروع، لكنّ حقيقة الأمر التي لا يمكن تجاهلها هي أن إصلاح المؤسسات المملوكة للدولة يقع في قلب الانتعاش الاقتصادي، خاصّةً في لبنان حيث تراكم هذه المؤسسات الديون وتوابعها وتعزّز المحسوبية في القطاع العام. وبالتوازي فإن كلا الجانبين – أي الشركات المملوكة للدولة والدولة اللبنانية نفسها – يساهمان اليوم في ترسيخ الأزمة الحالية وسيطرة النخبة على الدولة. ومن دون إصلاح حقيقي للشركات المملوكة للدولة، ليس هناك أمل كبير في أن يتعافى لبنان حقاً من مأزقه الحالي، ناهيك عن توفير الخدمات الأساسية لشعبه.

زيادة أسعار الشحن تتجاوز تكاليف تغيير المسار

سترتفع أرباح شركات الشحن العالمية على المدى القصير مستفيدة من زيادة أسعار الشحن، التي تتجاوز تكاليف تغيير المسار بعد الهجمات المستمرة على السفن التجارية في البحر الأحمر، وفق وكالة فيتش، التي لا تتوقع حدوث تحولات هيكلية في القطاع.

جرى تحويل ما يقرب من نصف جميع سفن الشحن والناقلات بعيداً عن البحر الأحمر إلى طرق بديلة حول رأس الرجاء الصالح في أعقاب الهجمات على السفن التجارية في مضيق باب المندب، حسبما ذكرت وكالة التصنيف العالمية في تقرير.

نتيجة لذلك، ارتفعت أسعار شحن الحاويات، إذ صعد مؤشر الحاويات العالمي، الذي يقيس التغير في أسعار الشحن عبر المسارات الرئيسية، بنسبة 151% منذ أوائل تشرين الاول 2023 إلى الآن. وزادت الأسعار على الطرق بين آسيا وأوروبا بنسبة 284%، وأكثر من الضعف على الممرات الرئيسية الأخرى بين الشرق والغرب.

أدى تغيير مسار المرور حول أفريقيا إلى زيادة وقت العبور لحركة الحاويات على الطريق بين آسيا وأوروبا بنحو 50%.

تعتقد الوكالة أن الاضطرابات في البحر الأحمر، أو تلك التي حدثت في قناة بنما بسبب الجفاف، من شأنها أن تعمل على استمرار ارتفاع أسعار الشحن لفترة أطول. علاوة على ذلك، فإن تضخم تكاليف التشغيل وارتفاع رسوم الموانئ وارتفاع تكاليف الامتثال للوائح البيئية سوف تدعم أسعار الشحن قليلاً على المديين المتوسط والطويل، وفق التقرير. تتجاوز الزيادات الأخيرة في أسعار شحن الحاويات التكاليف الإضافية لتغيير المسار، وستعزز الربحية على المدى القريب لشركات الشحن ومؤجري السفن، حسب التقرير.

قدرت الوكالة أن تكاليف تشغيل شركات الشحن على الطرق المتأثرة قد زادت بنحو 50%، أقل بكثير من الزيادات الفعلية في الأسعار.

وشدد التقرير على أن «حل الصراع في الشرق الأوسط وتعافي عبور قناة السويس إلى مستويات ما قبل الصراع يمكن أن يقلل من أسعار الشحن وأرباح شركات الشحن».

دفع تحويل العديد من شركات الشحن مرور سفنها حول رأس الرجاء الصالح، أوقات التسليم إلى الزيادة بمقدار 10 أيام أو أكثر في المتوسط، مما أضر بالشركات ذات المخزون المحدود. وقال الصندوق، إنه في حال استمرار الوضع، فإن الآثار المتتابعة لهذه الاضطرابات يمكن أن تعرقل مؤقتاً بعض سلاسل التوريد في البلدان المتضررة وتتسبب في ضغوط تدفع إلى صعود التضخم (ويرجع ذلك جزئياً إلى ارتفاع تكاليف الشحن).

MISS 3