جو حمورة

أردوغان يودّع الأتراك: هذه آخر انتخابات لي

12 آذار 2024

02 : 00

مرّت حياة أردوغان بالكثير من المطبّات والنضالات (أ ف ب)

بعد فوزه في أكثر من 12 عملية انتخابية متتالية، أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن الانتخابات البلدية المقبلة ستكون الأخيرة له. وعلى الرغم من أن وعود الساسة الشرقيين غالباً ما تكون «شراء للوقت» ويمكن التراجع عنها بسهولة، إلا أن العالِم بالثقافة السياسية العامة في تركيا يعرف أن نمطها العام غربي، ولا تتحمل مثل هذه الأمور.

سيغادر أردوغان السلطة بعد انتهاء ولايته الأخيرة كرئيس للجمهورية التركية عام 2028. هذه «الجمهورية الثانية»، كما يُحب كارهو مؤسِّس «الجمهورية الأولى» مصطفى كمال أتاتورك القول، هي التي وضع الرئيس التركي الحالي أسُسها بالنضال الطويل والشاق، خصوصاً ضدّ المؤسسة العسكرية التركية ذات النفوذ العميق في الدولة، والتأثير الكبير على المجتمع.

مرّت حياة أردوغان بالكثير من المطبات والنضالات، فاختبر كلّ شيء يمكن أن يختبره رجل سياسي. من بائع بطيخ فقير على عربة في حيّ «قاسم باشا» الاسطنبولي، إلى النضال في الحركات الطلابية الإسلامية، والاعتقال لعدة أشهر عندما كان رئيس بلدية إسطنبول، ثمّ تأسيس حزب «العدالة والتنمية» عام 2001 والوصول إلى السلطة، فتعزيز قدرة بلاده وتحديثها وحكمها كما يشتهي. لم يخلُ الأمر، طبعاً، من ضحايا كُثر ذهبوا ليحقق أردوغان ما يصبو إليه، فكانت حال حقوق الإنسان والأقليات والمرأة في تراجع مستمرّ، على الرغم من تقدم تركيا وتزايد قوتها الداخلية ونفوذها الإقليمي مقارنة بالعقود الماضية.

شهد يوم الجمعة الفائت المناسبة الأولى التي تكلّم فيها الرئيس التركي عن موضوع مغادرته السلطة، وهو موضوع يحاذر كثيرون التحدث علناً عنه في تركيا. قال أردوغان أمام حشد من «مؤسسة الشباب التركي» ذات الميول المحافِظة، والتي تُعد الذراع الشبابية الأساسية التي اعتمد عليها أردوغان خلال سنوات حكمه، إنّ «الانتخابات البلدية المقبلة هي آخر انتخابات لي، بموجب التفويض الذي يمنحه القانون... أمّا النتيجة التي ستتمخض عنها، فستكون نقل الإرث إلى أشقائي الذين سيأتون بعدي».

ويشارك الأتراك في الانتخابات البلدية في 31 آذار الحالي، بحيث يخوض معظم الأحزاب الانتخابات بشكل متفرّق، وبلا تحالفات مهمة. أمّا المعارك الأساسية، فهي في العاصمة أنقرة وفي المدينة الأكبر إسطنبول، حيث خسر حزب «العدالة والتنمية» الحاكم هاتين البلديتين في الانتخابات الماضية، ويمكن أن يخسرهما الآن.

وفيما التنافس على رئاسة بلدية إسطنبول على أشده بين رئيس البلدية الحالي ومرشح حزب «الشعب الجمهوري» العلماني أكرم إمام أوغلو وبين الوزير السابق ومرشح الحزب الحاكم مراد كوروم، تبدو أرقام شركات الاستطلاعات تسير بعكس ما يشتهي أردوغان، خصوصاً أن أهم شركتين أبرزتا تقدّماً واضحاً للمرشحين العلمانيين.

أظهر استطلاع شركة «أسال للأبحاث» تقدم أكرم إمام أوغلو على مرشح الحزب الحاكم، تماماً كما أظهر استطلاع «مؤسسة متروبول للدراسات» تقدّم رئيس بلدية العاصمة أنقرة على مرشح الحزب الحاكم، وبفارق حوالى 10 في المئة من أصوات سكان المدينة، وهو فارق كبير ومريح للطرف العلماني الأقوى في العاصمة.

ويخوض أردوغان الانتخابات البلدية كأنها معركته الشخصية الخاصة، حيث يُشارك في اللقاءات الشعبية والمناسبات الجماهيرية والمقابلات التلفزيونية بشكل دائم. وهو يخوضها كرئيس للحزب الحاكم وكرئيس للجمهورية، حيث تُستخدم وسائل إعلام الدولة ووزاراتها ومؤسساتها من أجل الترويج لمرشحي الحزب الحاكم أكثر من غيرهم.

إذا فاز أردوغان وحزبه في الانتخابات البلدية أم خسروا رئاسة بلديات أهم المدن الكبرى، يبقى أن الرجل صنع بنفسه من تركيا دولة قادرة ونافذة في محيطها، ونقلَها من شبه دولة هزيلة القوة وملحقة بالغرب، إلى دولة إقليمية لها رأيها في كلّ شيء. لكن تظل السنوات الأخيرة من عهد أردوغان مشوبة بالحذر الشعبي والسياسي، إذ تبقى بعض «الجيوب» العلمانية والكردية في بيروقراطية الدولة بحاجة إلى «تطهير» قبل أن يُسلّم رئيس الجمهورية الأمانة إلى «أشقائه» من بعده في ربيع عام 2028.

MISS 3