حسان الزين

لماذا لم تتوحّد قوى الإحتجاج والإعتراض؟

16 آذار 2024

02 : 00

منذ السنوات الأولى لنظام ما بعد الحرب تميّزت أصوات علمانية وديمقراطية ومدنية ويسارية تنتقد وتعارض السياسات الاقتصادية والمالية، ومشروع إعادة إعمار وسط بيروت، وتحالف الميليشيات والمال الذي قبض على السلطة ومؤسسات الحكم.

وبعد دورتي انتخابات نيابية، في 1992 و1996، سعى من خلالهما النظام، الذي حلّ باتفاق دولي وتكفّلت سوريا الوصاية عليه، انطلقت حملة تطالب يإجراء الانتخابات البلدية. والهدف، إضافة إلى كون ذلك حقاً كفله الدستور، هو مشاركة الشعب في «السلطات»، وكسر احتكار القوى النافدة الحياة السياسية والدولة ومؤسساتها... والمجتمع وتمثيله. وحقّقت الحملة انتشاراً، وغنّى لها زياد الرحباني «بلدي بلدتي بلديتي»، ونُظِّمت الانتخابات البلدية الأولى بعد الحرب، بعد نحو ثلاثة عقود من توقفها.

في الأثناء، خاضت مجموعة من المثقفين معركة دفاع عن حق تكوين جمعيات، إثر تقدمها بعلم وخبر لتأسيس جمعية لمراقبة الانتخابات وديمقراطيّتها. وقد قابل وزير الداخلية ميشال المر ذلك بالرفض، محاولاً القبض على المجتمع بالادعاء أن تأسيس الجمعية يحتاج إلى «ترخيص». ما اعتبره المؤسسون، ومنهم حقوقيون، هرطقة قانونية، مؤكدين أن الأمر مجرد «علم وخبر» للداخلية. وانطلقت الجمعية.

مذ ذاك، خاضت هذه الأصوات كثيراً من المعارك الانتخابية والسياسية والنقابية والمطلبية، وتقاطعت ونسّقت. إلى أن جاء الربيع العربي، فانطلقت حركة لبننة شعار «إسقاط النظام» الذي تردد في تونس ومصر وغيرهما، وجعلته: «إسقاط النظام الطائفي». وتحت هذا الشعار الكبير والمعقّد، تظاهر آلاف اللبنانيين واللبنانيات، في الشوارع وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، لأسابيع.

ثم، في 2013، نُظِّمت احتجاجات على التمديد للمجلس النيابي، داعية إلى تنظيم الانتخابات في موعدها.

وفي 2015، انطلقت حملة «طلعت ريحتكم» ضد مافيات النفايات، وحملة «بدنا نحاسب».

وأعقب ذلك، بعد نحو سنة، حركة احتجاج على سلة ضرائب فرضتها الحكومة.

وخيضت انتخابات البلدية في 2016 بزخم «معارض» في العديد من المناطق ولا سيما في العاصمة، حيث برزت تجربة «بيروت مدينتي».

وقبل انتفاضة 17 تشرين الأول 2019، التي فجّرتها الأزمة الاقتصادية والمالية وقرارات حكومية، كانت قوى معارضة، يسارية خصوصاً، ومجموعات تشكّلت خلال محطات الاشتباك المتعددة مع «النظام»، إضافة إلى منظمات مدنية، تتحرّك في الشوارع والساحات اعتراضاً على المحاصصة والفساد والسياسات الاقتصادية والمالية... إلخ.

خلال هذه المسيرة، جرت محاولات كثيرة لبناء تحالفات أو ائتلافات، لكنّها لم تولد، وما أُعلن منها لم يستمر أو يفعّل. وانتشرت، لا سيما خلال 17 تشرين وبعدها «المجموعات».

إزاء ذلك، ما زال يتردد سؤال: لماذا لم تنتج قوى وتشكيلات هذا «التيار» الواسع، كلّها أو بعضها، إطاراً جامعاً ومشروعاً وبرنامجاً سياسيين؟

ويراوح هذا السؤال ما بين النيات الحسنة والشعور بأن هذه القوى والتشكيلات لن تكون فاعلة إلا إذا ما توحّدت. أولاً، لأن تفرّقها يشتت قوّتها ويُبقيها أصواتاً احتجاجية واعتراضية وموسمية؛ وثانياً، لأن الخصم قوي وأخطبوطي ومتعدد الرؤوس؛ وثالثاً، لأن البلد تحت سلطة القوى المذهبية المرتبطة بالخارج «أفلس» وبحاجة إلى رؤية وقوة دفع تخرجه من الانسداد والمجهول.

لكن، ما بين النيات والواقع ثمة اختلافات عديدة بين تلك القوى والتشكيلات. وما يزيد من تلك الاختلافات ويجعلها فاعلة هو تقديمها الخطابات والعقائد والمواعظ الأخلاقية على السياسية. فهذه، كثقافة وممارسة، محدودة في بنى تلك القوى والتشكيلات وأدائها وخطاباتها. وهو ما فتح الباب واسعاً لتسلل خطابات قوى السلطة والانقسام المذهبي- الإقليمي («حزب الله» العنوان الرئيس لاختلاف وجهات النظر) إلى مساحة الاحتجاج والاعتراض وخطاباتها، ووسع الهوة في ما بين القوى والتشكيلات... وغيّب البوصلة.

ومتى تنجح تلك القوى والتشكيلات في وضع الحصان (السياسة، مشروعاً وبرنامجاً وإطاراً) قبل العربة (الخطابات والعقائد والمواعظ الأخلاقية)، فهذا رهن بها. وهو «أمل» كثيرين.

MISS 3